القائمة الرئيسية

الصفحات

جاري تحميل التدوينات...

_ الشقيقان _وليد.ع.العايش-سوريا


_ الشقيقان _ ق.ق _ 

............
لملم أشياءه بتأني ، حقيبته السوداء فاغرة فمها ، تلتقم كل ما يأتي دون أن تنبس ولو بكلمة واحدة ، الغروب يبتدئ الحضور رويدا رويدا ، ربما كان يتعمد تأخر الوصول ، بينما صراخ الريح يصفر في زقاق طويل ، سنوات مضت وهو يمر من هنا كما عبور غيمة صيفية ، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا ، الطريق أمسى أكثر شراسة ، والوصول إلى الهدف أصبح صعبا وخطرا جدا ، الأم التي لم تتجاوز عقدها الرابع تساعده في لملمة أشياءه ، تخفي وراءها دموعا تكاد تختنق في حنجرة لا تقوىعلى الكلام ، بينما شقيقه الأصغر ينظر بحسرة وهو ينشغل بمتابعة أغنية على شاشة تلفاز مهترئة ...
_ لا تذهب يا أخي ، الطريق صعب ، ابق هنا فنحن بحاجتك ، لا معيل لنا سواك ...
رمقه بنظرة تحمل كل المعاني دفعة واحدة ، الحزن والأسى ، الفرح والسعادة ، الرجولة والإباء ...
_ وهل أترك رفاقي هناك يا أخي ، إنهم بانتظاري ، منهم من ينتظر وصولي كي يذهب إلى أهله ...
صمت الأخ الصغير ، ربما لم تسعفه السنوات العشرة على الإجابة ، وربما تبعثرت الكلمات في عقله ...
_ كثر الموت ، لا نريدك أن تأتي إلينا محمولا ...
قالها ثم شهق ، إنه الطفل الذي مازال يتشبث بجلباب أخيه ...
مسح رأسه بيديه المخشوشنتين ، لملم بعضا من دموعه وأودعها حقيبته السوداء ...
مع خيوط الفجر كان يقف على قارعة الباب ، عانق شقيقه الصغير كما لم يفعل من قبل ، طبع على وجهه قبلات ملونة ، استجمع كل قواه كي يواجه عيون أمه ، لحظات ثقيلة تمر ، العيون الأربعة تراقب غياب تلك الروح ، قبل آخر منعطف ، التفت إلى الخلف ، لوح بيديه ، بينما وجنتاه كانتا تغتسلان بماء دافق ، أشاح ثم توارى ...
دفن الصغير رأسه في حضن الأم الباكية علانية هذه المرة ...
_ لعن الله هذه الحرب وكل من اقترفها ...
قالتها بصوت مسموع وعادت إلى سرير ابنها المغادر منذ قليل ...
ثلاثة أيام فقط مضت ، كانت كما سلحفاة هرمة ، دق الباب فجأة ، شخص غريب يرافقه آخر بشعر أبيض ...
_ هنا بيت ....
_ نعم نعم نعم هنا يابني ...
تناثرت الكلمات والأشواق في درب السماء ...
عثرت الأم في قميص ابنها الغائب على ورقة صغيرة ، هي تعرف خطه جيدا ( لا تبكي يا أماه ... فإنني أعشق الموت بألوان أربعة ) ...
في تلك اللحظة كان الأخ الصغير يسند رأسه على وسادة أخيه ويبتسم ... 

............. 
وليد.ع.العايشربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

تعليقات

التنقل السريع