القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

أبي ..قصيدة للشاعر الجزائري: عبد القادر مكاريا/ مجلة النبراس

أبي
مجلة النبراس/ عبد القادر مكاريا الشاعر
كان يأتي من الأرض
للأرض ينثر جبهته
فتميل الحقول على بعضها
تتهامس أنّ المساء جميل .
حين يخطو إلى النهر
تكبر في النّهر أملاحُه
وتصير المياه مرايا
تعكس صوت المساء
وتفتح للغيم دربا طويلا .
حين ينظر للغيم
تأتي الطّيور من الضّوء
تزرع أرضه شدوا
وتملؤه في الجِرار
تُوزّعه للبسطاء .
يحبّ كثيرا أبي
أن يرى بسمته
تُراقص سرب سنونو
تزيّن وجه الحقول .
كان وجه أبي
لا يزول كغيم الخريف
إذا أمطرتْ .
وتجاعيده قصص
تتأوّه في الليل
حين يركن للحلم
وانتظار فراشاته الغائبة .
لم يكن يتحمّس للّيل
كان يدرك أنّ الصّباح سيهزمه
وتعود الحقول إلى عينه
تتأمّل فيه
فيجمعها ملء كفيه
يمسح وجنته
ويحدّق في الوقت
يترك للغيب بعضه
بعضه يقذفه للفصول
للشّتاء يُعلّق رٍمشه غيما
وللصّيف أنّاته والنّدى
للخريف يصفّق ملء يديه
للرّبيع يغرد
يفرش سحنته بالغيب
والمستحيل .
كان وجه أبي حين تمطر
ينضح عطرا
شفتاه تراقص حلمه
والماء فيه يعانق كلّ المدى
يعانق ما لا يراه
وحين يحاول أن يشرح الأمر
يهرب منه الكلام
فيرقص في كهف صمت جميل
ويترك صمته عنه يقول .
جميل سكوتك يا أبتي
وأجمل منه سكوت المساءات
في حضرة السّهو
صمت القصائد
في حضرة الشّعر
سكوت السّؤال
بثغر الوصول
وباب الرّحيل .
أبي كان يدرك
أنّ الأماني التي لا تنام بمقلته
محض غيم عقيم
وانّ الحقول التي
كان يركض في عينه
صوت خضرتها
وتدقّ مع القلب في همسها
محض حلم يراوده
مذ طفولته
يتحقّق حتى يكاد يلامسه
ثم يتركه للفراغ الأليم .
كان حدّثني
عن لياليه , والبرد صاحبُه
والجوع أرجوحة
واليُتم ... والخوف
والانتظار الرّجيم
كان حدّثني عن أمانيه بالأرض
وامرأة تتأبّط خوفه
تلبس وحدته
وتعريه كالموز من ضعفه
تهدهده كالرّضيع
وتغرسه كالكروم .
أوّل الأمر حين تهيّب أمّي
- قال لي -
كنتُ ألمحها كالفراشة
حينا تحطّ ... وحينا تطيرْ
أتهيّب أنثى
وأعشق أرضا
ستمنحني ظلّ أمن
وحلما سيكبر
بل كان يولد – أصلا – كبير
يوم حدثني في البداية عن حلمه
كنت أحسب حلم الرّجال صغيرْ
هو أنثى وليل جميل
وبعض الخراف
وكوخ حقير
ثم أدركت أنّ الأماني التي لا تنام بجفن أبي
محض غيم عقيم .
كان حلم أبي
أن يرى الأرض خضراء
فقط .
أن تطول السّنابل
حتّى تلامس خاصرة الكون
ويصلّي مع الرّيح
للمساء يدندن حلما
تعلّمه كالحقيقة من ثغر جدته
وينام بقلب سليم .
كنت ألمح بين تجاعيده دورة الأرض
منذ النّشوء
وأرى بدء ميلاد الغيوم ...
كيف كان تشكل أوّل قطرة ماء
وأوّل إشراق شمس
أرى الكون في أول يوم .
كان وجه أبي
آية الله لي
تتجلى إذا حدقتْ مقلتاه بحلم
إذا لم يفئْ كالصّباح إليها
فالحلم محض غيم عقيم .
الشاعر: عبد القادر مكاريا