القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة في قصيدة "البحث عن زمن " لـ صابر حجازي بقلم الناقدأحمد بدر

قراءة في قصيدة "البحث عن زمن " لـ صابر حجازي بقلم الناقدأحمد بدر 


......................

أولا - القصيدة "البحث عن زمن "

........................................
يكفيني..
أن أحكي القصة
وأٌقولَ ..
ما يُخْفِيهِ لساني
وبرغمي
أذكر مأساتي
بحروفٍ تتساقط
من شفتي
تهوي
تحكي آلامي
*
في البدءِ..
عرفت الدنيا ..أوهاماً
أقوالاً زائفةً ..بهتاناً
وقبلتُ الواقع سجاناً
وقيوداً
في أيدي الحرمانِ
أقتاتُ فتاتا
وأقـَـــّبل أيدي الأسياد
وبلاداً... أتغرب فيها
أحمل أملاً في الغدْ
أن ألقي يوماً شطآنًا
فعيوني ..تبغي أن تبصر
لكنْ
مصباحي - ذا - مطفأ
وطريقي.. في العين دخانْ
*
و لأني أحيا إنسانًا
من جيلٍ يحمل آثاماً
جيلٍ..
لا يعبأ بالماضي
لا يذكر أمجاداً
..وتراثَ الأجداد
جيلٍ ..حين تري عيناه
لا تبصر 
غير الخذلانْ
جيل يحيا يا سادةُ
بين الحرمان
يصبر...
لكنْ
لا يقدر أبداً
أن يحيا مخنوق الوجدانْ
*
جيلٍ....
يبغي أن يبصر زمناً
يلقاه بالحبَّ
ويجمع كل الأحلامِ
جيلٍ....
يبحث عن دربه
عن زمنٍ
كي يحيا فيه
يطوي يأسه
ينقذه ..
من قاع الهذيان

قراءة في قصيدة "البحث عن زمن " لـ صابر حجازي بقلم الناقدأحمد بدر
قراءة في قصيدة "البحث عن زمن " لـ صابر حجازي بقلم الناقدأحمد بدر 
================

ثانيا - القراءة 

...................
من لا يحمل أمالا وأحلاما وأماني ميتٌ ولو كانت الروح تسكنه... كل منا يبحث في يومه عن غد يعانق كل الأحلام... يتزين بالسعادة والرضا والأمان... لكن كم منا من وجد أحلامه وأمانيه تنتظره على قارعة الطريق تصفق له مرحبة؟!!... 
وكم منا من رفض الماضي ولم يجد المستقبل الذي يبغيه...
كم منا من شرب العلقم ليصنع غدا بطعم الشهد... فلم يجد في انتظاره ما يرضيه... 
فهل نحن نسير في طريق يبدأ بالسعادة التي تتقلص مع تقلص الطريق لتنتهي بيأس يأويه؟؟؟ هل السعادة طعاما نشتريه أم مكافأة من الله لمن جد وسعى ورضي بما كتب الله له من نعيم...
ونحن اليوم مع نص للشاعر (صابر حجازي) يتحدث لنا عبر بطله عن الحياة من منظار الكثيرين منا... علنا نقف متأملين نجد سعادتنا فيما رضي الله لنا... وعندما نحسن استخدامه بالصورة المثلى...
وضع شاعرنا عنوانا لنصه (البحث عن زمن...) نبحث عما لا نملك... سواء فقدناه أو افتقدناه ونسعى لنيله... عما نريده ونحتاجه... ولا يعقل أن يكون الزمن نكرة... فكيف نبحث عما نجهل... لذا نرى أن بعد (عن زمن) محذوف تركه الشاعر ليقدره كل منا بحسب فكره ورؤياه... ربما يراه البعض: زمن السعادة... أو... الرضا... أو تحقيق الأماني... أو...
......................
ويبدأ شاعرنا نصه بقوله: (يكفيني أن أحكي القصة... وأٌقولَ ما يُخْفِيهِ لساني)... ونشعر من البدء بمعاناته... ويبحث عمن يسمعه ليفرغ مخزون الأحزان الذي يسكنه... فنحن غالبا نحتاج لمن يسمعنا لنهدأ... ونشعر أنه كتم ما بداخله طويلا... حتى ما عاد قادرا على مزيد من الصمت والسكوت... و حتى لو لم يجد من يستمع إليه أو يتعاطف معه... فإن مجرد أن يحكي القصة يخفف عنه... فأحيانا يكفينا الحديث عن معاناتنا لنهدأ...
يريد أن يتحدث عما يخفيه اللسان... والواقع أن اللسان لا يخفي شيئا... بل العقل من يلزم اللسان بالصمت فيصمت... فيكون ما يخفيه اللسان استجابة لإشارات العقل بالصمت... فهل تراجع العقل... وسمح للسان بالتحدث... أم تمرد اللسان على قيود العقل وقرر الانتصار على الصمت والبوح...
ويكمل شاعرنا: (وبرغمي أذكر مأساتي بحروفٍ تتساقط من شفتي... تهوي... تحكي آلامي)... ويبدو أن لسانه انتصر في معركة البوح... فرغما عن الضغط العقلي الذي يرفض البوح ينطلق لسانه ويتحدث عن مأساته... 
ويقول: (أذكر)... والذكر ما يجرج من الذاكرة ويجري على اللسان... فمأساته تعيش في مخزونه العقلي... وسيخرجها حروفا تتساقط من شفتيه... و(التساقط) من أعلى لأسفل... والتساقط لا تملك فيه الحروف رغبة أو مقاومة... بل دورها سلبي... تسقط ضعيفة متهالكة أو ميتة... و(تتساقط) على وزن (تتفاعل) التي من معانيها تكرار الحدث... فهي لا تسقط كتلة واحدة بل متتالية ومتتابعة وهذا يتلاءم مع الحروف والكلمات فهي لا تسقط فقرات... بل كلمات وجمل... 
و(تهوي) من أعلى لأسفل... وتختلف تهوي عن تتساقط في سرعة السقوط ونتيجته... فتهوى تشير إلى التهالك وربما الهلاك... لتحكي عن آلامه... فالصمت كان عن البوح بالآلام والجراح والمصائب والمصاعب... فتضعف القدرة على الصمت أو تتمرد عليه...
ويبدأ حكايته: (في البدءِ عرفت الدنيا... أوهاماً... أقوالاً زائفةً... بهتاناً)...
ونحن نعرف الدنيا بعد المرور بخبرات فيها... لكن خبراته السابقة لا تحمل رؤية إيجابية... بل سلبية... فخبرته تقوده إلى أن الدنيا أكذوبة كبيرة...
وقوله (في البدء) توحي إلى أنها رؤية أولية لعلها تغيرت بعد مزيد من التجارب والخبرات...
لكن (في البدء) قد تحمل أيضا معنى فاتحة الكلمات... فأول ما سيدلي به من معرفة أن الدنيا تقوم على الغش والخداع والتزوير... واِفْتِراء، وِاخْتِلاق....
ويكمل شاعرنا: (وقبلتُ الواقع سجاناً... وقيوداً في أيدي الحرمانِ) والقبول غير ارضا... فقد نقبل ما لا نرضى مجبرين... فمن منا يرضا بالواقع سجنا يكبل حركته وتفاعلاته ورغباته وطموحه؟؟؟ وقبل بالحرمان قيدا له... ونتساءل لماذا لم يتمرد على واقعه ويقبل به؟؟؟ أليس مرد ذلك شعوره بالعجز... وربما ثقل المعاناة...
والواقع سجانا... فالسجان ليس شخصا يأتي ويغيب ويتغير... بل واقع مر ممتد يصعب تغييره... هل كان على الشاعر أن يقول الواقع سجن؟ لعله أراد أن من الممكن التمرد عليه وتغييره رغم صعوبة ذلك...
ويصف حال الاضطهاد التي يعيشها بطل نصه... (أقتاتُ فتاتا... وأقـَـــّبل أيدي الأسياد) 
فهو يشعر بأنه عبد يعيش على فتات الأسياد... والقوت ما نقتات به لنبقى أحياء... والفتات ما يزيد من بقايا الطعام... 
ويكمل: (وبلاداً أتغرب فيها... أحمل أملاً في الغدْ... أن ألقي يوماً شطآنًا)... فهو يشعر بالغر بة ويتمنى نهايتها بالوصول إلى مكان لا يشعره بغربته... والغربة عذاب... انقطاع للفرع عن الأصل... والغربة قد تكون خارجية بحثا عن العيش الطيب... جسديا أو نفسيا أو فكريا... أو سياسيا... أو... وقد نغترب في أوطاننا إذا شعرنا أنها ما عادت لنا ولا نحققها فيها طموحاتنا من الأمن والاستقرار والرضا والعمل والحرية والاحترام... فالوطن الفاقد للقيم يفقد مواطنيه إحساسهم بالانتماء... فقد يسرق الوطن منا... وقد يسرق الوطن بنا... ونتحول إلى عبيد داخل وطننا...
فعيوني... تبغي أن تبصر... لكنْ مصباحي - ذا – مطفأ... وطريقي.. في العين دخانْ
*
و لأني أحيا إنسانًا... من جيلٍ يحمل آثاماً... جيلٍ لا يعبأ بالماضي... لا يذكر أمجاداً... وتراثَ الأجداد
جيلٍ ..حين تري عيناه لا تبصر غير الخذلانْ
جيل يحيا يا سادةُ... بين الحرمان... يصبر... لكنْ لا يقدر أبداً أن يحيا مخنوق لوجدانْ
جيلٍ... يبغي أن يبصر زمناً يلقاه بالحبَّ ويجمع كل الأحلامِ
جيلٍ.... يبحث عن دربه... عن زمنٍ... كي يحيا فيه... يطوي يأسه ينقذه. ..من قاع الهذيان...
وقوله: (بلادا أتغرب فيها) قد تكون واقعا يعيشه... أو أملا يتمناه... لأنه يبحث عن وطن يقدم له وطنا في الغد... يبني آمالا لا يقوضها... يفتح آفاقا لا يسجنها أو يقتلها... يبحث عن شطآن أمان... والأمان جسدي ونفسي وفكري... أمان في الرزق والحرية والعطاء... كم نحتاج إلى أن نرسو على شطآن الأمان!!
ويكمل بطل شاعرنا مأساته: (فعيوني تبغي أن تبصر... لكنْ مصباحي - ذا – مطفأ... وطريقي.. في العين دخانْ)...
يريد النور والحرية والانطلاق... يريد أن يكون كغيره يرى ويسمع ويفكر ويتخذ قرارات... لكنه يشعر أنه غير قادر على الخروج من مأساته... فهو مكبل بما يحيط به من ظلم وكذب وبهتان... مكبل بغربة أجبر عليها... ووطن الغربة ليس وطنا... لديه الرغبة في رؤية حقيقة ما حوله... لكنه غير قادر لأن مصباحه مُطفأ... ومصباحه قد يكون عينيه... وقد يكون عقله وقدرته على تدبر أمره... وربما هناك من يضع يده على عينيه ليمنعه من الرؤية... 
وبالإضافة لعدم القدرة على الرؤية... فطريقه دخان غير واضح المعالم... فهو مكبل من داخله ومن خارجه... 
ويكمل شاعرنا على لسان بطله المنهك المحبط بكل معيقات الرؤية والحركة والفعل فيقول: (ولأني أحيا إنسانًا... من جيلٍ يحمل آثاماً... جيلٍ... لا يعبأ بالماضي... لا يذكر أمجاداً، ..وتراثَ الأجداد)...
ويبدأ في تشخيص أسباب المشكلة وأبعادها... فهو من جيل نما دون أن يرتبط بتراثه وأصله وأصالته وأمجاد أجداده... فقد البوصلة... فهو امتداد طبيعي لمن قبله... فمن أنساه ماضيه؟... هل قناعاته الخاصة؟ أم التربية القاصرة من قبل الوالدين والمجتمع؟ وربما من قبل القوى الداخلية الراغبة في فصله عن ماضيه لتسهل قيادته... وربما القوى الخارجية التي سرقت تاريخه وثقافته وانتماءاته وتركته بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل...
فنما وكبر لا يعرف ماضيا ولا يثق به... ولا يعترف بانتصارات أجداده الذين فتحوا بالإسلام معاقل الكفر... 
ويكمل مبرزا عوامل خذلانه: (جيلٍ ..حين تري عينيه لا تبصر غير الخذلانْ... جيل يحيا يا سادةُ بين الحرمان... يصبر... لكنْ لا يقدر أبداً أن يحيا مخنوق الوجدانْ)... نجده لا يتحدث عن حال فردية قد تكون عوامل خاصة تركت أثرا عليها لنجده يتحدث عن جيل بكامله... جيل صابر يحمل الإحباط في عينيه... فهل يستمر العيش بهذه الحال؟ واستخدم شاعرنا أسلوب القصر ليقصر محتويات عينيه ووجدانه على الخذلان... خذله الجميع... خذله وطن سرقه أصحاب السلطة والجاه... وسرقته سلطات أخرى أقوى وأشد استطاعت تحويل سلطة بلده من وطنية إلى تابع يسعى لإرضاء القوي الذي يستطيع استبداله بآخر لو فكر أن يتذمر أو يتمرد أو يعلن العصيان... 
جيل مهزوم من داخله... مهزوم لأنه لا يشعر بطاقة ضوء تفرش له طريق الأمل... فهل يتمرد أم يستكين للطوفان...
وحتى لا يظن البعض أن الإحباط تحول إلى يأس يقيد العقل والأطراف... يختم شاعرنا نصه بقوله: (جيلٍ يبغي أن يبصر زمناً يلقاه بالحبَّ ويجمع كل الأحلامِ... جيلٍ يبحث عن دربه عن زمنٍ كي يحيا فيه يطوي يأسه ينقذه... من قاع الهذيان)... هذا جيل يطمح أن يبصر زمن الحب والتآلف... زمنا يجمع فئات الشعب بعيدا عن التناقضات والصراعات... زمن يمتطيه ليخرج من أزماته إلى بر الأمان... 
وتوقفت عند (جيل يبغي) هل يكفي كونه (يبغي) ليحقق طموحاته... فالرغبة غير كافية ما لم تساندها قوة الفعل... كلنا نرغب في تغيير حالنا للأفضل فهل نملك هذا بدون العزيمة الصادقة القائمة على قناعة... وقوة تدفعنا للعمل الجاد القادر على إحداث التغيير... ويضع شاعرنا الحل... بالحب... الحب يجعلنا نتقارب نتسامح نغفر ونعفو... عندها تتلاحم القوى وتتعاضد لتكون تيارا كهربائيا يصعق من يقف ليمنع النهر من العطاء... يصعق من يحاول أن يوقف الفيضان...
يرسم الشاعر لنا صورة واقعية وإن كانت محزنة لواقعنا اليومي المعاش... ولا يتركنا ليأسنا بل يفتح لنا آفاق الانتصار على الذات وإذابة ما بيننا من تناقضات... لنوجه بوصلتنا نحو الحياة...
دام جمال حرفك...

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏لحية‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

Ahmad Bader‎‏ - أحمد بدر
مشرف لغة عربية بوكالة الغوث الدولية
أونروا (سابقا)
يقيم في ‏غزة‏