ذات زمن كنت صديقا مقربا من الأفكار وتزورني بالجملة، وبهويات وألوان وأحجام وعناوين مختلفة، وفي وقت واحد أو أوقات متقاربة ، أحصل عليها دون تعب وعناء؛ فأقوم بتدوين وكتابة ما أشاء منها ، أترك الباقي فوق سفرة خاصة بنا، ومنها تنقل بقايانا إلى مزبلة الأفكار،
مرات كانت تختفي عندما أكون بحاجة ماسة لها، تتدلل علي، وتلعب معي لعبة الغميضة ، وأنا المسكين كنت طريا حينها وعلى الفطرة، لم أكن أعرف أنه مقلب، كنت ألفتها، وأتنفسها ، لذا أبحث عنها وأنا قلق وخائف من فقدي لها، أسافر من أجلها إلى كل الأمصار، وأصل إلى تخوم كوكب آخر، وأعود خائبا.
أصل إلى بيتي متعبا من سفريات البحث عنها ، ألجأ إلى فراشي، أشتكي لوسادتي معاناتي منها، وظلمها لي ، حينها تأتي بكل برود ، تجلس بجانبي، تقتسم معي فراشي ومخدتي دون حياء ، تهمس في اذني دون توقف ، تفتح ثقبا في صدري تلج منه إلى قلبي، تطلب من صماماتي أن تفرش لها بساطا أحمر ، و تزودها بطائرة خاصة تنقلها إلى كل مفصل، كل عرق، كل نقطة في جسدي، فتهبها صماماتي كل ما تريد ، وتغرقني بعد ذلك أشعارا وقصصا ورواياتا وأخرى ،،، صرت عبدا لها، لا أصحو ولا أنام إلا بها، لا آكل سواها، لا أشبع سوى من يدها، بالمقابل كنت حصريا ووقفا للأفكار ، لا يأكلني أحد سواها.
كلما حاولت الإبتعاد عنها تجبرني إلى العودة، تارة بالاغراء والاغواء، تغريني بعطرها المخملي ، تغويني بأشيائها المغرية، فهي كومة إغراء ، تذكرني بطبخة برقصة بليلة بلمسة بقبلة وبأشياء أخرى أكثر دهشة وإمتاعا، أشياء تشكل دوما نقطة ضعفي، تارة تهددني تلمح لي بأنها ستقتلني بخنجرها إذا ما حاولت إعتزال الكتابة ورمي القلم وتمزيق الورق ، وتارة أخرى تلوي ذراعي، وتقول أنها ستكشف للعالم عن سر خطير بحت به لها ، تخبرني بأن سري اختمر ، وحان قطافه ومعه رأسي ، تحكي عن صور حية عن ذات سهرة مغلقة ، رقصة بينية، خلوة جمعتنا ، و تهددني بمحصلة تلك السهرة والرقصة والخلوة ، فمحصلتها للأسف أنا، وأنا بفستان وردي وبتاء التأنيث ، لا مجال من الهرب والكذب فالنتيجة بقلمي، وتشبهني حد التطابق..
أخبرتني الأفكار بأنه لا حل لي سوى أن أحلم بها وأعيش لها فقط، وأكتب دوما كل ما تمليه علي، وإلا ......
بعد محطتين ونيف من الزمن أعلنت الثورة عليها، حينها كانت تزداد هي قوة وجبروتا وألقا وتوهجا ، وأزداد أنا ضعفا أمامها ،، ما شجعني لأكفر بها، هو مغادرة ما جمعني بها أو قلمي البكر إلى عالم الخلود .. كانت توسوس لي قبيل الثورة وتستفزني، و
فاجأتها ب مبيد سام، قضيت على بعضها، وأبعدت بعضها الآخر عني....
في الأخير اجتمعت الافكار كلها، وقررت تأديبي وسجني معا، اقتحمت مكان تواجدي ، نزعت المبيد من يدي، أغلقت كل المنافذ والمعابر المحتملة لنجاتي، غطت سمائي أيضا ، وفت بوعدها وأعادتني إلى بيت الطاعة.
تمت
Shami Mahmoud Shami