القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

حنينٌ أنينٌ ... من إملاء زمنٍ بلا فصول / بومدين جلالي

حنينٌ أنينٌ ... من إملاء زمنٍ بلا فصول ...................................................
ليتك أيها القلبُ ... ماذا أصابك وماذا دهاك ؟ ... سافر بك الزمان واللّازمان عبر المكان واللّامكان ... يغيّرُ بك نجمُك طريقه ومساره وأضواءه وألوانه وإحساسه بالوجود واللّاوجود حتّى اختلطتْ عليك الطرقُ والمساراتُ والأضواءُ والألوانُ وغابَ عنك التمييزُ بين المحدود واللّامحدود فانخرطتَ في متاهات بداياتُها نهاياتٌ ونهاياتُها بدايات ؟؟؟ ... 
آه لو تدري كم تؤلمني ضوضاؤك الهادئة بالهدوء الضوضائي ... آه لو تدري كم يزعجني صمتك الصاخب بالصخب الصامت ... آه لو تدري كم يحرجني اصطخابك الساكن بالسكون المصطخب ... آه لو تدري كم يقلقني ضباب صحوك بصحو الضباب وأنت تمزج شرقك في غربك وشمالك في جنوبك حتى انمحت حولك المعالم والحدود ولم يبق لك لا شرق ولا غرب ولا شمال ولا جنوب ... آه لو تدري كم ترعبني حلاوتك المُرة بمرارة حلاوتك وأنت تسقي منهما في آن معاً وباستمرار الاستمرار ما يُسقى وما لا يُسقى ... آه كم تحرقني دموعك المرئية اللامرئية وهي تتهاطل من غير أن تتهاطل والدنيا منها طوفان خرافيّ تتعالى أمواجه حتى يغرق فيها كل شيء وتغيب مياهه حتى تجفّ الضلوع والضروع والربوع والهمس المسموع ... آه لو تدري كم تمزّقني بنواحك الباسم في بسماتك النائحة وأنين حنينك يتجول في حنين أنينه بين من ذهبوا لكنهم لم يذهبوا ومن لم يذهبوا لكنهم ذهبوا ...
يا قلبُ ... يا قلبُ حنينك أنين ... ياقلبُ أنينك حنين ... تجرّني من يد روحي وتطير بي بعيدا بعيدا إلى لحظات طفولية ربيعية - خارقة للجمال المألوف والسعادة القصوى - أين كنت بين أصيحابي اليافعين أرفرف في صفاء فاق الصفاء وألهو في نشوة فاقت النشوة وأقهقه بروعة بريئة لسبب ومن غير سبب، وأقراني من حولي يشاركونني الكبيرة والصغيرة بتقاطعات وتوازيات وتداخلات كذا سؤال بكذا جدال، ثمّ تمحو كل شيء وتعود بي مسرعا إلى واقع ثقيل طويل يخيّم عليه الوجل في جوّ داكن زمهريريّ والأقوام عابرة في حركات متنافرة لا التفاتة فيها ولا سلام ولا كلام ولا حتى مجرد نظرة سائلة عن هذا أو ذاك ... تضمّني إليك كأنك تشفق عليَّ وترحل بي مرتجفا إلى دفء زمني الآخر الغائب ... ترفرف بذاتي الغريبة بين دروب امتزج فيها الواقع بالمتخيل كما امتزجت فيها الأصقاع المتباينة بالأحقاب المتضاربة وساد بين جنباتها تداخل الوجوه المتبادلة للتسميات والتوصيفات والحركات والمقولات والأفعال الناطقة بأعجوبة الحياة ...
أتعبتني، أتعبتني يا قلبُ ... أتعبتني كثيرا حتى ما عدت أستطيع مجالستك ولا مرافقتك على انفراد ... تُخرج لي البسمة المزخرفة بلطف الحنين وتقابلها بالدمعة النابعة من عنف الأنين ... تُخرج لي أمسية صيفية هادئة وزورقي يسبح ضاحكا وهو يلاحق آخر أشعة الشمس المنسحبة من متعة نهار طويل جميل لتعود غدا بنكهة أحلى وأبهى وتقابلها في الوقت ذاته بأمسية شتائية غاضبة ورياح الشمال تعوى وأغصان الأشجار تتكسّر والغيم الممزق يجري هاربا نحو أفق غامض لا يعرف ماذا يحدث وراءه ... تُخرج لي وردة يافعة يانعة وهي تتفتّح على مهل في قلب بستان فردوسي والأفئدة حولها تتجول معطرة بعطرها في ابتهاج حافل بموسيقى الطبيعة لما تكون في حالة زهو متناغم مع الفطرة الخالية من كل تلوث وتقابلها بأخرى قُطفت فجفّت فرُميت فداستها الحوافر والأقدام ولم يبق منها إلا أشواك تدمي الأيادي إذا ما حاولت أن تزيحها عن الطريق ...
ويتواصل الحنين، ويتواصل الأنين، وتستمرّ آلامك التي ما عدتُ أتحمّلها ولا عدْتَ تتحملها حتى أنت يا قلب، وإني لَأخشى عليّ وعليك من درامية هذا المنحى الذي انخرطت وفرضت عليّ الانخراط فيه دونما رغبة مني ولا قدرة لي على الوقوف في وجهك وإعادة ترتيب ذاتي وأوقاتي وصفحاتي بما يخطفني من أعاصير التمزّق والشتات ... آه يا قلبُ، لم أعد أفهمك ولا أتحملّك ولم تعد تفهمني ولا تتحملني ... كفى ... كفى ... كفى ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 الأستاذ الدكتور بومدين جلالي - الجزائر.
Aucun texte alternatif disponible.