_ جهة مجهولة _
...............
قرية صغيرة تحتفي كل يوم ببعدها عن صخب العالم ، دروب ضيقة ، أنوار خافتة تتبعثر كأوراق خريف مشتت الخطا ، الأحلام تولد هناك ، وتنتهي على تلة شاحبة الوجه ، لا مكان إلا للحب في سواقيها ، حتى الأموات يلوحون فرحا ...
حينما خرج نائل من قريته ، كانت الدموع تأكل كثيرا من وجنتيه
_ المستقبل هناك يا ولدي ، سنكون معك ، لا تقطعنا من مراسيلك ...
_ نعم يا أبت ... لم يستطع أن يتم حديثه ... توارى شيئا فشيئا ، بينما عبق الثرى يؤجج أحاسيسه الثائرة .
يتابع أبو نائل حصاد الموسم ، يحتسي بعض الشاي مع زوجته برفقة أشواك تتناثر على وجه سنابل القمح ، لم يتبق له إلا زوجته وابنته ذات الخمس سنوات ...
_ فعلا هي خمس سنوات مرت يا أم نائل ، حان الوقت كي يعود إلينا ...
_ سوف ندير له حفلة ، ونذبح خروفا على باب البيت ، سأرقص حتى الصباح ...
ابتسم الرجل وهو يرتشف آخر ما بقي في كأس الشاي ...
_ ومتى كنت تعرفين الرقص يا امراة ... لم ترقصي لي طيلة سنوات مضت ...
احمرت وجنتا أم نائل ، أشاحت بوجهها جانبا ، تعلقت عيناها بالأفق ، إنها تنتظر ظلا يلوح هناك ...
سهرة مختلفة عاشتها القرية الصغيرة ، أغاني النسوة تكسر برد الشتاء ، تقهقرت النكات في الغرفة المجاورة ، لقد غادر الجميع على أنغام المطر الآتي بشكل مفاجئ ، ربما حضر ليحتفل مع الأسرة الكبيرة والصغيرة ...
أصبح نائل يقضي وقته بين القرية والمدينة ، تزوج من ابنة جاره ذات العيون المخملية ، لكنه لم ينس كيف يكون الحصاد ...
رن هاتفه قبل منتصف الليل بقليل ، شيء ما طرأ فجأة ، خرج إلى والده النائم ، نظر إليه قبل أن تمتلئ عيناه بالدموع .
_ أبي ... أبي ...
_ مابك يا بني ، هل مات أحد ما في القرية ...
استيقظ من نومه هلعا ، فرك عيونه ، تناول كأس الماء ...
_ لا ... لا يا أبي ... لا تخف ... لقد أخبروني بأنه تم تعييني بمنصب هام في المدينة ، أحببت أن تكون أو من يعلم ...
قال كلماته تلك ثم تناول يدي أبيه يقبلهما بشغف طفل صغير ...
_ مبروك يا بني ... مبروك ... تمتم الأب ونكز زوجته بأطراف أصابعه ...
تشابكت الظروف على نائل ، انتقل للسكن في المدينة ، تغير مناخ حياته ، أمست تدور كرحى طاحونة .
كان المكان يمتلئ بالروائح الكريهة ، تلك التي لم يعتاد عليها من قبل ، محاولاته باءت بالفشل ( آخر الدواء الكي ) قال نائل في نفسه ...
في اليوم التالي كانت حزمة أوراق تنتشر بين الغرف ، الأصوات باتت مختلفة المذاق ، القهوة المرة اختفت على حين غرة ...
أغلق نائل باب مكتبه في ذلك اليوم ، لكنه نسي أن يغلق هواتفه الثلاثة ...
عندما انتصف النهار ، حمل نائل ورقة بيضاء ، وقلم أسود ، ثم انطلق إلى جهة مجهولة ...
................
وليد.ع.العايش
٢٠/٩/٢٠١٧
...............
قرية صغيرة تحتفي كل يوم ببعدها عن صخب العالم ، دروب ضيقة ، أنوار خافتة تتبعثر كأوراق خريف مشتت الخطا ، الأحلام تولد هناك ، وتنتهي على تلة شاحبة الوجه ، لا مكان إلا للحب في سواقيها ، حتى الأموات يلوحون فرحا ...
حينما خرج نائل من قريته ، كانت الدموع تأكل كثيرا من وجنتيه
_ المستقبل هناك يا ولدي ، سنكون معك ، لا تقطعنا من مراسيلك ...
_ نعم يا أبت ... لم يستطع أن يتم حديثه ... توارى شيئا فشيئا ، بينما عبق الثرى يؤجج أحاسيسه الثائرة .
يتابع أبو نائل حصاد الموسم ، يحتسي بعض الشاي مع زوجته برفقة أشواك تتناثر على وجه سنابل القمح ، لم يتبق له إلا زوجته وابنته ذات الخمس سنوات ...
_ فعلا هي خمس سنوات مرت يا أم نائل ، حان الوقت كي يعود إلينا ...
_ سوف ندير له حفلة ، ونذبح خروفا على باب البيت ، سأرقص حتى الصباح ...
ابتسم الرجل وهو يرتشف آخر ما بقي في كأس الشاي ...
_ ومتى كنت تعرفين الرقص يا امراة ... لم ترقصي لي طيلة سنوات مضت ...
احمرت وجنتا أم نائل ، أشاحت بوجهها جانبا ، تعلقت عيناها بالأفق ، إنها تنتظر ظلا يلوح هناك ...
سهرة مختلفة عاشتها القرية الصغيرة ، أغاني النسوة تكسر برد الشتاء ، تقهقرت النكات في الغرفة المجاورة ، لقد غادر الجميع على أنغام المطر الآتي بشكل مفاجئ ، ربما حضر ليحتفل مع الأسرة الكبيرة والصغيرة ...
أصبح نائل يقضي وقته بين القرية والمدينة ، تزوج من ابنة جاره ذات العيون المخملية ، لكنه لم ينس كيف يكون الحصاد ...
رن هاتفه قبل منتصف الليل بقليل ، شيء ما طرأ فجأة ، خرج إلى والده النائم ، نظر إليه قبل أن تمتلئ عيناه بالدموع .
_ أبي ... أبي ...
_ مابك يا بني ، هل مات أحد ما في القرية ...
استيقظ من نومه هلعا ، فرك عيونه ، تناول كأس الماء ...
_ لا ... لا يا أبي ... لا تخف ... لقد أخبروني بأنه تم تعييني بمنصب هام في المدينة ، أحببت أن تكون أو من يعلم ...
قال كلماته تلك ثم تناول يدي أبيه يقبلهما بشغف طفل صغير ...
_ مبروك يا بني ... مبروك ... تمتم الأب ونكز زوجته بأطراف أصابعه ...
تشابكت الظروف على نائل ، انتقل للسكن في المدينة ، تغير مناخ حياته ، أمست تدور كرحى طاحونة .
كان المكان يمتلئ بالروائح الكريهة ، تلك التي لم يعتاد عليها من قبل ، محاولاته باءت بالفشل ( آخر الدواء الكي ) قال نائل في نفسه ...
في اليوم التالي كانت حزمة أوراق تنتشر بين الغرف ، الأصوات باتت مختلفة المذاق ، القهوة المرة اختفت على حين غرة ...
أغلق نائل باب مكتبه في ذلك اليوم ، لكنه نسي أن يغلق هواتفه الثلاثة ...
عندما انتصف النهار ، حمل نائل ورقة بيضاء ، وقلم أسود ، ثم انطلق إلى جهة مجهولة ...
................
وليد.ع.العايش
٢٠/٩/٢٠١٧