مجموعة بريد حرب للشاعر حسين الدايني وصناعة الدهشة
علي حسين الخباز
(١)
(أفلي) مفردة شعبية تعني البحث في شعر الرأس عن القمل.
كثيرًا ما كنا نتبادل الأدوار
أضع في حجري؛ رأس ليلها
(أفليه)
من جثامينهم
(٢)
(يهش)
جندي يهش الغيم ببندقيته
(٣)
(فصلية)
كنا نشم رائحة فرح
عندما تسقط الشظايا
على أسقف مواضعنا
مثل (هلاهل) ليلة عرس فصلية
مفردات أخرى كثيرة توقد حس المتلقي وجدًا، مفردات تدخل بنية النصوص لأنها ايحائية وما يترتب عليها من تجليات متدفقة في الذهن العام ،
وجاء في ( التوطئة)
(مظلة)
تقصفنا ومن الحب نغرف
مظلة.
(جعبة)
من جعبة ساعي البريد،
كانت الحرب تغرف رسائل الراحلين.
(تموت الأنهار إن أضاعت طرق الينابيع)
مفردات وظفها الشاعر حسين الدايني لاستفزاز وجدان المتلقي من خلال استخدامه الومض المكثف واللغة اليومية وتمثيلها في قصائد الحرب
الومض تماثل مشهد أو موقف أو إحساس شعري خاطف مكثف
(حتى تنبت نخلًا بارض الحرام'
أشلاؤهم المبتورة'
أ تركوها هناك)
بعض النقاد يرى القصائد الوامضة وليدة التحول الفكري والفني، والبعض الآخر ينسبها إلى المؤثر الأجنبي وأنا أجدها ثمرة من ثمرات تجاوز المحظور السياسي والومض له قدرة الإيحاء وعدم المباشرة ومع مراوغة الفكرة لجمالية لغة الانزياح،
عشق بعض الشعراء الومض لكونه يشكل تحدي فني ايقاع سريع وصورة وامضة تهز مشاعر متلقيها ،والحرب بوصفها منتجًا مؤثرًا يتطلب من الشاعر توسيع تجربته لتحتوي الأثر النفسي.
قصائد حسين الدايني مناهضة للحرب تبرز مأساتها الإنسانية لا تشغل نفسها بالحدث بل بانعكاسات الحدث وواقعية الوجع ورصد جوانب الأذى النفسي
ولكونه كربلائي الوجد نجد مفردات الطف الحسيني في عمقها التأويلي
(منذ آخر مرة عطشت فيها
حملتها على ظهري
تنضح جنودًا خلفي
قربة الحرب)
والمعروف في الوجد التاريخي لأبن العباسية الشرقية ماذا تعني مفردة العطش وإلى من تحيل مفردة القربة،
مفردة ترمز إلى حدث مبارك وأخرى إلى رمز من رموز واقعة الطف الحسيني.
يعد الومض من البنى القادرة على إظهار الرؤى من خلال سعة المضمون
(بلا كفين تسقط في نحر الله
دموع الأمهات)
لديه ثراء معرفي في رسم صورة الحرب بأدق تفاصيلها ليكون منها روحية الرفض فكرًا وروحًا ،وليقترب من ٱلهم الإنساني وحمولاته الدلالية وصورها المؤثرة المشتقة من يوميات مقاتل
(الحرب ٠٠٠٠أيضا .... تحلق بخيط طويل مثل طائرتك الورقية' ولدي).
صيّر تجربة الحرب إلى قيمة فنية تحرك المشاعر كونه ابن الواقع ، عاش تفاصيل الحرب جرحًا جرحًا،
فهل يريد الشاعر الدايني أن يركز على فرادته الشعرية أم على هويته الوطنية والإنسانية، والدهشة المؤثرة التي تأخذنا إلى وجدان الأثر والانتماء إلى الناس
(لا تنتهي بعد انجلاء غبارها
مقيمو حروبها في وجوه الأمهات هذي البلاد).
ثقافته العالية جعلته ينتقي المفردات التي تساعد على تنامي الموضوع ، تعلمت من الشاعر درسًا مهمًا ،إن الومض الشعري هو الأصلح لقصائد الحرب وعثرت على وصف تأكيدي مؤثر لعميد الأدب العربي طه حسين فهو يرى ان الومض لون من ألوان الشعر الهجائي، أي يقصد إنه لون من شعر الشعور الحاد والشاعر الدايني ينتقي مفرداته لضبط الدلالة
(٤)
(تنخر)
كانت الرصاصة تنخر وجهي
نهارًا أحمر)
(٥)
(اجلبنك)
مقطع من أغنية عراقية مشهورة
(اجلبنك يا ليلي اثنعش تجليبة)
قالها عابر سبيل مر بمقبرة)
(٦)
(القنوت)
قانتات خطوات الحرب
تقاس بتسبيح رصاصة)
تظهر مساحة التخييل واسعة في هذه الأمثلة الوامضة، انطلاق العقل صوب اللا معقول سيحقق فعل الدهشة القادرة على تنسيق غرائبية الجملة الشعرية والمضمون الدلالي لاستنهاض القيم والمعروف عن الومض إنه مولد إثارة و فعل مباغت بدفقة شعورية، حراك الطبيعة في حيوية الصور ودلالتها وسعة جذب تداعب روحيه المتلقي والمجموعة تحتوي على 30 قصيدة غامضة تعني أنها وسعت مساحة الإرسال ونوعه المحمول وأعطت فسحة لتجلي المدرك الجمالي الذي يلعب دورًا في التنبيه والجذب والمشاركة الفاعلة عبر قوة تأثيرية حول المشاهد الحقيقية في الحرب إلى صور ذهنية تمنح متلقيه الروحية الفاعلة ويشرق وجودها عبر انتقاء تلك المفردات المشعة
(٧)
(الوذ)
الوذ بمن
باحثًا عن تنويمة أمي
التي قتلتها الحرب؟؟
(٨)
(النعيب)
رفقًا أيها الغراب
ذاك الذي تنعبه أبي
(٩)
(الهديل)
يرى كيف تدفن الحرب هديلها
وتغني.
سعت هذه الومضات لإثراء دلالي ومعنوي
وفي شعرية الشاعر حسين الدايني خصوبة في فاعلية الحواس وتبادل مهامها ووظيفتها وانعكاساتها مثلا
(رأيت صوت النخيل حين ينزف)
استبدل حاسة السمع واستبدلها بحاسة الرؤية العين أو نقرأ
(لكن خوار العجل الصغير شوش الصور)
استبدال وتبادل السمعي بالشوف وفي كل الأحوال لا يمكن لمثل هذه القراءة المقتضبة كشف جوهر القيم المتنوعة لبريد الحرب.
 |
| غلاف: بريد الحرب |
