
من بقايا أمي
أمي، لمست بشفتي خصلات من شعرك، عثرت عليها بين ريش الوسادة
التي ما فتئت عيناني تذرفان الدموع على جنبيها، ففاح عبيرك من بين ثنايا الوسادة،
كثرى هطلت عليه ضخات مطر ففاح عبقه.. حينها أجلت النظر وعدت إلى صغري، فتذكرتك و حدثتني نفسي: إن عزة أمي و هيبتها تأبيان أن تلقيا ببقايا خيوط شعرها الطاهرة تحت وطأة الأقدام.
و برهة أفقت وعدت من الماضي، فداهمني العجب. أترى هل علمت روحك بشجني و بأنيني..............
و أوحت لي بشيء من بقاياك ليواسيني؟ أم أن أرواح الأموات تخاطب أرواح الأحياء في الخفاء و من دون استشعار؟
تلمست بأناملي ريش الوسادة بعد أن أقتحم أنفاسي أريج خصلاتك الفواح،
الذي طالما أنفاسي تلذذت بنسيمه منذ الصغر، فأخرجت بضعا من جدائل اعتادت أن تتساقط عندما كنت تغرسين المشط بين دروبها المظلمة حالكة السواد، كلجة ليل، غاب عنه القمر.
فكنت تدخرينها بين ثنايا الوسائد كادخار كنز في باطن الأرض....
و كأنك تعلمين برحيلك يوما، و سوف يكون منبع غبطة و بلسما لأسقامي فادخرته من أجلي.
و كأنك تعلمين أن الوسن بعد رحيلك سيغادر جفوني،و ستأبى عيناي أن تسد لها عند مجيء الليل،
و كأنك عمدت نثر بعض من خصلاتك في أحشاء الوسائد، لتنعم روحي السقيمة بالسكينة و الطمأنينة عندما ألقي عليها رأسي المتثاقل....
فادخرته من أجلي.. فالقدر برحيلك يا أمي قتل فرحتي برصاصة ساخطة، و نفث رفاتها مع هبوب غروب الشمس الأبدية ليودعها.
و بقياك يا أمي قد أعادت لي شيئا من فرحتي.. أمي حينما أضع شفتي بين خصلاتك و أستنشق طيبها...
أشعر و كأن عيني تريانك و بأنك ما زلت بقربي، فتدب القشعريرة في أوصالي رويدا رويدا، و يعتصر الألم قلبي فتكتظ الأحزان في سويدائه.. فبقاياك يا أمي مقدسة و نفيسة.. فهنيئا لي بها يا أمي.
قد يعجبك ايضا
الكاتب الصحفي عيسى فراق أم البواقي