القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

28 - جذور ثقافية "سيرة ذاتية"
يكتبها: يحيى محمد سمونة
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏نظارة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏
كنت في منتصف السبعينيات [1975 و ما بعد] كأي فرد من الناس قد وقعت ضحية الإعلام الموجه و بت على موقف معاد للنظام بعد أن أشيع [وفق منهج مدروس] بأنه ـ أي النظام ـ يسوس الناس بقوة الحديد و النار، و لم أكن أفقه تماما معنى هذا الكلام، غير أن حديث الشارع بدا كذلك! و ما كان لفتى مثلي أن يعرف معنى السلوك المتوازن الذي مبعثه ثقافة واعية و فكر منطقي سوي و سديد، بل كنت أسمع حديث الشارع و أنفعل بانفعاله و أغضب بغضبه!
 و تجدني آنذاك و قد وقعت بين مطرقة النظام و سندان الشارع الغاضب! الأمر الذي جعلني في حالة نفسية متدنية يرثى لها، فالنظام أسفر يومها عن وجه مقيت! و الشارع بحسب ما اهتدى إليه تفكيري يفتقد إلى أبسط مقومات الإدارة المدنية و هيكلها التنظيمي و القدرة على مواجهة معضلات و مشكلات مجتمع مدني! و هذا يعني أن غضب الشارع لن يسفر مستقبلا عن وجه حضاري! و لن يكون ثمة ازدهار في بلدي سوى أنها شحنة غضب سرعان ما سيصار إلى تفريغها بأي وجه و طريقة و أسلوب كان!! و من هنا كانت معاناتي النفسية التي جعلتني على خوف و كبت و انهزام و تأرجح! [قلت: لست الوحيد الذي وقع في ذلك الوقت في مطب تلك الحالة النفسية السيئة بل مجتمع آنذاك كله وقع في ذات الحالة! و بذلك يكون الإعلام قد أدى مهمته بنجاح تام و ها هو الشعب يفرغ طاقاته الحيوية كلها في بؤرة صراع لا طائل منه سوى أن المستفيد الوحيد جراء ذلك هو ربيبة القوة العظمى والأياد الخفية الملطخة التي تحرك السياسة العالمية لصالحها]
 لقد كان ينتابني الشعور آنذاك أن أسلوب المواجهة المسلحة مع النظام لا طائل منه وأنه لا بد من إيجاد طرق أكثر نجاعة في تحقيق مطالب الشارع و صون كرامته مقابل خروج النظام من ورطة العنف الدموي الذي يسيئ إلى سمعته عالميا و يجعله في موقف لا يحسد عليه!
 كنت أتساءل يومها: ترى هل ينفع الحوار و الحالة هذ ؟! و لكن من سيكون المرشح للحوار ؟! و ما ستكون مادة و موضوع الحوار ؟! و ما هي ضمانات نجاعة الحوار و نجاحه و تحقيق القرارات التي تتمخض عنه؟!
غير أن تفكيري هذا كله ذهب أدراج الرياح بعد أن استتب الأمر لصالح النظام
 و تم احتواء الشارع! الذي خسر الكثير الكثير من مكتسباته، عداك عن أنه لم يحقق أدنى شيء من مطالبه! بل ظهر أضعف مما كان ! و سر ذلك أنه لم يختر الطريق المناسب للتصحيح
يحيى محمد سمونة.حلب