بمناسبة ذكرى حرب اكتوبر
خريطة نصر
بلغني أيها الطفل السعيد..ذو العمر الطويل ..أن نصر شاهد من شباك بيته ..الفضاء واسع .. والطيور تطير حزينة بين أغصان الشجر ..من بين الفضاء الواسع يمتد طريق اسفلتى ..كان نصر يقول عليه طريق العبور ..كان الطريق ينتهي إلى سيناء ..التي أحبها كثيرا ..جاء إلى هذا المكان مع أبيه مهندس البترول ..لكن الحرب التي لم يحبها ..والجنود الإسرائيليين الذين هاجموا بيته ..ودمروا كل أشيائه ..البوم الصور ..ملابس أبيه.. صورة أمه ..كتب المدرسة ..علبة الطباشير ،التي رسم بها خريطة لمصر ..كانت سبورته لا تخلو من رسم ..أحبه الأطفال في المدرسة ..وأحبه مدرس التاريخ ..لكن الجندي الأسرائيلى ..غضب عندما شاهد خريطة مصر على السبورة ..وسأل :
- مين ده اللى رسمها .
هز نص رأسه بفرح وقال بصوت عالي :
- أنا .
فهجم الجندي على السبورة وأقتلعها من مكانها ..وقذف بها إلى الأرض ..وبسرعة وضع قدمه عليها ..وضغط بقوة ..فكادت شبه جزيرة سيناء أن تختفي ..غضب نصر أشد الغضب لأن الجندي مزق الخريطة ..وجعل سيناء تختفي عن باقي الخريطة ..نظر حوله فوجد بنادق موجه إليه ..وجنودا إسرائيليين يعبثون حول في كل مكان حتى أصبحت كل أشياءه على الأرض ..علبة الطباشير تتراقص حوله ..صباع طباشير أبيض يلامس حذاءه ، رفعه نصر ..وجرى بكل قوه..دفع في طريقه الجندي الأسرائيلى الذي حاول أن يمسك به ..في الخارج شاهد الإسفلت الطويل ممتد إلى أخر المدى ..رفع نصر صابع الطباشير في وجه العربات الإسرائيلية ..كأنه يحمل مدفعا ..ورسم على صدر الإسفلت خطوطا وخطوطا ..أماكن ، وبيوتا ، ناسا طيبين ..رسم ورسم خريطة لمصر ..لكن العربات الاسرئيلية تحركت ..عندما شاهدت
الرسم على أسفلت الطريق ..ودخلت شبه جزيرة سيناء كما رسمها نصر ..غضب نصر من جديد ،وحاول أن يمنع العربات من دخول خريطته ..هبط جندي اسرائيلى من أحدى العربات رفع قدمه وهبط بها ..على شبه جزيرة سيناء كما رسمها نصر فكادت أن تختفي ..أقترب الجندي من وجه نصر وقال :
- مش كده ..الخريطة أحسن .
وضحك ضحكة عالية ..فطارت الطيور وجرت الوحوش وأهتز الشجر ..تحركت السيارة ودخلت من جديد شبه جزيرة سيناء ، كما رسمها نصر ..غضب نصر وأحمر وجه ..وأحس أن العربات دخلت قلبه ..من جديد رفع صباع الطباشير فى وجه العلم الأسرائيلى ، الذي رفرف على سيناء من جديد رسم ورسم خريطة لمصر ..بدون جنود إسرائيليين ..بدون عربات ..بدون علم ..من جديد أحس نصر بالغضب ..حين هبط الليل من حصانه ..وتدحرج على الأرض ..فشاهد خريطة مص على الإسفلت ..دار حولها فكادت أن تختفي ..بينما القمر يحاول أن يرسل أشعته الفضية إلى قلب مصر ..دخل نصر بيته وهو يشعر بالحزن قال لامه :
- أمتى يطلع النهار .
ابتسمت أمه وقالت :
- لم ترقص سيناء .
دخل نصر حجرة نومه وهو يقول لنفسه :
- سوف ارسم سيناء بألف لون .
جرى الى سريره .. وقبل أن ينام أطل من شباك بيته فشاهد القمر يبتسم ..فأبتسم لكل الناس الطيبين في خريطته :
- تصبحوا على خير .
طلع النهار ..وهبط نصر من سريره ..فرأى الليل يحمل لونه الأسود ويذهب ..جرى إلى الحمام .. غسل وجه ..نظف أسنانه ..رتب سريرة ..ودع أمه ..وقبل يدها ..وقبل أن يخرج نظر الى النتيجة المعلقة بجانب الباب .. فشاهد النتيجة ، ترفع يدها اليمنى بورقة جديدة ، كتبت عليها 6 أكتوبر ..أبتسم نصر إلى اليوم الجديد ..في الخارج فرد أسفلت الطريق صدره ..عندما شاهد نصر يحمل علبة الطباشير ..جلست الطيور حوله ..والوحوش والأشجار ..جلس نصر ، ورسم من جديد مصر بألف لون ولون ..أحس نصر بالفرحة فدار بعينيه فوجد المكان يغلفه الصمت ..كل الطيور تجلس صامته ، والوحوش أيضا ، والأشجار سكنت ..حتى الحصى انتبه إلى الصمت فسكت عن الحركة ..تعجب نصر غاية العجب ..وشاهد الجنود الإسرائيليين يخرجون من شبه جزيرة سيناء ، وينامون على الرمل بينما الشمس المصرية تقلبهم ذات اليمين وذات اليسار ..جاءت أم نصر من ناحية البيت وقالت لنصر :
- الأكل جاهز .
أشار لها نصر بكل أدب أنه سوف ياتى .
رسمت أمه على وجهها ابتسامة كبيرة ..ودخلت البيت ..لحظة صمت ..سمع فيها الفضاء صوت أم نصر يغلف ..فطارت الطيور داخل خريطة نصر ..تحمل بين مناقيرها الحصى ..كانت تطير بسرعة ، ثم تعود من جديد تحمل الحصى ..لتضرب الجنود الإسرائيليين ..الذين جروا ودخلوا شبه جزيرة سيناء ، فجرت الطيور ورائهم ..أما الوحوش فقد ركبت الأشجار التي نامت على الأرض بعد أن تركت جذوعها ، وأسرعت تحمل الوحوش إلى شط القنال ..ركبت الوحوش ظهور الأشجار وهى تنادى بكل قوة ( الله اكبر ) كانت الأشجار تطير بهم ، وهم يفتحون في الماء إلف طريق للنصر ..دخلت الوحوش والطيور خريطة نصر..كما دخل النهار الجديد معهم ..كانت الخريطة تهتز من الفرحة الجديدة ..فرح نصر كأنه لم يفرح من قبل ..بحث عن الجنود الاسرائليين فلم يجد لهم أثرا ..كانوا يخرجون من كل جزء فيها ..وهم يحملون اللون الأسود والليل الأسود..كان نصر يرسم من جديد نهارا جديدا .. خريطة جديدة .. وأطفال مصر جاءوا من كل مكان ، يحملون أصابع الطباشير يسدون بها فتحات خروج الجنود الاسرائيليين ..عادت الطيور الى مكانه سالمة ..وعادت الوحوش تنعم بالنصر والفرحة ..وعادت الأشجار إلى مكانها بعد أن ساعدت الوحوش في النصر ..عادت الدنيا كما كانت عليه ..وعاد نصر من جديد يرسم خريطة لمصر ..أتسع المكان ، وأصبح جميلا ..لكن العربات عادت من جديد تحمل جنودا ببنادق ..أنقبض قلب نصر وأمسك من جديد صباع الطباشير ..وجرى به .. وكاد أن يسقط على الأرض ..لكن جندي مصريا بوجه باسم هبط من العربة وجرى بسرعة .. واحتضن نصر ودار به ليشاهد الجنود المصريين ..وهم يدخلون سيناء ..كان نصر على كتف الجندي المصري يرقص .. وهو يرفع صباع الطباشير ..من جديد عاد نصر يرسم مصر بدون جنود إسرائيليين ..من جديد أحس بالفرح ..وضرب كف بكف فتناثرت من كفيه ألف وردة ووردة طباشيرية زينت الخريطة الجديدة ..هنا صرخ نصر من الفرحة وقال :
- دلوقتى طلع النهار .
بقلم القاص / محمد الليثى محمد
أسوان
قد يعجبك ايضا
