_ كأس بلبل _
حينما امتزج المطر المتساقط عنوة في هذا المساء مع ذرات ثرى لازالت عذراء ، كانت الأفق تعانق آخر تغريد بلبل وحيد ، تاه في درب العودة ، ولربما أفقدته حبيبات المطر المقهور سبيله الذي اعتاده ، بدأ الوحل يتشكل كما لوحة فسيفساء مستحضرة من زمن قديم ، نظر حامد إلى البلبل التائه ، اغرورقت عيناه بشيء ما ، كان يلوح له بمنديله الأبيض الذي بلله المطر ، حتى لم يعد قادرا على الصعود أكثر باتجاه سماء صاخبة ، عندما تكاثفت الغيوم السوداء غاب البلبل عن مرآى حامد ، أسدل الباب ثم توارى ، دوي انفجارات الرعد تملأ المكان ، بينما كان البرق خجولا في ذاك المساء ...
- مابك يا حامد ، كأن شيئا حدث معك ...
- لا شيء ، لا شيء ... يامرأة ... دعيني وشأني الآن ...
فتح كتابا قديما غطاه غبار أحمق ، كان يبحث عن طوق نجاة ( أخبرني جدي بأن في هذا الكتاب تعويذات تهدي من ضل السبيل ، ولكن أين هي ) كان يحدث نفسه دون أن ينتبه إلى صوته المرتفع ، ابتسمت المرأة ...
- سأصنع لك كوبا من الشاي ...
ابنه الصغير يرافقه دون أن يدري ، فقد كان يخاف ثورته ، يواري عينيه بأصابعه .
المطر حينها كان يلملم حقائب السفر ، البرق أصبح أكثر جرأة ، ضجة تثور على أطراف النافذة ، هرع حامد وخلفه الصغير ، بينما المرأة كانت تلتقط كأس الشاي الأحمر ، عندما فتح النافذة قذف بالكتاب بعيدا فثار غباره على وجهه ، عانق طفله الصغير ، قبل أن يبدأ إحتساء كأس الشاي ...
وليد.ع.العايش