القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

10 من أفضل قصائد للشاعر الكبير نزار قباني


أفضل 10 قصائد للشاعر الكبير نزار قباني

القصيدة الأولى 

منشورَاتٌ فِدَائيّة على جُدْرَانِ إسْرائيل

1
لن تجعلوا من شعبنا
شعبَ هنودٍ حُمرْ..
فنحنُ باقونَ هنا..
في هذه الأرضِ التي تلبسُ في معصمها
إسوارةً من زهرْ
فهذهِ بلادُنا..
فيها وُجدنا منذُ فجرِ العُمرْ
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعرْ
مشرِّشونَ نحنُ في خُلجانها
مثلَ حشيشِ البحرْ..
مشرِّشونَ نحنُ في تاريخها
في خُبزها المرقوقِ، في زيتونِها
في قمحِها المُصفرّْ
مشرِّشونَ نحنُ في وجدانِها
باقونَ في آذارها
باقونَ في نيسانِها
باقونَ كالحفرِ على صُلبانِها
باقونَ في نبيّها الكريمِ، في قُرآنها..
وفي الوصايا العشرْ..
2
لا تسكروا بالنصرْ…
إذا قتلتُم خالداً.. فسوفَ يأتي عمرْو
وإن سحقتُم وردةً..
فسوفَ يبقى العِطرْ
3


لأنَّ موسى قُطّعتْ يداهْ..
ولم يعُدْ يتقنُ فنَّ السحرْ..
لأنَّ موسى كُسرتْ عصاهْ
ولم يعُدْ بوسعهِ شقَّ مياهِ البحرْ
لأنكمْ لستمْ كأمريكا.. ولسنا كالهنودِ الحمرْ
فسوفَ تهلكونَ عن آخركمْ
فوقَ صحاري مصرْ…
4


المسجدُ الأقصى شهيدٌ جديدْ
نُضيفهُ إلى الحسابِ العتيقْ
وليستِ النارُ، وليسَ الحريقْ
سوى قناديلٍ تضيءُ الطريقْ
5


من قصبِ الغاباتْ
نخرجُ كالجنِّ لكمْ.. من قصبِ الغاباتْ
من رُزمِ البريدِ، من مقاعدِ الباصاتْ
من عُلبِ الدخانِ، من صفائحِ البنزينِ، من شواهدِ الأمواتْ
من الطباشيرِ، من الألواحِ، من ضفائرِ البناتْ
من خشبِ الصُّلبانِ، ومن أوعيةِ البخّورِ، من أغطيةِ الصلاةْ
من ورقِ المصحفِ نأتيكمْ
من السطورِ والآياتْ…
فنحنُ مبثوثونَ في الريحِ، وفي الماءِ، وفي النباتْ
ونحنُ معجونونَ بالألوانِ والأصواتْ..
لن تُفلتوا.. لن تُفلتوا..
فكلُّ بيتٍ فيهِ بندقيهْ
من ضفّةِ النيلِ إلى الفراتْ
6


لن تستريحوا معنا..
كلُّ قتيلٍ عندنا
يموتُ آلافاً من المراتْ…
7


إنتبهوا.. إنتبهوا…
أعمدةُ النورِ لها أظافرْ
وللشبابيكِ عيونٌ عشرْ
والموتُ في انتظاركم في كلِّ وجهٍ عابرٍ…
أو لفتةٍ.. أو خصرْ
الموتُ مخبوءٌ لكم.. في مشطِ كلِّ امرأةٍ..
وخصلةٍ من شعرْ..
8


يا آلَ إسرائيلَ.. لا يأخذْكم الغرورْ
عقاربُ الساعاتِ إن توقّفتْ، لا بدَّ أن تدورْ..
إنَّ اغتصابَ الأرضِ لا يُخيفنا
فالريشُ قد يسقطُ عن أجنحةِ النسورْ
والعطشُ الطويلُ لا يخيفنا
فالماءُ يبقى دائماً في باطنِ الصخورْ
هزمتمُ الجيوشَ.. إلا أنكم لم تهزموا الشعورْ
قطعتم الأشجارَ من رؤوسها.. وظلّتِ الجذورْ
9


ننصحُكم أن تقرأوا ما جاءَ في الزّبورْ
ننصحُكم أن تحملوا توراتَكم
وتتبعوا نبيَّكم للطورْ..
فما لكم خبزٌ هنا.. ولا لكم حضورْ
من بابِ كلِّ جامعٍ..
من خلفِ كلِّ منبرٍ مكسورْ
سيخرجُ الحجّاجُ ذاتَ ليلةٍ.. ويخرجُ المنصورْ
10


إنتظرونا دائماً..
في كلِّ ما لا يُنتظَرْ
فنحنُ في كلِّ المطاراتِ، وفي كلِّ بطاقاتِ السفرْ
نطلعُ في روما، وفي زوريخَ، من تحتِ الحجرْ
نطلعُ من خلفِ التماثيلِ وأحواضِ الزَّهرْ..
رجالُنا يأتونَ دونَ موعدٍ
في غضبِ الرعدِ، وزخاتِ المطرْ
يأتونَ في عباءةِ الرسولِ، أو سيفِ عُمرْ..
نساؤنا.. يرسمنَ أحزانَ فلسطينَ على دمعِ الشجرْ
يقبرنَ أطفالَ فلسطينَ، بوجدانِ البشرْ
يحملنَ أحجارَ فلسطينَ إلى أرضِ القمرْ..
11


لقد سرقتمْ وطناً..
فصفّقَ العالمُ للمغامرهْ
صادرتُمُ الألوفَ من بيوتنا
وبعتمُ الألوفَ من أطفالنا
فصفّقَ العالمُ للسماسرهْ..
سرقتُمُ الزيتَ من الكنائسِ
سرقتمُ المسيحَ من بيتهِ في الناصرهْ
فصفّقَ العالمُ للمغامرهْ
وتنصبونَ مأتماً..
إذا خطفنا طائرهْ
12


تذكروا.. تذكروا دائماً
بأنَّ أمريكا – على شأنها –


ليستْ هيَ اللهَ العزيزَ القديرْ


وأن أمريكا – على بأسها –


لن تمنعَ الطيورَ أن تطيرْ


قد تقتلُ الكبيرَ.. بارودةٌ


صغيرةٌ.. في يدِ طفلٍ صغيرْ


13


ما بيننا.. وبينكم.. لا ينتهي بعامْ


لا ينتهي بخمسةٍ.. أو عشرةٍ.. ولا بألفِ عامْ


طويلةٌ معاركُ التحريرِ كالصيامْ


ونحنُ باقونَ على صدوركمْ..


كالنقشِ في الرخامْ..


باقونَ في صوتِ المزاريبِ.. وفي أجنحةِ الحمامْ


باقونَ في ذاكرةِ الشمسِ، وفي دفاترِ الأيامْ


باقونَ في شيطنةِ الأولادِ.. في خربشةِ الأقلامْ


باقونَ في الخرائطِ الملوّنهْ


باقونَ في شعر امرئ القيس..


وفي شعر أبي تمّامْ..


باقونَ في شفاهِ من نحبّهمْ


باقونَ في مخارجِ الكلامْ..


14


موعدُنا حينَ يجيءُ المغيبْ


موعدُنا القادمُ في تل أبيبْ


"نصرٌ من اللهِ وفتحٌ قريبْ"


15


ليسَ حزيرانُ سوى يومٍ من الزمانْ


وأجملُ الورودِ ما ينبتُ في حديقةِ الأحزانْ..


16


للحزنِ أولادٌ سيكبرونْ..


للوجعِ الطويلِ أولادٌ سيكبرونْ


للأرضِ، للحاراتِ، للأبوابِ، أولادٌ سيكبرونْ


وهؤلاءِ كلّهمْ..


تجمّعوا منذُ ثلاثينَ سنهْ


في غُرفِ التحقيقِ، في مراكزِ البوليسِ، في السجونْ


تجمّعوا كالدمعِ في العيونْ


وهؤلاءِ كلّهم..


في أيِّ.. أيِّ لحظةٍ


من كلِّ أبوابِ فلسطينَ سيدخلونْ..


17


..وجاءَ في كتابهِ تعالى:


بأنكم من مصرَ تخرجونْ


وأنكمْ في تيهها، سوفَ تجوعونَ، وتعطشونْ


وأنكم ستعبدونَ العجلَ دونَ ربّكمْ


وأنكم بنعمةِ الله عليكم سوفَ تكفرونْ


وفي المناشير التي يحملُها رجالُنا


زِدنا على ما قالهُ تعالى:


سطرينِ آخرينْ:


ومن ذُرى الجولانِ تخرجونْ


وضفّةِ الأردنِّ تخرجونْ


بقوّةِ السلاحِ تخرجونْ..


18


سوفَ يموتُ الأعورُ الدجّالْ


سوفَ يموتُ الأعورُ الدجّالْ


ونحنُ باقونَ هنا، حدائقاً، وعطرَ برتقالْ


باقونَ فيما رسمَ اللهُ على دفاترِ الجبالْ


باقونَ في معاصرِ الزيتِ.. وفي الأنوالْ


في المدِّ.. في الجزرِ.. وفي الشروقِ والزوالْ


باقونَ في مراكبِ الصيدِ، وفي الأصدافِ، والرمالْ


باقونَ في قصائدِ الحبِّ، وفي قصائدِ النضالْ


باقونَ في الشعرِ، وفي الأزجالْ


باقونَ في عطرِ المناديلِ..


في (الدَّبكةِ) و (الموَّالْ)..


في القصصِ الشعبيِّ، والأمثالْ


باقونَ في الكوفيّةِ البيضاءِ، والعقالْ


باقونَ في مروءةِ الخيلِ، وفي مروءةِ الخيَّالْ


باقونَ في (المهباجِ) والبُنِّ، وفي تحيةِ الرجالِ للرجالْ


باقونَ في معاطفِ الجنودِ، في الجراحِ، في السُّعالْ


باقونَ في سنابلِ القمحِ، وفي نسائمِ الشمالْ


باقونَ في الصليبْ..


باقونَ في الهلالْ..


في ثورةِ الطلابِ، باقونَ، وفي معاولِ العمّالْ


باقونَ في خواتمِ الخطبةِ، في أسِرَّةِ الأطفالْ


باقونَ في الدموعْ..


باقونَ في الآمالْ


19


تسعونَ مليوناً من الأعرابِ خلفَ الأفقِ غاضبونْ


با ويلكمْ من ثأرهمْ..


يومَ من القمقمِ يطلعونْ..


20


لأنَّ هارونَ الرشيدَ ماتَ من زمانْ


ولم يعدْ في القصرِ غلمانٌ، ولا خصيانْ


لأنّنا مَن قتلناهُ، وأطعمناهُ للحيتانْ


لأنَّ هارونَ الرشيدَ لم يعُدْ إنسانْ


لأنَّهُ في تحتهِ الوثيرِ لا يعرفُ ما القدسَ.. وما بيسانْ


فقد قطعنا رأسهُ، أمسُ، وعلّقناهُ في بيسانْ


لأنَّ هارونَ الرشيدَ أرنبٌ جبانْ


فقد جعلنا قصرهُ قيادةَ الأركانْ..


21


ظلَّ الفلسطينيُّ أعواماً على الأبوابْ..


يشحذُ خبزَ العدلِ من موائدِ الذئابْ


ويشتكي عذابهُ للخالقِ التوَّابْ


وعندما.. أخرجَ من إسطبلهِ حصاناً


وزيَّتَ البارودةَ الملقاةَ في السردابْ


أصبحَ في مقدورهِ أن يبدأَ الحسابْ..


22


نحنُ الذينَ نرسمُ الخريطهْ


ونرسمُ السفوحَ والهضابْ..


نحنُ الذينَ نبدأُ المحاكمهْ


ونفرضُ الثوابَ والعقابْ..


23


العربُ الذين كانوا عندكم مصدّري أحلامْ


تحوّلوا بعدَ حزيرانَ إلى حقلٍ من الألغامْ


وانتقلت (هانوي) من مكانها..


وانتقلتْ فيتنامْ..


24


حدائقُ التاريخِ دوماً تزهرُ..


ففي ذُرى الأوراسِ قد ماجَ الشقيقُ الأحمرُ..


وفي صحاري ليبيا.. أورقَ غصنٌ أخضرُ..


والعربُ الذين قلتُم عنهمُ: تحجّروا


تغيّروا..


تغيّروا


25


أنا الفلسطينيُّ بعد رحلةِ الضياعِ والسّرابْ


أطلعُ كالعشبِ من الخرابْ


أضيءُ كالبرقِ على وجوهكمْ


أهطلُ كالسحابْ


أطلعُ كلَّ ليلةٍ..


من فسحةِ الدارِ، ومن مقابضِ الأبوابْ


من ورقِ التوتِ، ومن شجيرةِ اللبلابْ


من بركةِ الدارِ، ومن ثرثرةِ المزرابْ


أطلعُ من صوتِ أبي..


من وجهِ أمي الطيبِ الجذّابْ


أطلعُ من كلِّ العيونِ السودِ والأهدابْ


ومن شبابيكِ الحبيباتِ، ومن رسائلِ الأحبابْ


أفتحُ بابَ منزلي.


أدخلهُ. من غيرِ أن أنتظرَ الجوابْ


لأنني أنا.. السؤالُ والجوابْ


26


محاصرونَ أنتمُ بالحقدِ والكراهيهْ


فمن هنا جيشُ أبي عبيدةٍ


ومن هنا معاويهْ


سلامُكم ممزَّقٌ..


وبيتُكم مطوَّقٌ


كبيتِ أيِّ زانيهْ..


27


نأتي بكوفيّاتنا البيضاءِ والسوداءْ


نرسمُ فوقَ جلدكمْ إشارةَ الفداءْ


من رحمِ الأيامِ نأتي كانبثاقِ الماءْ


من خيمةِ الذُّل التي يعلكُها الهواءْ


من وجعِ الحسينِ نأتي.. من أسى فاطمةَ الزهراءْ


من أُحدٍ نأتي.. ومن بدرٍ.. ومن أحزانِ كربلاءْ


نأتي لكي نصحّحَ التاريخَ والأشياءْ


ونطمسَ الحروفَ..


في الشوارعِ العبريّةِ الأسماء..






القصيدة الثانية



مورفين !!



اللفظةُ طابةُ مطّاطٍ..


يقذفُها الحاكمُ من شُرفتهِ للشارعْ..


ووراءَ الطابةِ يجري الشعبُ


ويلهثُ.. كالكلبِ الجائعْ..


اللفظةُ، في الشرقِ العربيِّ


أرجوازٌ بارعْ


يتكلَّمُ سبعةَ ألسنةٍ..


ويطلُّ بقبّعةٍ حمراءْ


ويبيعُ الجنّةَ للبسطاءْ


وأساورَ من خرزٍ لامعْ


ويبيعُ لهمْ..


فئراناً بيضاً.. وضفادعْ


اللفظةُ جسدٌ مهترئٌ


ضاجعهُ كتابٌ، والصحفيُّ


وضاجعهُ شيخُ الجامعْ..


اللفظةُ إبرةُ مورفينٍ


يحقنُها الحاكمُ للجمهورِ..


منَ القرنِ السابعْ


اللفظةُ في بلدي امرأةٌ


تحترفُ الفحشَ..


منَ القرنِ السابعْ..







القصيدة الثالثة

الحب والبترول ...!



متى تفهمْ ؟


متى يا سيّدي تفهمْ ؟


بأنّي لستُ واحدةً كغيري من صديقاتكْ


ولا فتحاً نسائيّاً يُضافُ إلى فتوحاتكْ


ولا رقماً من الأرقامِ يعبرُ في سجلاّتكْ ؟


متى تفهمْ ؟


متى تفهمْ ؟


أيا جَمَلاً من الصحراءِ لم يُلجمْ


ويا مَن يأكلُ الجدريُّ منكَ الوجهَ والمعصمْ


بأنّي لن أكونَ هنا.. رماداً في سجاراتكْ


ورأساً بينَ آلافِ الرؤوسِ على مخدّاتكْ


وتمثالاً تزيدُ عليهِ في حمّى مزاداتكْ


ونهداً فوقَ مرمرهِ.. تسجّلُ شكلَ بصماتكْ


متى تفهمْ ؟


متى تفهمْ ؟


بأنّكَ لن تخدّرني.. بجاهكَ أو إماراتكْ


ولنْ تتملّكَ الدنيا.. بنفطكَ وامتيازاتكْ


وبالبترولِ يعبقُ من عباءاتكْ


وبالعرباتِ تطرحُها على قدميْ عشيقاتكْ


بلا عددٍ.. فأينَ ظهورُ ناقاتكْ


وأينَ الوشمُ فوقَ يديكَ.. أينَ ثقوبُ خيماتكْ


أيا متشقّقَ القدمينِ.. يا عبدَ انفعالاتكْ


ويا مَن صارتِ الزوجاتُ بعضاً من هواياتكْ


تكدّسهنَّ بالعشراتِ فوقَ فراشِ لذّاتكْ


تحنّطهنَّ كالحشراتِ في جدرانِ صالاتكْ


متى تفهمْ ؟


متى يا أيها المُتخمْ ؟


متى تفهمْ ؟


بأنّي لستُ مَن تهتمّْ


بناركَ أو بجنَّاتكْ


وأن كرامتي أكرمْ..


منَ الذهبِ المكدّسِ بين راحاتكْ


وأن مناخَ أفكاري غريبٌ عن مناخاتكْ


أيا من فرّخَ الإقطاعُ في ذرّاتِ ذرّاتكْ


ويا مَن تخجلُ الصحراءُ حتّى من مناداتكْ


متى تفهمْ ؟


تمرّغ يا أميرَ النفطِ.. فوقَ وحولِ لذّاتكْ


كممسحةٍ.. تمرّغ في ضلالاتكْ


لكَ البترولُ.. فاعصرهُ على قدَمي خليلاتكْ


كهوفُ الليلِ في باريسَ.. قد قتلتْ مروءاتكْ


على أقدامِ مومسةٍ هناكَ.. دفنتَ ثاراتكْ


فبعتَ القدسَ.. بعتَ الله.. بعتَ رمادَ أمواتكْ


كأنَّ حرابَ إسرائيلَ لم تُجهضْ شقيقاتكْ


ولم تهدمْ منازلنا.. ولم تحرقْ مصاحفنا


ولا راياتُها ارتفعت على أشلاءِ راياتكْ


كأنَّ جميعَ من صُلبوا..


على الأشجارِ.. في يافا.. وفي حيفا..


وبئرَ السبعِ.. ليسوا من سُلالاتكْ


تغوصُ القدسُ في دمها..


وأنتَ صريعُ شهواتكْ


تنامُ.. كأنّما المأساةُ ليستْ بعضَ مأساتكْ


متى تفهمْ ؟


متى يستيقظُ الإنسانُ في ذاتكْ ؟




القصيدة الرابعة

خمس رسائل إلى أمي

صباحُ الخيرِ يا حلوه..


صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه


مضى عامانِ يا أمّي


على الولدِ الذي أبحر


برحلتهِ الخرافيّه


وخبّأَ في حقائبهِ


صباحَ بلادهِ الأخضر


وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر


وخبّأ في ملابسهِ


طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر


وليلكةً دمشقية..


أنا وحدي..


دخانُ سجائري يضجر


ومنّي مقعدي يضجر


وأحزاني عصافيرٌ..


تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر


عرفتُ نساءَ أوروبا..


عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ


عرفتُ حضارةَ التعبِ..


وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر


ولم أعثر..


على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر


وتحملُ في حقيبتها..


إليَّ عرائسَ السكّر


وتكسوني إذا أعرى


وتنشُلني إذا أعثَر


أيا أمي..


أيا أمي..


أنا الولدُ الذي أبحر


ولا زالت بخاطرهِ


تعيشُ عروسةُ السكّر


فكيفَ.. فكيفَ يا أمي


غدوتُ أباً..


ولم أكبر؟


صباحُ الخيرِ من مدريدَ


ما أخبارها الفلّة؟


بها أوصيكِ يا أمّاهُ..


تلكَ الطفلةُ الطفله


فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..


يدلّلها كطفلتهِ


ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ


ويسقيها..


ويطعمها..


ويغمرها برحمتهِ..


.. وماتَ أبي


ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ


وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ


وتسألُ عن عباءتهِ..


وتسألُ عن جريدتهِ..


وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-


عن فيروزِ عينيه..


لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..


دنانيراً منَ الذهبِ..


سلاماتٌ..


سلاماتٌ..


إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة


إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"


إلى تختي..


إلى كتبي..


إلى أطفالِ حارتنا..


وحيطانٍ ملأناها..


بفوضى من كتابتنا..


إلى قططٍ كسولاتٍ


تنامُ على مشارقنا


وليلكةٍ معرشةٍ


على شبّاكِ جارتنا


مضى عامانِ.. يا أمي


ووجهُ دمشقَ،


عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا


يعضُّ على ستائرنا..


وينقرنا..


برفقٍ من أصابعنا..


مضى عامانِ يا أمي


وليلُ دمشقَ


فلُّ دمشقَ


دورُ دمشقَ


تسكنُ في خواطرنا


مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا


كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..


قد زُرعت بداخلنا..


كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..


تعبقُ في ضمائرنا


كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ


جاءت كلّها معنا..


أتى أيلولُ يا أماهُ..


وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ


ويتركُ عندَ نافذتي


مدامعهُ وشكواهُ


أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟


أينَ أبي وعيناهُ


وأينَ حريرُ نظرتهِ؟


وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟


سقى الرحمنُ مثواهُ..


وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..


وأين نُعماه؟


وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..


تضحكُ في زواياهُ


وأينَ طفولتي فيهِ؟


أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ


وآكلُ من عريشتهِ


وأقطفُ من بنفشاهُ


دمشقُ، دمشقُ..


يا شعراً


على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ


ويا طفلاً جميلاً..


من ضفائره صلبناهُ


جثونا عند ركبتهِ..


وذبنا في محبّتهِ


إلى أن في محبتنا قتلناهُ...











القصيدة الخامسة

لا بد أن أستأذن الوطن

يا صديقتي


في هذه الأيام يا صديقتي..


تخرج من جيوبنا فراشة صيفية تدعى الوطن.


تخرج من شفاهنا عريشة شامية تدعى الوطن.


تخرج من قمصاننا


مآذن... بلابل ..جداول ..قرنفل..سفرجل.


عصفورة مائية تدعى الوطن.


أريد أن أراك يا سيدتي..


لكنني أخاف أن أجرح إحساس الوطن..


أريد أن أهتف إليك يا سيدتي


لكنني أخاف أن تسمعني نوافذ الوطن.


أريد أن أمارس الحب على طريقتي


لكنني أخجل من حماقتي


أمام أحزان الوطن.




القصيدة السادسة



الحب والبترول





متى تفهمْ ؟


متى يا سيّدي تفهمْ ؟


بأنّي لستُ واحدةً كغيري من صديقاتكْ


ولا فتحاً نسائيّاً يُضافُ إلى فتوحاتكْ


ولا رقماً من الأرقامِ يعبرُ في سجلاّتكْ ؟


متى تفهمْ ؟


متى تفهمْ ؟


أيا جَمَلاً من الصحراءِ لم يُلجمْ


ويا مَن يأكلُ الجدريُّ منكَ الوجهَ والمعصمْ


بأنّي لن أكونَ هنا.. رماداً في سجاراتكْ


ورأساً بينَ آلافِ الرؤوسِ على مخدّاتكْ


وتمثالاً تزيدُ عليهِ في حمّى مزاداتكْ


ونهداً فوقَ مرمرهِ.. تسجّلُ شكلَ بصماتكْ


متى تفهمْ ؟


متى تفهمْ ؟


بأنّكَ لن تخدّرني.. بجاهكَ أو إماراتكْ


ولنْ تتملّكَ الدنيا.. بنفطكَ وامتيازاتكْ


وبالبترولِ يعبقُ من عباءاتكْ


وبالعرباتِ تطرحُها على قدميْ عشيقاتكْ


بلا عددٍ.. فأينَ ظهورُ ناقاتكْ


وأينَ الوشمُ فوقَ يديكَ.. أينَ ثقوبُ خيماتكْ


أيا متشقّقَ القدمينِ.. يا عبدَ انفعالاتكْ


ويا مَن صارتِ الزوجاتُ بعضاً من هواياتكْ


تكدّسهنَّ بالعشراتِ فوقَ فراشِ لذّاتكْ


تحنّطهنَّ كالحشراتِ في جدرانِ صالاتكْ


متى تفهمْ ؟


متى يا أيها المُتخمْ ؟


متى تفهمْ ؟


بأنّي لستُ مَن تهتمّْ


بناركَ أو بجنَّاتكْ


وأن كرامتي أكرمْ..


منَ الذهبِ المكدّسِ بين راحاتكْ


وأن مناخَ أفكاري غريبٌ عن مناخاتكْ


أيا من فرّخَ الإقطاعُ في ذرّاتِ ذرّاتكْ


ويا مَن تخجلُ الصحراءُ حتّى من مناداتكْ


متى تفهمْ ؟


تمرّغ يا أميرَ النفطِ.. فوقَ وحولِ لذّاتكْ


كممسحةٍ.. تمرّغ في ضلالاتكْ


لكَ البترولُ.. فاعصرهُ على قدَمي خليلاتكْ


كهوفُ الليلِ في باريسَ.. قد قتلتْ مروءاتكْ


على أقدامِ مومسةٍ هناكَ.. دفنتَ ثاراتكْ


فبعتَ القدسَ.. بعتَ الله.. بعتَ رمادَ أمواتكْ


كأنَّ حرابَ إسرائيلَ لم تُجهضْ شقيقاتكْ


ولم تهدمْ منازلنا.. ولم تحرقْ مصاحفنا


ولا راياتُها ارتفعت على أشلاءِ راياتكْ


كأنَّ جميعَ من صُلبوا..


على الأشجارِ.. في يافا.. وفي حيفا..


وبئرَ السبعِ.. ليسوا من سُلالاتكْ


تغوصُ القدسُ في دمها..


وأنتَ صريعُ شهواتكْ


تنامُ.. كأنّما المأساةُ ليستْ بعضَ مأساتكْ


متى تفهمْ ؟


متى يستيقظُ الإنسانُ في ذاتكْ ؟









القصيدة السابع

امرأة حمقاء







يا سيدي العزيز


هذا خطاب امرأة حمقاء


هل كتبت إليك قبلي امرأة حمقاء؟


اسمي انا ؟ دعنا من الأسماء


رانية أم زينب


أم هند أم هيفاء


اسخف ما نحمله ـ يا سيدي ـ الأسماء


يا سيدي


أخاف أن أقول مالدي من أشياء


أخاف ـ لو فعلت ـ أن تحترق السماء


فشرقكم يا سيدي العزيز


يصادر الرسائل الزرقاء


يصادر الأحلام من خزائن النساء


يستعمل السكين


والساطور


كي يخاطب النساء


ويذبح الربيع والأشواق


والضفائر السوداء


و شرقكم يا سيدي العزيز


يصنع تاج الشرف الرفيع


من جماجم النساء


لا تنتقدني سيدي


إن كان خطي سيئاً


فإنني اكتب والسياف خلف بابي


وخارج الحجرة صوت الريح والكلاب


يا سيدي


عنترة العبسي خلف بابي


يذبحني


إذا رأى خطابي


يقطع رأسي


لو رأى الشفاف من ثيابي


يقطع رأسي


لو انا عبرت عن عذابي


فشرقكم يا سيدي العزيز


يحاصر المرأة بالحراب


يبايع الرجال أنبياء


ويطمر النساء في التراب


لا تنزعج !


يا سيدي العزيز ... من سطوري


لا تنزعج !


إذا كسرت القمقم المسدود من عصور


إذا نزعت خاتم الرصاص عن ضميري


إذا انا هربت


من أقبية الحريم في القصور


إذا تمردت , على موتي ...


على قبري


على جذوري


و المسلخ الكبير


لا تنزعج يا سيدي !


إذا انا كشفت عن شعوري


فالرجل الشرقي


لا يهتم بالشعر و لا الشعور ...


الرجل الشرقي


لا يفهم المرأة إلا داخل السرير ...


معذرة .. معذرة يا سيدي


إذا تطاولت على مملكة الرجال


الأدب الكبير ـ طبعاً ـ أدب الرجال والحب كان دائماً


من حصة الرجال


والجنس كان دائما ً


مخدراً يباع للرجال


خرافة حرية النساء في بلادنا


فليس من حرية


أخرى ، سوى حرية الرجال


يا سيدي


قل ما تريده عني ، فلن أبالي سطحية . غبية . مجنونة . بلهاء فلم اعد أبالي


لأن من تكتب عن همومها ..


في منطق الرجال امرأة حمقاء


ألم اقل في أول الخطاب إني


امرأة حمقاء ؟






القصيدة الثامنة

التناقضات



فشلت جميع محاولاتي


في أن أفسر موقفي


فشلت جميع محاولاتي


مازلت تتهمينني


كأني هوائي المزاج , ونرجسي


في جميع تصرفاتي


مازلت تعتبرينني


كقطار نصف الليل .. أنسى دائما


أسماء ركابي , ووجه زائراتي


فهواي غيب


والنساء لدي محض مصادفات


مازلت تعتقدين .. أن رسائلي


عمل روائي .. واشعاري


شريط مغامرات


وبأنني استعمل اجمل صاحباتي


جسراً إلى مجدي .. ومجد مؤلفاتي


مازلتي تحتجين أني لا احبك


كالنساء الأخريات


وعلى سرير العشق لم أسعدك مثل الأخريات


أهـ من طمع النساء


وكيدهن


ومن عتاب معاتباتي


كم أنتي رومانسية التفكير ، ساذجة


التجارب


تتصورين الحب صندوقاً مليئاً


بالعجائب


وحقول جار دينيا


وليلا لا زوردي الكواكب


مازلت تشترطين


أن نبقى إلى يوم القيامة عاشقين


وتطالبين بان نظل على الفراش ممددين


نرمي سجائرنا ونشعلها


وننقر بعضنا كحمامتين


ونظل أياما .. وأياما ..


نحاور بعضنا بالركبتين


هذا كلام مضحك


انا لست اضمن طقسي النفسي بعد دقيقتين


ولربما يتغير التاريخ بعد دقيقتين ونعود


في خفي حنين


من عالم الجنس المثير


نعود في خفي حنين


فشلت جميع محاولاتي


في أن أفسر موقفي


فشلت جميع محاولاتي


فتقبلي عشقي على علاته


وتقبلي مللي .. وذبذبتي .. وسوء تصرفاتي


فأنا كماء البحر في مدي وفي جزري وعمق تحولاتي


إن التناقض في دمي وأنا احب


تناقضاتي


ماذا سأفعل يا صديقه


هكذا رسمت حياتي


..منذ الخليقة .. هكذا رسمت حياتي






القصيدة التاسعة



الحافية





صامتةٌ أنتِ..


فهل تدرينَ بأن يديك الصامتتين..


كتابا شعر؟


حافيةٌ أنتِ..


فهل تدرينَ بأن امرأةً حافية القدمينِ


تغير إيقاع التاريخِ،


وتقلبُ خارطةَ الدنيا،


وتطيلُ العمر؟







القصيدة العاشرة

قانا



1


وجه قانا شاحب اللون كما وجه يسوع.


و هواء البحر في نيسان,


أمطار دماء, و دموع…


2


دخلوا قانا على أجسادنا


يرفعون العلم النازي في أرض الجنوب.


و يعيدون فصول المحرقة..


هتلر أحرقهم في غرف الغاز


و جاؤوا بعده كي يحرقونا..


هتلر هجرهم من شرق أوروبا..


و هم من أرضنا قد هجرونا.


هتلر لم يجد الوقت لكي يمحقهم


و يريح الأرض منهم..


فأتوا من بعده ..كي يمحقونا!!.


3


دخلوا قانا..كأفواج ذئاب جائعة.


يشعلون النار في بيت المسيح.


و يدوسون على ثوب الحسين..


و على أرض الجنوب الغالية..


4


قصفوا الحنطة, و الزيتون, و التبغ,


و أصوات البلابل..


قصفوا قدموس في مركبه..


قصفوا البحر..و أسراب النوارس..


قصفوا حتى المشافي..و النساء المرضعات..


و تلاميذ المدارس.


قصفوا سحر الجنوبيات


و اغتالوا بساتين العيون العسلية!..


5


….و رأينا الدمع في جفن علي.


و سمعنا صوته و هو يصلي


تحت أمطار سماء دامية..


6


كل من يكتب عن تاريخ (قانا)


سيسميها على أوراقه:


(كربلاء الثانية)!!.


7


كشفت قانا الستائر..


و رأينا أميركا ترتدي معطف حاخام يهودي عتيق..


و تقود المجزرة..


تطلق النار على أطفالنا دون سبب..


و على زوجاتنا دون سبب.


و على أشجارنا دون سبب.


و على أفكارنا دون سبب.


فهل الدستور في سيدة العالم..


بالعبري مكتوب..لإذلال العرب؟؟


8


هل على كل رئيس حاكم في أمريكا؟


إن أراد الفوز في حلم الرئاسة..


قتلنا, نحن العرب؟


9


انتظرنا عربي واحداً.


يسحب الخنجر من رقبتنا..


انتظرنا هاشميا واحداً..


انتظرنا قريشياً واحداً..


دونكشوتاً واحداً..


قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربه…


انتظرنا خالداً..أو طارقاً..أو عنترة..


فأكلنا ثرثرة و شربنا ثرثرة..


أرسلوا فاكسا إلينا..استلمنا نصه


بعد تقديم التعازي و انتهاء المجزرة!!.


10


ما الذي تخشاه إسرائيل من صرخاتنا؟


ما الذي تخشاه من (فاكساتنا)؟


فجهاد الفاكس من أبسط أنواع الجهاد..


فهو نص واحد نكتبه


لجميع الشهداء الراحلين.


و جميع الشهداء القادمين!!.


11


ما الذي تخشاه إسرائيل من ابن المقفع؟


و جرير ..و الفرذدق؟


و من الخنساء تلقي شعرها عند باب المقبرة..


ما الذي تخشاه من حرق الإطارات..


و توقيع البيانات..و تحطيم لمتاجر..


و هي تدري أننا لم نكن يوما ملوك الحرب..


بل كنا ملوك الثرثرة…


12


ما الذي تخشاه من قرقعة الطبل..


و من شق الملاءات..و من لطم الخدود؟


ما الذي تخشاه من أخبار عاد و ثمود؟؟


13


نحن في غيبوبة قومية


ما استلمنا منذ أيام الفتوحات بريدا…


14


نحن شعب من عجين.


كلما تزداد إسرائيل إرهابا و قتلا..


نحن نزداد ارتخاء ..و برودا..


15


وطن يزداد ضيقاً.


لغة قطرية تزداد قبحاً.


وحدة خضراء تزداد انفصالاً.


و حدود كلما شاء الهوى تمحو حدودا!!


16


كيف إسرائيل لا تذبحنا ؟


كيف لا تلغي هشاما, و زياداً, و الرشيدا؟


و بنو تغلب مشغولون في نسوانهم..


و بنوا مازن مشغولون في غلمانهم..


و بنو هاشم يرمون السراويل على أقدامها..


و يبيحون شفاها ..و نهودا!!.


17


ما الذي تخشاه إسرائيل من بعض العرب


بعد ما صاروا يهودا؟؟


تنويه: هذه قصائد مختارة لشاعر المرأة نزار قباني وهي منشورة في العديد من المواقع، وعليه اذا كانت لجهة ما حق النشر ، ارجو ان تراسلنا عبر بريدنا الالكتروني لنقوم بالحذف الفوري لهذه القصائد.
هدفنا نشر الابداع وفقط.