القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

اقتل الشيطان(قصة قصيرة) للمبدع: فؤاد حسن محمد -سوريا- جبلة


اقتل الشيطان(قصة قصيرة)

بدأ الأمر في الظهيرة ، كان الشارع يعج بالحركة ، والناس تمشي وتتداخل مع الشوارع المتصلة بدون حدود ، عندما ظهرت شاحنة محملة باربعة براميل بلاستيكية زرقاء، توقفت عند إشارة المرور دقيقة ، تم انسلت فوق الإسفلت دون أن تثير انتباه المارة ، وهذا بحد ذاته مخالف كل مقياس ، كان على أحد المارة او الشرطة أن يشك من خلال منطق المدينة المستهدفة، لكن الكل بقي في موقعه ، أغلق النوافذ واسدل الستائر على ذاته ، راجين من الله أن تنأى عنهم المصائب ، ياللذة في ايقاعات الغباء ، تنسل في أجسادنا كالافيون ، إن كل شئ بقدر ولا داعي للمزيد من التامل والتفكير .
سائق السيارة قطع الشارع تلو الشارع وهو يغني ( حورية في الجنة .. حورية في الجنة ) ، كان مبتهجاً وهو يغني ، أساريره منبسطة ، وأعصابه هادئة ، تعابير وجههه لاتنم عن عداء ، لكن فيها شئ من التصميم لتحقييق هدف ما ،هذا عمل من أجل الله ، أزف الوقت ، الوقت الحقيقي ، الأوان الأوحد ، وقت السلام ، والقفز في قلب الجنة ،حيث الحوريات ، الأبكار والناعمات ، قالت له وقد كشفت له عن ثدييها : ( هل تمتلك أمك مثلهما )بلع ريقه ، هالة حول الثدي تلسع ثعابين جسده بالشهوة ، لافرق عنده أن يذهب إلى الجنة أو جهنم ،المهم أن ينال منها مأربه ، ياللذة من ايقاعات الراحة المقتربة ، تنسل عبر باب سحري الى العالم الأبدي ، هناك زمن الاتساع ، حوريات وفاكهة وانهار من لبن وعسل وخمر ، ومنازل وقارات عظيمة ، أشياء ليست كالأشياء ، خلقها الله من أجلنا ، تشكل عالماً لا تقاوم جاذبيته .
والأن وإلى هنا رفعت شعرها بيدها ،وزلقت الأخرى على مهل إلى تحت السرة وأشارت له بسبابتها ،وهي ترميه بصوت ساحر تدحرج من سماوات زرقاء داخل طقس الفتنة :
-حين تعود ...سأكون لك .
سقط عميقاً في تلك الحالة ، حيث بدا مريضاً تتراقص في عينيه حوريات إنسية ، تدور حوله كالنجوم .
- هل أنت سعيد !!!
الكل في هذه الكلمة الواحدة يرعد دمه في شبكة معقدة من تموجات تشد الأعصاب ،فأطرق كتفيه وأكتشف أنه يسحب بيده كل البلاد بسلاسل من الدماء .
- نعم أنا سعيد !!!!
ليس في وسع أحد ،إلى يومنا هذا أن يعرف ماالذي فعلته به فتسبب في قبوله أن يكون هكذا ، غير أنها فعلت شيئاً ، وقد تكون طريقة بدائية للحصول على أنثى . توقفت السيارة مابين الكنيسة الإنجيلية ، ومدرسة خالد بن الوليد الابتدائية ، إنها الساعة الوحدة بعد الظهر ، توقيت خروج الطلاب الأطفال من المدرسة ، وبعد دقيقتين بدأ الاطفال يتدافعون أمام الباب مستعجلين العودة إلى البيت ،ندور في رؤسهم أحلام طفولية .. الاكل .. مشاهدة افلام كرتون ... في تلك اللحظه ضغط بإصبعه على زر التفجير ،فاهتزت الأرض ودوم في السماء صوت انفجار هائل ، واندلعت النيران في الشاحنة ، وارتفع دخان أسود غطى سماء المكان ،ركض الناس في كل الاتجاهات ، من نجا اعتراه الخوف والحبور إنه مازال حي ، البعض هرب شاكراْ الله ، والبعض عاد لينقذ الجرحى ويلملم ماتبقى من لحوم الشهداء .
عنما اقتربوا من مكان الإنفجار كان المشهد مروعاْ ، وكأن الله اختصر الدهر كله في يوم واحد ، النيران مازالت مندلعة في الشاحنة وقد بصقت زجاجها ، وكان الحاجب الزجاجي مازال ينصهر ، وأصبحت السيارة هيكلاْ قفصياْ .
كان الدم الطاهر يسيل على الإسفلت احمراً نقياً ، وقد اختلط بأشلاء الضحايا ، وسواء كانت قطعة اللحم هذه لعلي او عمر اوجورج ، غير مهم ، وماذا يهم اذا كانت الفاجعة التي حلت بهم واحدة ، لقد غادروا هذا العالم المحبوب بنوع من الرعب المقدس .
فتح عينيه ببطئ مسرورا مما سيواجهه ، وجد نفسه جثة متفحمة وراء المقود ، لم تكن في جواره ،ملأه التعب وكثير من اليأس ، انتظر السائق الملكان كثيرا أن يأتيا ولم يفعلا ....تأخرا كثيرا ،تذكر تلك المرأة الحورية كيف كانت وكم هي جميلة ،مد يده إلى جيبه أراد أن يخرج صورتها ،لم يجدها ربما سقطت على الأرض ، والتقطها بعض الشباب لينظروا إليها بشهوة ، يالهذا الجنون المخنث الكافر مازال يوهم نفسه بأنه حي ،فراح يصرخ بين الأموات :
- أنا لم أمت ...أنا حي !!!!!
انحني وجمع أطراف أصابع يديه محاولا انتزاع الصورة من الشبان الثلاثة ،إذا لم تمت روحه فمن الصائب أن لانولي اهتماما لتفحم جثته ،أحد الحاضرين انتبه كان يصرخ بهستريا :
- أقتلو الشيطان ...الشيطان لم يمت ...اقتلوه قبل أن يحول الارض الى جهنم
هذا ما رأه الشاهد بأم عينه ، رأى سائق الشاحنة بهيئة شيطان ، شكله الدميم والقبيح أوقع الرعب في قلبه ، فارتعش جسده من أسفل قدميه حتى أعلى رأسه ، وسرعان ما أحس بالدوار ، فأخذ المكان بأهله ومبانيه وسيارته يدور أمام عينيه ، وتراخت عضلات ساقيه ، سمع بعدها أصوات صفير ثم فقد توازنه وسقط على الأرض .
اثناء سقوطه وقبل أن يغادره عقله في رحلة طويلة ، رأى ثلاثة انتفاخات تتورم في جسد السائق ، وتتحول تدريجيا إلى ثلاثة شبان مسوخ ،ركعوا عند قدمي السائق الشيطان ، ثم غادروه وهم يغنون حورية في الجنة....حورية في الجنة


فؤاد حسن محمد -سوريا- جبلة