القائمة الرئيسية

الصفحات

جاري تحميل التدوينات...

47 - جذور ثقافية "سيرة ذاتية" يكتبها: يحيى محمد سمونة

47 - جذور ثقافية "سيرة ذاتية"
يكتبها: يحيى محمد سمونة
حزمت حقيبتي وشرعت في طريق عودتي نحو الفوج وأنا أستشيط غضبا وتنتابني انفعالات لست بقادر على وصفها وترجمتها.
الطريق من المقر في قمة الجبل هبوطا نحو طريق عام دمشق ـ درعا  تستغرق ما يقرب من مسيرة ساعتين، بل تزيد قليلا، فالأرض وعرة غير ممهدة ولا هي مطروقة قبل وقوامها صخر وشوك وعقارب وضباب وسحال وغير ذلك من فصيلة الحيوانات الوحشية أيضا!
كانت الساعة ـ حين شرعت في طريق عودتي ـ قد تخطت الخامسة بقليل في يوم صيفي من شهر حزيران، ولم يكن ثمة شيء يؤنس وحشتي في ذاك المسير سوى بضعة أفكار عنيفة متمردة ثثشبث بعقلي وتصرف انتباهي عن وخزات شوك كانت تجرحني وتدميني دون أن أنتبه إليها !
 وأحمد الله تعالى أنني وصلت الطريق العام قبيل المغرب بقليل وحالتي يرثى لها ! فمن يراني يظن أنني مستحاثة قد خرجت لتوها من قبر ! فشعر رأسي أشعث، ولحيتي سوداء مغبرة، و ملابسي قد علتها الأتربة، و هي تكاد تكون ممزقة... آه يالسوء حالي!
 وقفت على الطريق أنتظر إحدى الحافلات تقلني من هذا المكان الموحش المقفر إلى دمشق، لكنه ما من شيء يشير إلى وجود أمل في ذلك، إذ ما من حافلة صغيرة أو كبيرة تريد الوقوف لتحملني، فالطريق طويلة ممتدة تمر به الحافلات مر السحاب ولا تكترث بوجوي، بل ربما لم يكن ليخطر ببال سائق وجود شخص في هذا المكان الذي خلا تماما من بناء و سكان، بل ربما لم تكن المسافة لحظة مشاهدة السائق إياي لتسمح له بالتوقف الفجائي!!
 يا إلهي ها هي العتمة بدأت تتغشى المكان، و قد غدوت على خوف و قلق و توتر و يأس ! و ليس بمقدوري فعل شيء إزاء الحالة التي أمسيت عليها، إذ يستحيل علي أن أعود إلى المقر، كما و أنه ليس ثمة مكان آمن ها هنا آوي إليه! ... بدأت أتمتم بما أحفظ من آيات كريمات وأدعية أسأل الله تعالى بها فرجا لما أنا فيه
 وما زلت على هذه الحال و أنا أشير إلى أية سيارة عابرة حتى جاء الفرج و تباطأت مركبة طويلة [براد] مؤذنة بوقوف ... و قد تعثرت قدماي و أنا أركض للصعود إليها! حتى إذا استويت إلى جانب السائق و كانت أنفاسي تتلاحق و تتقطع، ألقيت عليه تحيتي وامتناني لحسن مبادرته بالتوقف لحملي، فكان أن رد التحية بعبارات مفعمة بكريم أخلاق و ودادة جعلتني أغتبط و أغبط نفسي أن ساق الله إلي هذا الرجل على ما هو عليه من فهم و لباقة ...
 شكرت الرجل على حسن صنيعه إذ توقف لحملي في مكان يكاد يكون مريبا و في محل شك بوجود شخص فيه
 رد علي الرجل بكلمات هدأت من روعي و قال بأنه من الأردن و أنه الآن في طريقه إلى صحنايا لتفريغ حمله من خضار، وأن بإمكاني النزول عند مفرق يصل إليه [باص] الميدان، و منه أغدو في قلب العاصمة
 و كان الرجل أبدى دهشته من تواجدي في هكذا مكان؟!.. وحين عرف قصتي كان قد أبدى استغرابه بوجود ملتح بين أفراد الجيش السوري! فأكدت له وجود حالات نادرة جدا من هذا القبيل، و أنني من هذه الندرة، و أنني أعاني ضغوطا جراء ذلك ... ثم لم ألبث أن حولت مجرى الحديث لأسأله عما دعاه إلى انتشالي من هذا المكان؟ فتبسم و قال: تلك هي المروءة التي نشأ عليها العرب الأقحاح، لكن الذين نراهم اليوم قد خلت منهم القيم العربية الأصيلة...
 هنا كنا قد وصلنا مفرق صحنايا فتوقف الرجل و دلني على مكان توقف باص الميدان .. شكرته و شكرت شعب الأردن لما هو عليه من كريم أخلاق
ــ يحيى محمد سمونة.حلب ــ

تعليقات

التنقل السريع