جريمة العقل **قصةقصيرة**
القلب تغشاه الهموم،السماء اللامعة تراكمت دونها سحب وغيوم،ما عادت عروسها تظهر،لم يعد ذلك الدفء تبعثه لم نعد نرى براءتها في صفاء معهود...مابال الأرض تخلّت عن حب سرمدي كان يربطها بالشمس...انتحرت كل الأشجار،أزهارها قتلها الظمأ،الماء صار أشد ملوحة ، الألوان كلها اسودت...حتى اللون التفاؤلي لون البياض اختفى وأضرب عن البيان...أم أن العيون أصابها عمى الألوان؛قيل أن الكلاب لا ترى إلا لوني البياض والسواد،فهل من حيلة نختبر بها هذه الكلاب ؟هي أيضا صارت تتحايل،تكذب وتراوغ !!!عجيب أمر هذا العالم حقاّ !!!هي من حقها ذلك لأنها لاتريد أن تكون حقل تجارب كما فُعِل بأشياعها من قبل. كثافة الجو غطّت الحيز واتصلت الأرض بالسماء فهل هو عناق الغربة والبعد وحرارة اللقاء أحرق كل هذه الكائنات؟!أم تراه العناق الأخير وأن الفراق قد آن فالتصق الجسمان من حب القلوب؟!! كان حميد وحده يرى كل هذا...أدرك ذلك من تصرفات الناس العادية جدأ...هَمّ أن يسأل بعضهم إن كانوا يرون مايرى.كاد أن يفعل عدة مرات..لا..لا..لن يفعل...فإن هو سألهم سيرمونه بالجنون بكل تأكيد،صمت هنيهة وغاص في شرود ذهني من نوع خاصّ ... ترى هل أنا فعلا كذلك ؟وهل هذه مظاهر فقدان العقل ؟نعم...أكيد...فإن كثيرا من مجانين المدينة يتفوهون كلاما قد لا يفسره أحد أحيانا كثيرة،ويتصرّفون تصرفات غريبة لكنها أصبحت مألوفة لطول تكرارها وليقين الناس بجنونهم ...وهل سأنضم إلى فريق هؤلاء الذين فقدوا مكابحهم،وفُكت عنهم القيود،ورفعت عنهم الأقلام وحازوا عطف الناس؟؟ آه أيا عقل!إنها بداية أفول نجمك ومنطلق نهايتك ...ماذا يقول الناس عن زوجتي وعن أولادي غير زوجة المجنون وأولاد المجنون؟!وإذا ما صدر أي تصرف طائش من أحدهم وإن كان عاديا من غيرهم فسيورثونه الجنون ! كان في نفسه يدير هذا الحوار العنيف غير أن يديه كانتا لا تكفان عن التلويح والحركة يمينا وشمالا وفي كل اتجاه . لا..لا.. لست مجنونا.بل أنا أعقل الخلق...ها أنا ذا أعي ما أقول .ما كاد أن يطمئن حتى فاجأه طفل صغير,عمي محمود ما بك تلوح بيديك لقد كدت تلطم بعض المارين أأصابك مسّ ؟! وببراءته استسمحه أن يقرأ عليه شيئا من التعاويذ،وما شعر الطفل إلا وصفعة من الرجل تلطم خده اذهب عني،آباؤكم هم المجانين...أنا لازلت عاقلا،وإن فقدت كل الناس صوابها وأضاعت رشدها!!! مضى في طريقه زمنا غير طويل ثم عاودته شكوكه وظنونه وهمومه...علني فعلا كذلك،وهل أولئك الذين يضحكون هم يسخرون مني؟ وصار كلما لمح بسمة من هنا أو هناك أو سمع ضحكة أو رأى إشارة فقدا لثقة في نفسه وتفر ممن حوله... أتعبته هذه الوساوس فقرر أخيرا أن يستسلم لهذا المرض الموهوم،فراح يقنع نفسه بالجنون،وليحذر الذين يرمونني بالعقل،نعم إن العقل تهمة مادام الجنون مباحا،وأن التعقّل هو أخطر الأمراض! ارموا الآن عقولكم أيها الناس عطلوها عن وظيفتها،احترفوا الجنون،وارموا أثقالكم وراء ظهوركم ،تخلصوا من واجباتكم،مارسوا طفولتكم في لاوعي،واهتفوا بحياة الجنون وارفعوا كل عقال،ورددوا لا حب،لا بغض،ولتختلط الحقوق بالواجبات ،لا بطاقة هوية،ولا حواجز،لا سؤال و لاحساب عيشوا سعادتكم فقد جن قيس،وجن توبة،وجن جميل وجن الكثير من قبلهم ومن بعدهم.... أما أنا فقد شققت سبيلي إلى الجنون وغدا سيلحق بي كل عاقل وسيصبح هؤلاء المجانين هم وحدهم عقلاء هذه المدينة!!!
الاديب : اسماعيل دراجي
القلب تغشاه الهموم،السماء اللامعة تراكمت دونها سحب وغيوم،ما عادت عروسها تظهر،لم يعد ذلك الدفء تبعثه لم نعد نرى براءتها في صفاء معهود...مابال الأرض تخلّت عن حب سرمدي كان يربطها بالشمس...انتحرت كل الأشجار،أزهارها قتلها الظمأ،الماء صار أشد ملوحة ، الألوان كلها اسودت...حتى اللون التفاؤلي لون البياض اختفى وأضرب عن البيان...أم أن العيون أصابها عمى الألوان؛قيل أن الكلاب لا ترى إلا لوني البياض والسواد،فهل من حيلة نختبر بها هذه الكلاب ؟هي أيضا صارت تتحايل،تكذب وتراوغ !!!عجيب أمر هذا العالم حقاّ !!!هي من حقها ذلك لأنها لاتريد أن تكون حقل تجارب كما فُعِل بأشياعها من قبل. كثافة الجو غطّت الحيز واتصلت الأرض بالسماء فهل هو عناق الغربة والبعد وحرارة اللقاء أحرق كل هذه الكائنات؟!أم تراه العناق الأخير وأن الفراق قد آن فالتصق الجسمان من حب القلوب؟!! كان حميد وحده يرى كل هذا...أدرك ذلك من تصرفات الناس العادية جدأ...هَمّ أن يسأل بعضهم إن كانوا يرون مايرى.كاد أن يفعل عدة مرات..لا..لا..لن يفعل...فإن هو سألهم سيرمونه بالجنون بكل تأكيد،صمت هنيهة وغاص في شرود ذهني من نوع خاصّ ... ترى هل أنا فعلا كذلك ؟وهل هذه مظاهر فقدان العقل ؟نعم...أكيد...فإن كثيرا من مجانين المدينة يتفوهون كلاما قد لا يفسره أحد أحيانا كثيرة،ويتصرّفون تصرفات غريبة لكنها أصبحت مألوفة لطول تكرارها وليقين الناس بجنونهم ...وهل سأنضم إلى فريق هؤلاء الذين فقدوا مكابحهم،وفُكت عنهم القيود،ورفعت عنهم الأقلام وحازوا عطف الناس؟؟ آه أيا عقل!إنها بداية أفول نجمك ومنطلق نهايتك ...ماذا يقول الناس عن زوجتي وعن أولادي غير زوجة المجنون وأولاد المجنون؟!وإذا ما صدر أي تصرف طائش من أحدهم وإن كان عاديا من غيرهم فسيورثونه الجنون ! كان في نفسه يدير هذا الحوار العنيف غير أن يديه كانتا لا تكفان عن التلويح والحركة يمينا وشمالا وفي كل اتجاه . لا..لا.. لست مجنونا.بل أنا أعقل الخلق...ها أنا ذا أعي ما أقول .ما كاد أن يطمئن حتى فاجأه طفل صغير,عمي محمود ما بك تلوح بيديك لقد كدت تلطم بعض المارين أأصابك مسّ ؟! وببراءته استسمحه أن يقرأ عليه شيئا من التعاويذ،وما شعر الطفل إلا وصفعة من الرجل تلطم خده اذهب عني،آباؤكم هم المجانين...أنا لازلت عاقلا،وإن فقدت كل الناس صوابها وأضاعت رشدها!!! مضى في طريقه زمنا غير طويل ثم عاودته شكوكه وظنونه وهمومه...علني فعلا كذلك،وهل أولئك الذين يضحكون هم يسخرون مني؟ وصار كلما لمح بسمة من هنا أو هناك أو سمع ضحكة أو رأى إشارة فقدا لثقة في نفسه وتفر ممن حوله... أتعبته هذه الوساوس فقرر أخيرا أن يستسلم لهذا المرض الموهوم،فراح يقنع نفسه بالجنون،وليحذر الذين يرمونني بالعقل،نعم إن العقل تهمة مادام الجنون مباحا،وأن التعقّل هو أخطر الأمراض! ارموا الآن عقولكم أيها الناس عطلوها عن وظيفتها،احترفوا الجنون،وارموا أثقالكم وراء ظهوركم ،تخلصوا من واجباتكم،مارسوا طفولتكم في لاوعي،واهتفوا بحياة الجنون وارفعوا كل عقال،ورددوا لا حب،لا بغض،ولتختلط الحقوق بالواجبات ،لا بطاقة هوية،ولا حواجز،لا سؤال و لاحساب عيشوا سعادتكم فقد جن قيس،وجن توبة،وجن جميل وجن الكثير من قبلهم ومن بعدهم.... أما أنا فقد شققت سبيلي إلى الجنون وغدا سيلحق بي كل عاقل وسيصبح هؤلاء المجانين هم وحدهم عقلاء هذه المدينة!!!
الاديب : اسماعيل دراجي