القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة نقدية لومضة «كرسي للقاص علي العقابي » بقلم: الكاتب والناقد عبد العال الشربيني

قراءة نقدية لومضة:
كرسي
تقاتل النحل؛ توجت الملكة.
القاص / الأستاذ / علي العقابي / العراق

قراءة نقدية بقلمي: عبدالعال الشربيني
------------------------------------------
نص القراءة النقدية

مملكة النحل من إبداعات الخالق الرائعة والتى يتجلى فيها إحكام البناء وروعة التنظيم ودقة توزيع الأدوار بما يتلائم مع طبيعة الخلقة ، سبحان الخلاق العظيم.
وهى ككل خلق الله تعطي للآنسان الدروس المختلفة التي لا يحظى ويستفيد بها إلّا كل ذي عين بصيرة وعقل رشيد ، مثابر على الدرس والبحث والإطلاع.

ومملكة النحل ذات تنوع بارع التقسيم أبدعه الخالق لتولي الأدوار فيها وكل فرد فيها له دوره الذى يُسر له يؤديه كمّا جبله الله عليه بلا زيادة ولا نقصان لتمضي الخلية فى نمو من خلال عمل تكاملي لا مجال فيه لخامل أو عيش بلا وظيفة.

كل مملكة نحل عادية فيها أم واحدة لا غير تسمى "الملكة" تتميز بكبر حجمها عن سائر النحل ، كما أنها هى الوحيدة القادرة على وضع البيض في الخلية " فهي أنثى خصبة " ولا سواها طوال عمر ذلك المجتمع في تلك الخلية، وهى تضع البيض في مجمل الوقت من نوع واحد ينتج إناث عقيمة تسمى "الشغالات" التي تتدرج في نوع العمل حسب سنها ليشمل تنظيف الخلية، بناء عيون وضع البيض" العيون السداسية وغيرها من الشمع"، تغذية الصغار مما تفرزه من غدد لديها وغيره من محتويات الخلية، الدفاع عن الخلية ، ثم هي من تجمع الرحيق وتفرزه عسلا ، كما تجمع حبوب اللقح والذي يستخدم أيضا كغذاء لبعض الصغار،
وبالنظر لتلك المهام الكثيرة نجد أن معظم البيض الذي تضعه الملكة أغلب الوقت يكون موجها لأنتاج تلك الفئة من النحل " الشغالات أو الإناث العقيمة " لتعويض المفقود منها وزيادة قوة العمل بها.

بعد عدد من الأجيال تضع الملكة بيضًا في عيون ذات أشكال هندسية مختلفة تمييزا لها عن عيون الشغالات تفقس يرقات، فيتم تغذيتها بأغذية مختلفة عن غذاء الشغالات حسب شكل العيون، فبعضها يتغذى عسلا وحبوب لقاح لينتج ذكورا ، وبعضها يتغذى على ما يسمى غذاء الملكات فينتج إناثًا خصبة قادرة على وضع البيض في المستقبل، فيتطور بعضها إلى أناث خصبة أو " ملكات " ويتطور النوع الآخر إلى ذكور خصبة قادرة على تلقيح الملكات الجدد.

بمجرد اكتمال نمو اليرقات الجدد إلى شغالات وذكور وملكات تهاجم الملكة الأم فتقوم بقتل الملكات الجدد حتى لا ينازعنها مُلك الخلية ، فينبرى جمع من الشغالات الجدد للدفاع عمن يستطعن من الملكات الجدد ويقوم الجميع ـ شغالات صغار وبعض الكبار ، وذكور وملكة جديدة ـ بالهجرة من تلك الخلية إلى موطن آخر لينشئون خلية جديدة في مجتمع جديد ، في انتظار أن تتوج ملكة أم لهذا المجتمع الجديد.

طيران العرس:
 ويطلق على رحلة الطيران الوحيدة بعد التي تقوم بها الملكة الجديدة بأقصى ما تستطيع من قوة ويطير خلفها جميع الذكور في منافسة على تخصيبها ومن ينجح في ذلك تصبح حيواناته المنوية هي المصدر الوحيد لجميع من ستضعها تلك الملكة للمملكة الجديدة من أفراد.
 يهلك أثناء الطيران المرهق خلف الملكة من يهلك من الذكور، ولا يفوز بتلقيحها إلّا أقوى الذكور، والذى يكون جزاؤه الموت فورا لانتزاع أحشاءه فى عملية التلقيح.
تعود الملكة وخلفها من تبقى من الذكور الذين تتكفل بقتلهم الشغالات حامية المملكة فلم يعد لهم حاجة، فلن تلقح الملكة مرة أخرى، وبذلك تتوج الملكة على جثث الذكور، حيث تسكن الخلية "المملكة" ولا تخرج منها مرة أخرى حتى تموت.

كل ما سبق هو ما حكته لنا تلك الومضة ، والتى جاء دور تفكيكها الأن:

كرسي
تقاتل النحل؛ توجت الملكة.

من حيث الشكل فهي ومضة مكتملة البنيان.
1- العنوان : كرسى، مفرد نكرة يفيد العموم لا يشى بشيء ولا نفهم المقصود منه حتى نلج إلى متن الومضة فنجده قد اُنتحِل ليدل على كرسي العرش أو مقعدا للرئاسة " في جميع المجالات" كما في عالم الإنسان إن اتخذنا الومضة كنبراس في مجال الصرع على السيادة في عالمنا.

2- بالنسبة للمتن :
نجد صدر الومضة أو شقها الأول: تقاتل النحل
 يتحدث عن قتال يدور بين متصارعين ذكور ، ثم يدهشنا بمفارقة واضحة أن الذى خرج فائزا من هذا القتال هو أنثى لم تشارك فيه ـ كما يخبرنا الشق الثاني للومضة ـ لتفوز هى بكرسي العرش وتعتليه متوجة بكل أريحية وشرعية لا ينازعها فيها أحد. وليس أصدق من عالم النحل "والنمل"  ليتم فيه هذا السيناريو الذي لن ينكره أحد .

لكن في عالم الإنسان يلفت نظرنا الوامض الذكى المبدع أن كثيرا من المتصارعين فى عالم الإنسان ما هم إلّا أدوات فى أيدي غيرهم ، يتلاعبون بهم فيجعلونهم وقودا لصراع غالبا لا ناقة لهم فيه ولا جمل، يتقاتلون ويُفني بعضهم البعض وفى النهاية يفوز من بيده خيوط تحريكهم كما يشاء، وتنفذ مشيئته وتتحقق أغراضه، وكثيرا ما تكون ضد مصالحهم أنفسهم، وليس أدل على ذلك من حربى الخليج الأولى والثانية ، وما يدور فى بلاد العرب الأن وغيرها كثير وكثير فى مختلف بقاع العالم .
تحياتى وتقديرى للوامض على تلك الومضة الموفقة البديعة.
الكاتب والناقد / عبدالعال الشربينى