القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

- جوال.. وبطيخ - للكاتب:عبد الرحيم ضميرية

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
- جوال.. وبطيخ -
أن تكون بائع بطيخ في الصيف.. هذا يعني أنك ستكون محط أنظار ومقصد عدد كبير من محبي هذه الثمرة أو الفاكهة على مدار الساعة.. وأنا وأنت منهم . كيف لا ومع ما يلفحنا ويرهقنا و يعتصر الماء من أجسادنا من حر شمس الصيف اللاهبة ، كم تشتهي أنفسنا طبقاً من البطيخ البارد نتناوله بفرح من الثلاجة لتستمتع به أبصارنا قبل أفواهنا.. ولتكون قصتنا مع هذه الثمرة الرائعة وهذا الطبق اللذيذ هي قصة كل يوم من أيام الصيف (إذا ما استطعنا إليها سبيلا) .
ترى هل خطر ببال أحدنا يوماً.. وهو يستمتع بالتهام شرائح البطيخ أن يفرمل يده وأسنانه لبضع دقائق.. ويشغل دماغه ليفكر في روعة صنع ما يأكله مستمتعاً لاهياً . هل فكر في شكل و محتوى وتركيب وطعم هذه الثمرة.
هل خطر بباله أن المادة الأولية التي صنعت منها هذه الثمرة الماوية الحلوة والمنعشة هي التراب محلولاً في الماء ..
هل سأل نفسه عن [ الآلة] أو مجموعة الآلآت - خط الإنتاج - والمصنع الرائع الذي يصنع هذه الثمرة الرائعة.. ومصدر الطاقة الذي يزود هذه الآلآت بالطاقة اللازمة لتعمل وتصنع ما هي مصممة ومصنوعة لتنتجه..؟؟.
يبدو أن كلمة مصنع لم تعجبكم..؟!
أليس كل منتج أو - سلعة - يحتاج إلى مصنع ليصنعه..؟ . بل والحق يقال فإن كل سلعة أو منتج يصنعه الإنسان في عالم اليوم.. خاصة إن كان منتجاً حديثاً متطوراً يحتاج لصنعه إلى مئات وربما آلاف المصانع وآلاف الآلات بصورة مباشرة وغير مباشرة.. وما يعنيه ذلك من آلاف وربما مئات آلاف الأيدي العاملة ما بين مصمم ورسام ودارس ومبرمج وعامل و... . كل على الآلة التي أوكل له العمل عليها.
ووفقاً للواقع ولما تقدم وما نراه ونسمعه في عالمنا المعاصر.. فليس مستغرباً أن يكون المصنع الذي يصنع جهاز - هاتف جوال - أو (موبايل) -لا يزيد حجمه عن حجم الكف ووزنه عن 170 غرام .. يشغل مساحة عشرات الآف.. قد تصل لمئات آلاف الأمتار المربعة. ويعمل فيه عشرات آلاف العقول المفكرة والأيدي العاملة.. مع تذكر ما تحتاجه هذه المصانع على اختلاف أنواعها وأنواع مصنوعاتها من مصادر طاقة ، أهمها منذ ما يقرب من الـ 100 عام هي الطاقة الكهربائية والتي يتم توليدها من مصادر أخرى للطاقة ( < أحفورية : فحم، نفط، غاز > - < مائية ' هيدروليكية ' عن طريق عنفات تحركها المياه عبر مجاري خاصة في السدود المقامة على الأنهار > - < ذرية : عن طريق محطات توليد كهروذرية > - < شمسية : عن طريق خلايا شمسية منتجة للكهرباء بسقوط ضوء الشمس عليها > - < طاقة الرياح > ) .
علماً بأن أمثال هذا المصنع لا يقوم بصنع المنتج بكل مكوناته.. وإنما يقوم غالباً بتجميع هذه المكونات أو أغلبها.. والتي يشتريها من مصانع أخرى، مع صنع بعضها فيه أحياناً .
آسف أصدقائي إن كان بعضكم قد أصبح بحاجة لحبة بانادول أو سيتاكودائين.. لكن هذا للأسف وبصورة مبسطة ومختصرة ما يتطلبه صنع جوال أو ( موبايل) أحدكم .. والذي يدفع عن طيب خاطر للحصول عليه ما كان يكفي قبل عقدين أو ثلاثة لشراء سيارة.. أو -و- مهراً لعروس وتكاليف زواج وإنشاء أسرة . وليحصل مقابل ذلك على خدمات اتصال مسموع ومرئي ومقروء لحظي ، و خدمات (جوجل وواتس أب وفيس بوك وسكايب.. و... ) لم يكن يحلم بها ولا الاسكندر المقدوني بجلال قدره .
إن هذا الجوال (الموبايل) على صغر حجمه هو بلا شك معجزة تقنية بشرية تلخص آلاف النظريات والاكتشافات والاختراعات العلمية في شتى فروع العلم ، وخاصة الأساسية والتطبيقية منها.
لكنه أي الجوال ولو أضفنا إليه كل ما صنعته العقول والأيدي المبدعة والماهرة من منتجات حديثة رائعة لا تغني - بل لعلها لا تساوي - عن كأس من الماء أو طبق من البطيخ لظمآن اشتد به العطش في حرارة صيف قائض.
- تباركت ربي ما أعظمك وما أبدع صنعك.. أنت الذي كل شيء خلقته بقدر .. أنت الذي قدرت فهديت.. وتكرمت فأعطيت ما لا يعد ولا يحصى من عميم نعمائك.
إن أعقد وأدق وأمهر ما يمكن لآلة ذكية (روبوت) أن تكون عليه ، مما لا يحلم به عقل بشري مبدع.. لا يمكن أن تجاري أو تصنع أو تقلد هذه النبتة الصغيرة والتي لا يتجاوز وزنها الكيلوغرامين تقريباً - نبتة البطيخ - فيما تقوم به من صنع لثمار حلوة شهية قد يتجاوز وزن الواحدة منها الـ 15 - 20 كغ.. من المادتين الأوليتين الأكثر توفراً والأرخص سعراً على وجه الأرض : الماء والتراب. وباستخدام مصدر الطاقة المتجددة النظيفة التي لا تنضب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها : الشمس .
( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)..
( فتبارك الله أحسن الخالقين)
@ @ @
2017/8/28

م. عبد الرحيم ضميرية