القائمة الرئيسية

الصفحات

جاري تحميل التدوينات...

توحّد طفلة/ سامية مجاهد/ الجزائر


توحّد طفلة

           غزارة الأمطار في تلك اللّيلة الشّتوية لم يشهدها أحد من قبل، الرّعد والبرق يكتسحان المحيط الوجودي، جبروتٌ سماويٌّ ترافقه صرخة امرأة حامل جنينها يعلن أوان خروجه إلى العالم الفسيح، كلّنا ضاقت بنا أرحام أمّهاتنا في آخر لحظات الحمل فقذفتنا خارجا. عيناي السوداويان شبيهان بظلمة اللّيلة الكئيبة، تشاءم أبي وجدّتي من هذا المخلوق الذّي تكاد تنشقّ السّماوات لقدومه ، وحدها أمّي من حضنتني بحب قالت عيناها الغُرابيتين كانتا بداخلي والآن أنظر إليهما لأوّل مرّة بعد طول انتظار. صوت البرق أكسبني إحساسا بالقدوم إلى مأساة فشدّني بذلك الحنين إلى رحم الأمان. أشرقت الشّمس في اليوم التّالي لكنّ سحابة الغيم الأسود بقيت ملازمة لأيّامي وسنواتي المُعاشة، حجبت عنّي البشر والنّاس، كنت عاجزة عن التّواصل، عن التّعبير، عن كل أنواع المشاركة، كنت فاقدة للعلامات المُكتسبة لا أذكر أنّي لعبت أو تحدّثت مع أحد على خلاف ابتسامات عابرة أهديها لأمي تعبيرا لها عن امتناني ، ابتسامات خجولة وسط دموع حفرت على وجنتاي طريقا لها فأقسمت أن لا تغادره. نعم كنت مصابة بالتّوحد ولأنّ الجميع عرف بأمر حالتي الغريبة لم يكلّفوا أنفسهم حقّ التّجريب حقّ إخراجي من عزلتي التي ما عدت أطيقها .غالبا أهل هذه الحالة لا يتواصلون إلاّ مع أمّهاتهم فقط وفعلا كان تواصلي يقتصر عليها دون سواها، حتّى أبي الذي نفرني من أوّل ليلة كان منفاي وعالمي الغريب الذي لا أحبّه ولا أطيق رؤيته. تأزّم الوضع يوم فقدت عالمي الوحيد يوم ماتت أمّي ساءت حالتي كثيرا، إعادتها وبعثها من جديد كان فكرة مستحيلة هذا ما كانوا يقولونه لي وأنا أحاول إيقاظها من نومها الأبدي. بعد موتها أهملت أحرفي، كتاباتي، رسوماتي أهملت نفسي. كيف يكتب الإنسان أو يعيش إن تلاشى كوكب الأرض؟ .و أنا أمّي كانت كوكبي. 
 سامية مجاهدربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏

تعليقات

التنقل السريع