
قد يعجبك ايضا
قلب الطّفل الصّغير
***********
أيّها الخريف..
في كلّ مكان،أنا..
ورقة خريفيّة..
نجت من الدّهس..
من الموت..
حرمتْها العاصفة..
من العاطفة..
من الخُبز والملح..
ومن ميثاق الصُّبح..
سمراء..
يُهددها الجوع..
يُداهمها العذاب..
يُحاصرها الرّصاص..
يُلاحقها الإغتصاب..
وينحرها سكين..
حُلّل للبشر..
حُرّم على البقر..
فكم يكفينا عويل!؟
وأنا طفل صغير..
أيّها الخريف..
في كلّ مكان،جريح..
مُكبّل اليدين..
خائر القُوى..
كأوراق حسّاسة..
مُتعبة،مُرهقة..
مُتفتتة في التُّراب..
تنثرها أشجارك..
في الأنّهار المُهاجرة..
بلا مأوى ولا حريّة..
ولا قوة ولا كرامة إنسانيّة..
ولا وطن ولا جنسيّة..
تخنقها المصائب..
تُغرقها الضرائب..
فكم يلزمنا المسِير!؟
وأنا طفل صّغِير..
أيها الخريف..
في كّل مكان،ذكرى..
لأوراق شاحبة..
مكسورة القلب..
أُمتُصّ زادها..
ولم تعد تحتمل،ككتفِي..
رفع غرس آخر يبكيِ..
من التعنيف الجسدّي..
والتحرش الجنسِي..
فكم طال المصير!؟
وأنا طفل صغير..
أيّها الخريف..
في كلّ مكان،بالفطرة...
أوراق مسكينة ذابت..
بين الذرّات ماتت..
أشجار تُمارس الإستعباد..
دون خجل..
عنوانها إستبداد..
بلا ملل..
شأن حُكام المِلل..
من زفُّوا لحبل الإعدام..
عبادا حُفَاة..
لعربة الشواء..
أجساد عُراَة..
وهل يكفي اللِئام!؟
وأنا طفل صغير..
أيّها الخريف..
في كّل مكان زرعت القضّية..
سفينة شراعيّة..
تطفوُ على المياه الهائجة..
لتفضح أشجار..
فوّضت ألوان..
مارست الإنتقام..
من حرمت اليَخضُور..
من جلست الحضُور..
على ركح الورق..
إنعقد الِّلسان..
وإنقرض الآمان..
يُجرَّم لحم الأبقار..
يُحلَّل لحم إنسان..
ناد:"ربي الله"..
فكم تكفي الآه!؟
وأنا طفل صغير..
أيّها الخريف..
يستحيل الإحتفال بالحياة..
ومن حولي..
ثورات وحروب وحصَار..
تجويع وتخريب ودمَار..
وحروف قلمي..
إمَّا أوراق جريحة..
علَّها تستعيد مجدها الموسمَّي..
لتلقى الحيَاة..
في سبيل الممَات..
زمن الإعتدال..
من يتمتع به أوراق الشجر..
ومُنع عن البشر..
وإمَّا أوراق شهيدة..
قد دفنت عارية..
محروُقة وباكية..
نحن من يستر عوراتها..
علَّها تتسَّتر عن آلامنا..
ولاتفضح أشجاننا..
بين السُّطور..
منذ عهد المغوُل..
وأنا طفل صغير..
أيّها الخريف..
وحده الشتاء..
من أُودِعه أنفاسي..
من يحتوي أوراقي..
كمعطف صوفيّ..
وأنا طفل صغير..
أيّها الخريف..
لكلّ ورقة نصيبها من الإحتضان..
نصيبها من الألوان..
نصيبها من الأحزان..
إلا نحن لا نصيب لنا إلا الأكفان..
مادام شيوخنا يمارسون طقوس البكاء..
ولصُوصنا يرفضُون طقُوس الندَاء..
فكم يكفينا نزِيف السُّيول الحمرَاء...!؟
لهدم الصّمت فيناونبادر بالبنَاء..
كم يكفينا لنُشاهد...
مذبوُحا،محروُقا،مسلُوخا ومُشرّح..!
بسكِّين مُتطرّف..!؟
ولانفجعْ ولا نجزعْ..
بل ُنقاوم ونردعْ..
أيّها الخريف..
لازلت تسألني..
عن الحُزن المغرُوس في عينيّ..
وعيون اللاَجئين والمُهاجرين والأسرى..
من طالني ألمهم..
وألمّ بجوانحي مصائبهم..
فزمّلوني..
ودثّروني من برد السّفر..
فلا شيء يوقف ثورتي..
ولا هيئة تهدّأ غضبي..
فلقد أرسلّت قلبي..
مهاجرا شرعيا..
أنا،الطّفل الصّغير..
*************
عماد الدّين التونسي