القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

أشلاء من بقايا قديمه...قصة قصيرة للكاتب:محمد الليثى محمد /أسوان

قصة قصيرة أشلاء من بقايا قديمه

رأيتك ياصديقى..برغم ظلال النهار المريض ..تنام على بقايا سريري ..وأشعة الشمس ما تلبث من خلال سقف العشة .. أن تنقش على جسدك العجوز إشكال كثيرة لحيوانات خرافية .
كنت ياصديقى ، برغم هذا الزمان العبيط..تضحك وأنت تشير إلى هذه النخلة :
تعرف يا محمد .. النخلة ده نخله سلطاني .
أندهش برغم تكرار العبارة للمرة الألف.. وألملم من حواري حياتي كل النبوءات ..وأسقها في طبق من الديناميت .. وأنتظر .. تضحك وأضحك .. حتى تسقط دموع الدهشة من عيني فتفاجئني ببقايا أحلام كثيرة تحترق ..أحاول أن أتحدث أن ارفع من صوتي.. فتقابلني بزوج من العيون الحزينة ، تسكتني ..نتقارب .. نتداخل نكشف عن إسرار الكون .. وقبل أن تتجمع أول دمعه ..تدير ظهرك فأتابعك ظل طويل .. ينتشر على مساحات كثيرة من دروب القرية ..وتبدو لي قصيرا وأنت تلقم النهر بطول زراعك حجر ..أقترب منك ..تقترب دوائرك من شاطئي تتزاحم ..تتكسر ..فتعاود قذف الحجر .. في صمت أيضا أتهيأ لا دخول إليك ..ثم انتبه إلى صوت يخرج من أحشاء النهر من أطراف القرى :
تشرب شاي .
أهز رأسي ..ويحملني موج النهر بطول البلاد وعرضها ..أجمع أشلاءك من بقايا خرائط قديمه ..وأرسمك ضل لفتى رأسه الدلتا وجسده الوادى شعره يلامس الماء الأبيض ..يدفع بكفيه موج البحر ليحميني ..ويحمى كل البلاد .. وحدي أتحسس أجزاءك وأسد ثقوب تجاويفك..وحدي ووحدك تشرق الشمس علينا ..وحدي أسمع صوتك يتوشح بالحزن :
تعرف جدي الكبير كان جنايني ..عند الملك والملك كان اسود طويل ..جدي لم يعرف الزن ..قلبه قلب طفل .
أتداخل عندما تبدأ بسرد الحكاية التي اعرفها عن ظهر قلب ..نعم ..نعم أهز رأسي للمرة العاشرة ..وعندما تصل إلى أ، جدك قد سرق تمرة كأمله من النخل السلطاني ..وجاء إلى ولده وهو يرتجف يغلق إلف باب وباب ..يطفئ ضوء المصباح وضوء الشمس ..ينادى على ولده الكبير..ينسحب الولد من جوار زوجته تاركا إياها تغلق شفتيها وتضرب بيدها الحائط :
ماذا يا أبى.
يجلس جدك على سرير جريدي قديم ..بين الصمت والظلمة.. ويعيد فك العقد الثلاث ,,يلتفت حين تقع التمرات الثلاثة على الأرض ..يتناول باليد اليمنى تمر’ صغيرة ناشفة وباليد الأخرى يتناول عود ثقاب مشتعل ..يقربه من التمرة ..التي تبدوا كبيره على الحائط يتهرب ظلها من بين أصابعه..ليرسم ظل الجد وظل الولد .
- هل ترى يا ولدى 
- ماذا يا أبى ؟
- هذه تمرة سلطاني ..من النخل السلطاني ، من يأكل منها يصبح سلطان البلاد .
يعترض الولد ويرفع من صوته قليلا 
- لكنها يا ولدى تمرة من آلاف التمر 
يغضب الجد ويرفع خمس أصابع بطول النخلة ..يهبط بها على وجه الولد..يتألم الولد وبصمت يسحب وجه من أصابع الأب ويبكى ..صوت الأب يملأ فرغات الحجرة المرتعشة .
-أوصيك ياولدى أن تزرع هذه التمرة وترعاها ..حتى تصبح نخله سلطاني 
يهز الولد رأسه غير مصدق..ويوارى سوءات أبيه.. يبكى قليلا ويضحك كثيرا .. ويأمر زوجته ذات العيون الجميلة ،أن تحكى لهو حكاية الثلاثة بنات ..في الزمن الأول زرع الولد الأرض..وعلى أبعاد متساوية وضع التمرات الثلاثة..ثم نفض يده..وعاشر زوجته حتى تحمل ..شاهد من شباك بيته الوحيد زمن يمر أشار له لكنه لم يتوقف ..ينظر إلى زوجته فيرى بطنها ترتفع كلما نظر ..والأرض في الخارج لم تخرج من باطنها غير تمرة واحدة ..يحزن الولد ..أوصى الجد عندما مات إن يدفن بجوار النخلة حتى يحرسها..ويشاهد من مرقده أحد أحفاده يأكل منها ..بدت النخلة كبيرة .والجد مات من زمن ..وجاء الحفار ابن قريتنا وقال :
إن مياه النخلة تسربت إلى القبر فتشقق وضاق على الجد.
رفض الولد نقل أبيه ..وأصر الحفار ..وعلم بعد ذلك من أطفال قريتنا أ، لم يقابل الحفار وان القبر ماذا واسع كأنه روضه من رياض الجنة ..لكن الشيء المؤكد أن القبر أصبح على الربوة العالية وحيد بعيدا عن النخلة ..والنخلة ضل وحيد بدون تمرات ينتشر يتكوم على النهر ..الابن بجوار زوجته يتقلب بقلق..لم تنجب النخلة في السنة الماضية.
- قالوا أن ذكور النخل اضعف من أن تلامسها
حمل الابن أشياءه فوق كتفه وذهب بينما الصباح يتدثر بعباءة الجد الذي مات
وكنت يا صديقي عندها صغير أ ..قالوا لك أن بلاد الله تنجب ذكور نخل عفية .
ملحوظة :ما قالته أم صديقي قبل أن تموت .
-كان يرحل خلف دروب القرية ..ينام بجوار ناضر المحطة ..يتسلق النخلة ليشاهد قطارات الليل الراحلة دون وداع .
ما قاله الرجل الذي يحمل تراب السفر 
- أن الأب أسلمته البلاد إلى بلاد يرحل خلف ذكور النخل العفية
لكنه حين تحسس جزع النخلة قال :
العمر قصير
ومضى .. أسرع الولد خلفه.. يتحسس خطاه خلف دروب القرية ..التي أسلمته إلى قطار العاشرة ..عاد يبكى وفى الليل حمل فأسه الصغيرة وخرج يحطم قضبان القطارات الطويلة .
أخر الحكاية قبل ، يوضع صديقي في القبر .
آخر النهار .. قبل أن تضم الشمس رموشها وتدخل ..وضع غراب قدميه على رأس النخلة ..وصرخ فينا ..أغلق صديقي فتحت جلبابه ..وخرج من باب العشة ..تلفت يمينا ويسارا ..وعندما شاهد الغراب على ظل النخلة ..غضب وأحمر وجهه..وقذفه بطول زراعه عدة أحجار ..لكن الحجر الأول لم يصل إلى نصف النخلة ..حاول في الحجر الثاني لكنه لم يصل إلى نصف النخلة حاول مع الثالث وعندما فشل أيضا قرار أن يصعدا لنخله ..ربط الحبل على وسطه ونظر إلى النخلة لم يشاهد لها آخر ..فرح وبسرعة تسلق النخلة ..ثم بات حركته تبطئ حتى توقف عند منصف النخلة أزاح من رأسه حبات الحلم ..ونفض جناحيه وطار ..حوله النهر بزارعيه يحتضن البيوت والماذءن والناس ..صرخ صديقي وآخذ يصعد ويصعد ..وعلى قمت النخلة جلس ..وحده ..والبيوت والحواري والخرائط تحته لا يراها.. أشرقت الشمس وغابت وصديقي على قمة النخلة .
حين اجتمع الناس آخر النهار قال أولهم إلى أخرهم :
- أنه شاهد ذكر الخل العفي يركب جناحي غراب ويهبط به داخل النخلة وأن صديقي يأكل منها .
لكن أولهم صرخ في أولهم وأنقض على زراعه وسحبه بعيدا ووقف يقول :
لم يصل إلى نصف النخلة .
ما قالته السيدة العجوز. 
- ظل الولد عندما مر ضاجع نساء القرية فحملت منه أبنتها العانس 
ما قال له الصياد :
إن الشبكة كأن بها حوت بطول النخلة ..وان الحوت خاف من ظل الولد وهرب من ألشبكه .
ما قال له الفلاح العجوز :
أن ثمار الشجرة عادت إلى باطن الأرض .
لكن الذي لااشك فيه برغم ذلك ..أن صديقي قد مات .. وأن النخلة لم تنجب ..وأن الظل قد ضاع ..حملته أشباح صغيرة وربطت به شاطئي النهر .
محمد الليثى محمد 
أسوان


ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏