القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قصة قصيرة: السّراب الحافي/ المختار خالد حميدي

السّراب الحافي (ق.ق)
مد يده إلى جيبه يتحسّس قطع النّقود الّتي ظنّ أنّها مازالت بمربضها تنتظر أمره بصرفها، لكنّ يده عادت خائبة،أخرجها،وتأسّف لصغيره الّذي كان يطمع في قطعة يهرع بها مزهوا إلى دكّان الحارة ، يبتاع منه مغلّف تويكس إكسترا ليتفاخر به بين أترابه، يتكرّم يبعضه على بعض ، ويمتنع عن بعض منهم إنتقاما. 
طأطأ الصّغير رأسه، وانسحب مكسور الخاطر.. كان ينظر إليه،وقلبه يكاد ينفطر، فقد إعتاد أن يلقمه قطعة نقد تذهب نظرات توسّله، تلك النّظرات الّتي كان الصّب
ي بارعا في إرسالها كلّما أراد شيئا من و الديه، إلّا أنّ هذه المرّة لم يفلح سحرها في استحلاب جيب والده، الّذي حلب بقرارات فوقيه..كانت قد صدرت ، فأنهار كل شيء بعدها، وازداد شظف العيش قسوة .. والحال ذلك تذكر خالد حلم السّيارة الّذي راوده منذ زمن ، وتذكر بريق عيني زوجته حالمة الّتي كلّما حدثها موعدا إيّاها بجولة خاصة لن تكون إلا لها دون الأولاد ، إلا و ارتسمت على محياها ابتسامة زادتها جمالا، فأطرقت ، وقد صبغت وجنتاها حمرة ، أزالت بعض أثار كآبة عالقة بها من كثرة مكوثها بالبيت طوال اليوم إلاّ في حالات نادرة، تنتقل فيها إلى بيت أهلها، أو بعض الأقارب في مناسبات متباعدة ، أو إلى عيّادة طبيب ، فتتخذها فرصة للترويح عن النّفس ، وكسر تلك الرّتابة المقيتة، و لترى خلق الله في ما تمرّ به من حجر ، وشجر منتصب على أطراف الآزقة ، أوبشر يملؤها حركة ، و ضجيجا، وأكثر ما كان يشدّ نظرها.أثناء تلك الفترات المتباعدة التي تخرج فيها من البيت.؛ تلك السّيارات الفارهة الّتي كانت تعبر الشّوارع بمن حوت ، وقد زادها لمعانها إثارة ، فتنظر إلى زوجها، وترفع رأسها قليللا متمتمة، وقد علقت عيناها بالسّماء رجاء.
مرّت الأيّام تباعا، والوعد مازال حلما صعب المنال ، وما زاد من صعوبته واقع حال.. تأزم وكأنّ القدر تكالب عليه ليحيله سرابا، فلم تعد قطرات الذّهب الأسود ذات قيمة تذكر ، وصار التّقتير لزاما ، وشدّ الحزام أمر قد قدّر فاستسلم خالد ليأسه كما السّواد الأعظم من الموظفين ، ولم يعد يحدث زوجته عن حلمهما، وكلّما جاء ذكره تبرّم ، وغير وجة الحديث ، فراح يحدّثها عمّا تعانيه بقية البلدان ،وما أصابها من فقد للأمن والأمان، ثم يحمد الله أنّ البلاد تنعم بهما ..على عكس غيرها من أوطان، هجّر فيها الإنسان، ودمّر بنيان، وأهلك زرع وضرع .
مع مرور ألأيّام لم تعد حالمة تسأل زوجها عن السّيارة، ولم تعد تعلو وجهها تلك الحمرة الّتي تزيدها بهاء، ولم تعد تنظر إلى السّماء، فقد عرفت أنّه القدر الّذي بعثها مبعثها هذا، ولم تعد تستهويها مغادرة الببيت كلّما لاحت فرصة كسالف الزّمان ، ولم يعد خالد يشتهيها كما كان يشتهيها كلّما إحمرت منها الوجنتان، فقد صار وجهها جامدا يميل إلى بياض باهت لا لمعان فيه، و تسمرت عيناها كأنّها تنظر إلى نقطة لا تريد أن تحيد عن مكانهاأبدا، وامتدّ تأثير ذلك إلى حركتها فكانت أكثر رتابة، وأكثر بطأ، كأنّ صاحبتها تحمل كلّ الأرزاء 

الكاتب : المختار حميدي (خالد)

L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan