القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قصة:سياسة البيض المسروق..من مجموعة" من قصص الحكيم "للقاص:عمر لوزري


ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏يبتسم‏، و‏‏‏لقطة قريبة‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏‏

القصة رقم 15 من مجموعتي : " من قصص الحكيم " عمر لوزري
سياسة البيض المسروق

يُحكى أن أحد ملوك القرون الوسطى كان يحكم شعبا حرا كريما، وكان هذا الشعب رغم طيبته وبساطته وعلاقاته المتينة لا يسكت على باطل أبدا، ولا يدع الملك أو أي وزير من وزرائه يظلمون أحدا منهم، فإذا ظُلم أحدهم وقفوا وقفة رجل واحد حتى ترد مظالمه.
أخذ الملك في حيرته يسأل وزراءه عن الحل، وكيف له أن يحكم هذا البلد كما يريد، فتميز من وزرائه رجل داهية أشار عليه بإتباع سياسة يسميها سياسة البيض المسروق.
ما تلك السياسة يسأل الملك وزيره ؟ فأجابه : ثق بي يا جلالة الملك و سوف ترى ما فيها من حكمة .
خطب الوزير في الناس أن الملك يريد من كل رب أسرة خمس بيضات من أي نوع، فقام الناس بجمع البيض والذهاب به إلى قصر الحاكم، وبعد يومين نادى المنادي ثانية أن يذهب كل رجل لاسترجاع ما وهبه من بيض. فاستجاب الناس وذهب كل منهم لأخذ بيضه، وهنا وقف الوزير، الملك و حاشيته، يتابعون تصرفات الناس أثناء أخذهم البيض. و لاحظوا شيئا غريبا و اندهشوا في أن كل واحد من الناس تمتد يده ليأخذ البيضة الكبيرة! والكبيرة فقط، حتى أن أغلبهم أخذوا ما ليس لهم ، و لم يؤتوا بمثله حجما.
هنا وقف الوزير ليعلن للملك أنه الآن فقط يستطيع أن يفعل بهم ما أراد.. فلقد أخذ الكثير منهم بيضا آخر وأكل حراما، ونظر كل منهم لما في يد الآخر فلن يجتمعوا بعدها أبدا و لن يتآزروا فيما بينهم وقت الشدة.
لا عجب في ذلك فقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لِمن كان مأكله حرام وملبسه حرام ومشربه حرام ويدعو الله فأنّى يستجاب له. من هنا لجأ بعض الحكام لانتهاج نفس السياسة، بتجويع الناس ليقوموا باللجوء إلى مال غيرهم من مال حرام ولو في أبسط صوره، وتكريس منطق الطبقية، فينشأ الحقد والحسد بين الناس، فيتفرقوا و تتفرق كلمتهم وهو ما يجعلهم لقمة صائغة في فم الحاكم يأكلها كيفما و متى شاء.
و بعد مرور زمن على مكيدة الوزير الداهية، قامت فئة واعية لاحظت و أبصرت الواقعة في عموم الشعب و أدركت أن ما فعله الملك بشعبه هو التسلط و التجبر بعينه، فثاروا و خرجوا يطالبون بحقهم في الحياة الكريمة، فلجأ الملك للوزير يستشير منه ثانية بخطة و مكيدة جديدة يمررها على شعبه. فأشار الداهية على الملك بسياسة جدول الضرب، و هي أن يستخدم العمليات الحسابية الآتية: الجمع والطرح والضرب والقسمة في تعامله مع هذه الفئة التي تطالب بحقوقها وحقوق الوطن.كيف ؟ أولا يبدأ بعملية الجمع، فيجمع ما استطاع منهم حوله بأن يقلدهم المناصب ويأخذوا الأموال والأوسمة فينسيهم القضية بعد أن يكسر الملك عيونهم بإغداق كرمه عليهم.
أما الفئة التي تظل على موقفها وبالضرورة هم قلة فيلجأ الملك للطرح. أي يطرحهم أرضا بتلفيقهم التهم و القضايا واستخدام نقط الضعف في كل واحد منهم وبذلك يتواروا عن الأنظار إما خجلا أو خلف قضبان السجون، شرط أن تكون قضاياهم كلها بعيدة عن خلافهم مع الملك، أي يكون التدبير محكما بدون التطرق إلى السياسة.
أما من تبقى وهم قلة قليلة جدا، فإذا انتفضوا و نددوا، أشار الوزير أن يلجأ الملك إلى تطبيق العملية الحسابية الثالثة و هي الضرب. فضربهم وسحلهم و نكل بهم على مرأى من الناس في الساحات و الطرقات حتى يخيف الباقين من أن يتجرؤوا ثانية.
هنا تساءل الملك : " ترى ما الذي سيكون عليه حال الشعب ؟ "، فضحك الوزير قائلا .. يا سيدي لم يتبقَ للشعب في معادلتنا سوى عملية واحدة ألا و هي القسمة.
قال الملك وماذا تعني ؟ فأجاب الوزير بأنه لن يكون أمامهم سوى أن يخضعوا فيضربوا كفا بكف عن عجزهم و هم يقولون : قسمتنا هكذا ؟ ربنا على الظالم ؟ يقصدون طبعا جلالتك ! و هذا أمر مؤجل ليوم القيامة.
وهنا ضحك الملك وضحك الوزير و مازالت أصداء ضحكاتهم تملأ الآفاق .. ومازالت الشعوب تجمع وتضرب وتقسم.
الطمع يفسد الطبع، و السفيه لا يستريح، و آكل مال أخيه حرام، و أكل الحرام مآله التشتت و الفرقة و الغلو مما يؤدي إلى الفتنة. و الفتنة أشد من القتل. و لا تفرقوا ، فتذهب ريحكم

 عمر لوزري