القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الجرة القديمة القصة الثالثة عن مجموعة "قصص الحكيم" للمبدع: عمر لوزري

القصة الثالثة من مجموعتي : " من قصص الحكيم أرجو أن تنال إعجابكم. و يسعدني بهذه المناسبة أن أبلغ القراء الكرام بأطيب الأماني بمنا
سبة عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا جميعا باليمن و البركات. "

" الجرة القديمة "
في زمان غير بعيد، كان فلاح ماهر في زراعة الزيتون وعصره، يعيش في بلدة مشهورة بإنتاج زيت الزيتون الممتازة. وذاع 
صيتها في جميع جهات البلد؛ حتى بلغ مسامع الوجهاء و الحكام.
صار كل واحد منهم يتوافد على الفلاح لشراء بعض زيتونه المرقد و زيته المعصور في معصرته التقليدية القديمة.
كان الفلاح الماهر يكد ويجد طول السنة لكي تجود عليه أشجار الزيتون في بستانه بأحسن منتوج. فكان يسقيها ويداويها، يقلمها ويغذيها بأحسن المواد العضوية الطبيعية التي تساعد الشجرة على النمو القوي والسوي، فتثمر أنواعا من الزيتون الجيد. في كل موسم يقطف الفلاح الزيتون، فيختار منه ما يرقد ومنه ما يعصر. يملأ جرات كبيرة بالزيتون المنقوع في الماء والملح وبعض الحوامض ويغطى. ثم يترك لمدة من الزمن حتى ينضج ويصير زيتون مائدة من النوع الممتاز، فيبيعه للتجار والخواص.
كان حاكم البلدة نفسها يأتيه كل موسم ليشتري جرة كبيرة مملوءة بالزيتون المرقد وكذلك نصيبا من الزيت المعصورة الصافية.
وبما أنه كان شغوفا بعمله، حريصا على إنتاج أحسن منتوج؛ كان الفلاح يختار أحسن الجرات مع مراعاة عمر كل جرة،
فيترك أقدمها ولا يختار إلا جديدها حتى يضمن جودة المنتوج. لكن شاءت الأقدار أن ملأ كل ما لديه من الجرات الجديدة لوفرة الزيتون؛ ولم يبق لديه إلا جرة واحدة قديمة بها بعض الشقوق الخفيفة؛ فملأها وأكمل بذلك جمع كل منتوجه وحفظه .
حان وقت البيع؛ فقصده العديد من التجار و الخواص، وأخذ جميعهم ما يحتاجونه من زيت و زيتون وما بقي إلا القليل. حضر الحاكم كعادته ليختار ما يروق له من سلعة، دخل المستودع وقال للفلاح: في هذه المرة أريدك أن تختار لي جرة زيتون وقنينة كبيرة من الزيت. هم الفلاح مهرولا ليخفي الجرة القديمة على نظر الحاكم، فأمسك بها و وضعها في الخلف، لكن الحاكم لمحه فسأله: لم تخفيها يا رجل ؟ إنها جرة كمثيلاتها و لا أرى فيها أي اختلاف. فرد الفلاح قائلا: عفوا سيدي، لكنها قديمة و بها بعض الشوائب، و قد يكون منتوجها أقل جودة من مثيلاتها الجديدة. ضحك الحاكم و قال له: لا عليك يا رجل، إني أخطارها لطيب خاطر، و أنا متفائل بمحتواها أكثر من غيرها.
أخذ الحاكم الجرة القديمة إلى منزله، و طلب من زوجته أن تأتي له بحفنة زيتون يتناوله وقت غذائه. فما كاد يضع أول زيتونة لتذوقها في فمه، حتى صاح: الله الله.. ما ألذها و أطيبها، ثم التهم ثانية، فثالثة، فعاشرة حتى أفرغ ما في الإناء كله، و قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا .. فوالله لم يسبق لي أن ألت ألذ و لا أطيب من هذا الزيتون طول حياتي.
أرسل الحاكم يدعو الفلاح من شدة فرحه ليهنئه على منتوجه الممتاز. دهش الرجل لأنه خشي من قدم الجرة لا تعطيه منتوجا جيدا، لكن الله قدر ما شاء.
لنستخلص عبارة أن المظاهر غلاطة، فلا يغرنك مظهر و لا ملبس إنسان متواضع، قد يفاجئك بفكره، فيبهرك بعلمه و ذكائه و حتى أخلاقه. و هكذا فإن الله يجعل القوة في أبسط خلقه.

القاص: عمر لوزري

لا يتوفر نص بديل تلقائي.