القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

بطل بلا تذكرة / القاص الاستاذ عبد القادر صيد / بسكرة - الجزائر

بطل بلا تذكرة
     فُتح الستار عن ثلاثة ممثلين ،فتبجحت هستريا التصفيق كعربون اعتراف قبل إثبات الجدارة في التمثيل، تماما مثلما دفعوا أجر المقعد قبل التمتع بالعرض، تبدأ المسرحية رتيبة و موحشة،كأنما تدخل دارا غريبة طويلة الرواق عليك لأول مرة،ثم يظهر البطل ، فتتزلزل القاعة بالترحيب و الهتاف و التصفير ، يأخذ الموقف وقتا لا بأس به ،فالذين اقتنوا التذكرة يريدون أن تكون مقدمة التأليف من نصيبهم ، ثم جاء الذي ليس منه بدّ و هو الانغماس في الدور ، و ما هي إلا دقيقتان أو ثلاثة ، حتى خرج البطل في سياق التمثيلية عن المشهد وراء الكواليس ، فاصطدم بلوحة خشبية ، فتكسرت رجله ، و لم يعد بإمكانه إكمال دوره ، ثارت ثائرة المخرج ، و انسدت الدنيا أمامه ، فهذا أول عرض في الموسم الجديد، و القاعة مكتظة بالجمهور ، أضف إلى أن التلفزيون يبث هذا الحدث الفني على المباشر، عزاؤه الوحيد أن المتفرجين لم يصلهم خبر الحادثة ،سمع وتوتات تنصح بتأجيل العرض ،صاح غاضبا :
ـ لا ليس هناك مجال للتأجيل ..
ـ ليس لديك حل آخر ..
ـ أريد بديلا في الفور ..
ـ هذا مستحيل ..بل هو الجنون بعينه ..
ـ نفّذ ما قلته لك ..
ـ الممثلون يرفضون أن يكونوا احتياطيين ..
ـ لكن الجمهور لا يرفض ..أقول لك شيئا تعلم مني .
يصعد إلى المنصة ،ثم يرتجل باقتدار :
ـ تحياتي إليكم جميعا ، يشرفني أن أقدم نفسي إليكم.. أنا المخرج ..
يقاطعون كلامه بالصفيق ، فينحني أمامهم، ثم يكمل :
ـ جمهوري العزيز .. أنت البطل .. أنت من تكتب المواضيع .. أنت الملهم .. ما يقدم هو منك و إليك ، لذلك اتبعنا الأسلوب التشاركي الجديد المعتمد في الدول المتقدمة ، سيتطوع أحدكم لإكمال دور البطل ..
على إثر هذه الكلمات وجم الجميع ، فهم لأول مرة ينتدبون إلى المشاركة في إعداد طبخة ، لقد تعودوا أن يُدعوا إلى الوليمة جاهزة ثم ينصرفون ، لم يتقدم أحد ، أحجم الجميع ،منهم من بسبب الخوف ،و الآخر بسبب الخجل، و فريق لا بأس به بسبب الجهل و العجز ، أجال المخرج نظره في وجوههم ، فطأطأ الكثيرون رؤوسهم حتى لا يتعرضوا للحرج ، و للدعوة للصعود ثم للمساءلة في حالة الرفض الذي هو أكيد ، بدا المخرج متقمصا صفة البطل في حركاته المتبخترة فوق الركح ، يصول و يجول ، و النقاد الحاضرون مندهشون مما يجري ،يعدّون هذا مشهدا ناجحا للغاية، إلى أن وقعت عين المخرج على شخص،فأحس الجالس أنه قد قُنص، ارتبك ، كاد يفر من مكانه ، نزل المخرج من الركح ،وصل إليه ، و وضع يده على كتفه المرتجفة قائلا:
ـ لن نجد أحسن من هذا الرجل الفاضل لكي يكمل المسرحية ، و لدينا الملقن المختبئ الذي سيساعده، تفضل سيدي ، و ستأخذ أجرك عن التمثيل مثل البطل تماما ، هذا محفز أليس كذلك ؟
صفق الحشود ، و هتفت بحياة ذلك الخائف لكي يتقدم و يؤدي الدور،جرعات قوية من الشجاعة تنفثها صيحاتهم ، نهض و رجلاه لا تكاد تحملانه .. بدأ يتجرأ شيئا فشيئا ، و فهم دوره عموما،بإمكانه الارتجال سيدغدغ أسماع الحاضرين كما تفعل محاولات الرضيع للنطق ، جاء أداؤه في صورة غير صالحة للتقييم ، فالجو الانفعالي الجديد الذي يعصف بالجميع أظهر بأنه أدى دوره أحسن من البطل ذاته ، لا شيء غير التصفيقات ، و لاسيما عندما يتلعثم،يكملون المقطع بصراخهم ، كأن كل واحد منهم يشجع نفسه و ليس هذا الغريب الماثل أمامهم والذي رمته الأقدار في هذه الزاوية من الأنظار .لم تنته المسرحية كيفما اتفق ،بل سارت بصورة بديعة أعجبت أول ما أعجبت النقاد قبل غيرهم ،فقد رأوا فيها إبداعا و أسلوبا جديدا في المسرح لا يكتفى بإشراك الجمهور ، بل يتعداه إلى جعله البطل ، و بصورة تلقائية ، مفاجئة ، و بحركية خلّاقة .
بعد انتهاء التمثيل تنفس البديل الصعداء ، و هدأت أعصابه، لا لأنه أدى المهمة على أحسن وجه ، ولا لأنه تحصل على مبلغ عظيم و شهرة كبيرة ،ولكن لأنه دخل المسرح خفية و لم يسدد ثمن التذكرة ، و هو سبب ارتباكه عندما وقع عليه الاختيار .
عبد القادر صيد 
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏يبتسم‏، و‏‏بدلة‏‏‏‏