القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قصة العالم والصياد/ عمر لوزري

القصة الثامنة من مجموعتي : " من قصص الحكيم " قراءة ممتعة.
العالم والصياد
ذات يوم وصل عالم جليل إلى بلدة جميلة على شاطئ البحر، تمتاز بطبيعتها الفريدة والخلابة. و بينما هو يتجول على الشاطئ، لمح صخورا كبيرة تحيط بجزيرة صغيرة وسط البحر، على بعد مآت الأمتار. ولأنه أعجب بالمنطقة؛ أراد استكشافها ودراستها. فطلب من صاحب النزل الذي يقيم فيه أن يدله على بحار أو صياد يمكنه إيصاله إلى الجزيرة. ودله على صياد حرفي له قارب صغير بمجداف؛ يستعمله لربح قوته في صيد السمك.
لقد كان الرجل من أمهر البحارة و الصيادين، يدرك جيدا أسرار البحر. إنه كان يعرف بالصبر وتحمل المتاعب، وكذا حسن التدبير والحكمة.
قبل الصياد أن يبحر بالعالم حيث شاء؛ مقابل أجر يغنيه عن متاعب الصيد لمدة شهر كامل . وبينما كانا متوجهين إلى الجزيرة أخذ العالم يسأل الصياد عن معارفه ومستواه العلمي الذي كان متواضعا جدا، عاتبه على ذلك وأصبح يحكي عن مشواره العلمي الغني بالمعارف والبحوث في العديد من المجالات، وكيف جاب بفضل ذلك كل أنحاء العالم. و أثناء ذلك الوقت، لاحظ الصياد تحركا وتغيرا في الجو؛ ينبئ بقدوم عاصفة كبيرة، فأخذ يجدف بقوة حتى يصلا بسرعة إلى الجزيرة قبل الكارثة وهو
يقول : " يا سيدي العالم؛ إني أعترف بأن مستواي التعليمي متواضع؛ ولكني نشأت في وسط فقير بين الصيادين المهرة الذين أخذت و تعلمت منهم حرفة الصيد وفن الإبحار؛ فأدركت أسراراً كثيرةً منحتني حنكة وتجربة. "
وبدأت العاصفة وأخذ القارب يتمايل، فلاحظ الصياد علامة الخوف والقلق بادية على وجه العالم، فقال له : " لقد
تكلمت كثيرا وسألتني، فحان دوري يا سيدي أن أسألك إذا كنت تجيد السباحة ؟، لأننا قد نضطر إلى السباحة حتى نبلغ
الشاطئ إذا ما استمرت الرياح للأسف. " أيها البحار الطيب؛ أنا لم أتعلم قط السباحة.. يقول العالم في قلق من أمره.
يبتسم الصياد قائلا : " كيف تعلم كل شيء ولا تعلم كيف تنجو بنفسك في هذه اللحظة. " بدا العالم محرجا، مطأطأً رأسه، وعلم أن كل علمه لن ينفعه ساعة الحرج. ونظر إلى الصياد متعجبا لأمره صامدا،صابرا، لا تكاد الإبتسامة تفارق وجهه؛ ثم قال له في ثقة من نفسه : " لا عليك يا سيدي العالم؛ سوف ننجو إنشاء الله، ولن أتركك إلا ونحن على شاطئ الأمان. " وهدأت
العاصفة و وصلوا إلى الجزيرة سالمين.
إن كل إنسان ميسر لما خلق له. فلا يستهزئ بعضنا ببعض، ولا يستصغر أحدنا أخاه الإنسان؛ فإننا لا ندري متى نحتاج إلى بعضنا ومتى نستفيد من بعضنا البعض. فلولا الصياد، ما أكلنا سمكا، و لولا الفلاح، ما أكلنا زرعا ولا ثمرا، ولولا الحداد ما صنعنا لمساكننا أبوابا تسترنا و تحمينا، و لولا الخياط ما لبسنا ثيابا، و لولا الأستاذ ما تعلمنا.. فجميعنا نكمل بعضنا، وجميعنا نحتاج إلى بعضنا البعض. فالحمد لله وسبحان القدير أن جعل الاختلاف رحمة للعالمين.
عمر لوزري
18519923_1480448205354870_609831702270969513_n