- ياسمين -
-------------
رمش المساء قليلا ؛ العصفورة العائدة إلى هاوية العش تحني هامتها خجلا أمام صغارها ؛ أما الليل فقد استيقظ لتوه من سبات لم يدم طويلا ...
- هل ماتت ياسمين يا أبي ؟
سأل فادي , الطفل الذي مازال في الرمق الأخير من سنته السابعة ، صمتَ الأبُ الأسمر بُرهة ، اِمتصَّ شفتيه ، رمَقَ ابنَهُ بنظرةٍ تحملُ همومَ الدُنيا ، مَسَحَ شَعْرهُ المائلِ للسواد , قبلَ أنْ يمسحَ جفنيه بطرفِ قميصِ مِعطفه ، أمُّ فادي تحاولُ حَبْسَ آهاتٍ ساخنة ، رُبّما كانتْ تحاولُ أنْ تبدو أكثرَ قوةً أمامَ جمهرةِ النسوة ، ورُبّما كانتْ تخشى أنْ يسمعَ نواحها بعضُ الرجال الذينَ توافدوا على عجل ، شجرةُ التين تثني آخر أغصانها ، وطيور الدوري تتجمّعُ على حوافِ النافذة تراقبُ بعيونها الكئيبة ، وسادةُ ياسمين تنزوي في ركُنٍ مُظلم ، بينما كانَ السريرُ يُطلِقُ صرخةً ملأّى بأنينٍ لا تُدركهُ عيونُ البشر ، لاحَ القمرُ شاحباً في تلكَ الأمسية ، وجههُ الداكنُ الحُمرة يُلقي تحيتهُ الأخيرة ، اِمرأةٌ تجاوزتْ سنوات العُمر الضائع تحملُ ثوباً أبيضَ نقي المظهر ، الدقائقُ تمرُّ على كقطارٍ يُسابقُ ظِلّهُ .
- لا يجب أنْ نتأخرَ أكثر ، كادَ الليلُ يُداهمنا ... قالَ الرجلُ ذو اللحّيةِ البيضاء .
سكونُ الأمّ يتحوّلُ إلى هاويةِ الانتحار ، أبو فادي يُمسكُ بورقةٍ وقلم .
- ماذا تكتبُ يا رجل ... قالها جاره السبعيني.
رمقَ زوجتهُ منْ وراءِ سِتارةٍ سوداء ، اِنحنى على جسدِ ياسمين الذي مازالَ ساخناً ، حملها بينَ ذراعيه ، التقى ثغرَهُ اللاميُّ بشفتيها الباردتين ، ضَمّها إلى صدره مُستجمعاً قوةَ وحنان آلاف البشر ، مشى أمامَ الجميع .
- حاذِرْ يا جاري ، ياسمينُ لا تحتملُ ، ترفقْ بها .
وضعَ الوِسادةَ تحتَ رأسها الصغير ثمَّ قفزَ خارجاً , تاركاً إياها وحيدة ، الدموعُ تضرِبُ وجنتيهِ بقسوة جلاّد ، لحظاتٌ تموتُ منْ زمنٍ أحمق ، فادي يُراقِبُ عنْ كثبٍ بعينٍ واحدة ، الليلُ يأتي لتوِّهِ بعدَ سُباتْ ، الأكفُّ تتجهُ صوبَ السماء ، على كرسيٍّ مِنَ القشِّ كانَ الأبُ الأسمرُ يجلسُ مُمسكاً ببقايا رأسه ، عندما جثا فادي على ركُبتّيه .
- هلْ ماتتْ ياسمينُ يا أبي ؟ صمتٌ مرير يعمُّ أشلاءه.
- لا يا بنيَّ لمْ تمتْ ياسمين .
- أينَ هي إذنْ ، لما لمْ ترجعَ معكم ؟
- ياسمينُ ستسكنُ هُناكَ يا ولدي ، نحنُ مَنْ سيذهبُ إليها .
اِنقلبَ فادي إلى غُرفتهِ الصغيرة التي كانت قبل ساعاتٍ تجمعهُ بياسمينته الشقراء ، بدأ يُقلّبُ صورا كانتْ تبكي في حقيبتها المُقفَرة , كتبَ على ورقةٍ بيضاءَ : ( متى سنأتي إليكِ يا أختاهُ ) ...
---------
وليد.ع. العايش
-------------
رمش المساء قليلا ؛ العصفورة العائدة إلى هاوية العش تحني هامتها خجلا أمام صغارها ؛ أما الليل فقد استيقظ لتوه من سبات لم يدم طويلا ...
- هل ماتت ياسمين يا أبي ؟
سأل فادي , الطفل الذي مازال في الرمق الأخير من سنته السابعة ، صمتَ الأبُ الأسمر بُرهة ، اِمتصَّ شفتيه ، رمَقَ ابنَهُ بنظرةٍ تحملُ همومَ الدُنيا ، مَسَحَ شَعْرهُ المائلِ للسواد , قبلَ أنْ يمسحَ جفنيه بطرفِ قميصِ مِعطفه ، أمُّ فادي تحاولُ حَبْسَ آهاتٍ ساخنة ، رُبّما كانتْ تحاولُ أنْ تبدو أكثرَ قوةً أمامَ جمهرةِ النسوة ، ورُبّما كانتْ تخشى أنْ يسمعَ نواحها بعضُ الرجال الذينَ توافدوا على عجل ، شجرةُ التين تثني آخر أغصانها ، وطيور الدوري تتجمّعُ على حوافِ النافذة تراقبُ بعيونها الكئيبة ، وسادةُ ياسمين تنزوي في ركُنٍ مُظلم ، بينما كانَ السريرُ يُطلِقُ صرخةً ملأّى بأنينٍ لا تُدركهُ عيونُ البشر ، لاحَ القمرُ شاحباً في تلكَ الأمسية ، وجههُ الداكنُ الحُمرة يُلقي تحيتهُ الأخيرة ، اِمرأةٌ تجاوزتْ سنوات العُمر الضائع تحملُ ثوباً أبيضَ نقي المظهر ، الدقائقُ تمرُّ على كقطارٍ يُسابقُ ظِلّهُ .
- لا يجب أنْ نتأخرَ أكثر ، كادَ الليلُ يُداهمنا ... قالَ الرجلُ ذو اللحّيةِ البيضاء .
سكونُ الأمّ يتحوّلُ إلى هاويةِ الانتحار ، أبو فادي يُمسكُ بورقةٍ وقلم .
- ماذا تكتبُ يا رجل ... قالها جاره السبعيني.
رمقَ زوجتهُ منْ وراءِ سِتارةٍ سوداء ، اِنحنى على جسدِ ياسمين الذي مازالَ ساخناً ، حملها بينَ ذراعيه ، التقى ثغرَهُ اللاميُّ بشفتيها الباردتين ، ضَمّها إلى صدره مُستجمعاً قوةَ وحنان آلاف البشر ، مشى أمامَ الجميع .
- حاذِرْ يا جاري ، ياسمينُ لا تحتملُ ، ترفقْ بها .
وضعَ الوِسادةَ تحتَ رأسها الصغير ثمَّ قفزَ خارجاً , تاركاً إياها وحيدة ، الدموعُ تضرِبُ وجنتيهِ بقسوة جلاّد ، لحظاتٌ تموتُ منْ زمنٍ أحمق ، فادي يُراقِبُ عنْ كثبٍ بعينٍ واحدة ، الليلُ يأتي لتوِّهِ بعدَ سُباتْ ، الأكفُّ تتجهُ صوبَ السماء ، على كرسيٍّ مِنَ القشِّ كانَ الأبُ الأسمرُ يجلسُ مُمسكاً ببقايا رأسه ، عندما جثا فادي على ركُبتّيه .
- هلْ ماتتْ ياسمينُ يا أبي ؟ صمتٌ مرير يعمُّ أشلاءه.
قد يعجبك ايضا
- أينَ هي إذنْ ، لما لمْ ترجعَ معكم ؟
- ياسمينُ ستسكنُ هُناكَ يا ولدي ، نحنُ مَنْ سيذهبُ إليها .
اِنقلبَ فادي إلى غُرفتهِ الصغيرة التي كانت قبل ساعاتٍ تجمعهُ بياسمينته الشقراء ، بدأ يُقلّبُ صورا كانتْ تبكي في حقيبتها المُقفَرة , كتبَ على ورقةٍ بيضاءَ : ( متى سنأتي إليكِ يا أختاهُ ) ...
---------
وليد.ع. العايش
![]() |
https://nebras1douidi.blogspot.com/2018/01/blog-post_99.html |