القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

رواية طويلة :“ لو أن شيئا يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول ؟ الجزء الرابع- فتحى عبد العزيز محمد أمدرمان – الموردة


رواية طويلة :

أمنتغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوا
أوكرنك " الخال مجيد ساتي كمندجــــــــو " ..
“ لو أن شيئا يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول ؟” فرجينيا وولف
الجزء الرابع :
-6-
على الرغم من كل حالات التشرزم والضياع والانصرافية المحضة , الماثلة والتى يعيشونها وفراق ذات البين بينهم , كان هناك وفى جوانب أخرى مختلفة وبعيدة بعض الشيئ وغير منظورة للكافة , نفر قليل وعزيز من الصحاب وندماء الامس القريب القدامة سواء فى الوسط الامدرمانى الرياضى أو الاجتماعى أو المهنى , يلتقون دوما وعلى أستيحاء وكلما سمحت الظروف وفى بعض الاحيان لماما بحميمية وبنشاط وحماس يحسدون علية , فيجتمعون كعادتهم وفى كل يوم وليلة فى مكانهم الموعود دائما , والمعروف للكل والذى لا يخلفونة أبدا الا لعذرا مشروع أولظرف طارئ , وهو بالتحديد هذة المرة فى كرنك الوجيهة " الخال مجيد " الجديد المتواضع , بل وفى آحايين كثيرة أمام باب ساحتة الرحبة والمشرعة والتى قد تضيق بهم فى أغلب الاحآيين , وخصوصا أيام الجمع والعطلات وهو فوق كل ذلك يعد الان وبالنسبة لهم جميعا بمثابة الاب الروحى والرمز المقاوم والمصادم , ولكن بصورة سلمية أوغرت علية بعد ذلك حفيظة السلطات نفسها , فالكل هنا يأتمرون بامره ويتجنبون محازرة وفى كافة تقريبا مناحى حياتهم المحضة الاخرى , متى ما كانوا ضيوفاء أعزاء عند حضرتة أو تحت رعايتة ووعية وكنف كرمة الفياض , ليصبح بالتالى كرنكة الشهير وفى نظرهم أكثر من نادى أجتماعى وثقافى وترفيهى يأويهم , ويضمهم جميعا فى عضوية خصوصية كأصدقاء خلص وندما كمل وبعيدا من أعين الفضولين , بل كانوا بالفعل عشاق للكفر والوتر أين ما كان .. وأين ما وجد , وبنزعة تكاد تكون أقرب الى فلسفة المتصوفة والعلاقة بين المريد وحوارية الطائعين مختارين لكل سكناتة وحركاتة , وفى حميمية لاتصدق بل يحسدون عليها وخصوصا وبعد التضيق الاخير علية هو بالذات , وزجة فى غياهب السجون ولعدة مرات ومرات وما أحدثة ذلك من زيادة مضطردة وفعلية فى أعداد زوارة وحوارية وأتباعة , بل وأنفضاض وأختفاء كل أصدقاءة وندماءة القدامة المعروفين كلهم وفجاءة من حولة , وفى غمضة عين ليس الا والذين أفاض عليهم وهو وفى قمة السلطة والهيلمان , بكريم وجزيل عطاءة وأنعامة بل وطوقهم لازقانهم بفضلة وبكرمة الحاتمى العميم , والمشهود والمشهور بة عادة والذى لاينكرة الا جاحد والذين لم يكونوا يستطيعون أبدا فراقة ولو لسويعات معدودة , وهاهم الان جميعهم ويا لسخريات القدر يغادرونة والى غير رجعة واحدا واحد وبعيدا عنة الا من رحم ربى وهم قلة , كما أن بعضهم بداء يتهرب بأختلاق أعزارا وأهية وساذجة ولا تنطلئ على أى أحد كان , بل والمخزى حقا الان بأن بعض من كان يعرفهم ويصادفهم فى طريقة يبخلون علية حتى برد السلام , أو يقومون عنوة ومزعورين بتغير مسارهم لاتجاة أخر مضاد ومختلف بعيدا من طريقة تماما , لخشيتهم من تعقب السلطات لهم بالمسالة والجرجرة بعد ذلك لعنادة الواضح ومقاومتة ومعارضتة السياسية الشرسة للنظام , وكأنهم لم يعرفونة قبلها أبدا بل ومن الغرابة بمكان بأن بعضا من بطون أهلة الكثر , يعتبرونة من غلاة العصأة والمارقين والذين لايأتى من وراء ظهورهم سواء المحن والنكبات , الا شقيقتة الكبرى " أمينة " والتى كانت تأتى دائما لزيارتة هى زوجها " ضياء على " وأبناءها الصغار فى بعض الاحآيين والمناسبات , والذين مازالوا على ما يبدوا يكنون لة كل التقدير والاحترام ولم ينسوة أبدا وهو فى محنتة الكبرى هذة , ولحسن صنيعة معهم وأهتمامة بهم وفى سابق العهد والاوان , أما زوجتة الصحفية الشهيرة " أمانى حامد " فقد أنفصلت عنة مباشرة بعد المحاصصة الاخيرة , بين أصدقاء الامس وأعداء اليوم وأنحازت بدورها لغرماءه المنشقين الآخرين والذين يطلقون على أنفسهم بالحركة الاصلاحية مجازا , وكأفؤها على ذلك بتمويل صحيفتها الكسيحة ومن بنوكهم ألخاصة وتجديدها بالكامل , بل وتحويلها بين يوم وليلة لاكبر ثانى صحيفة بالبلاد وأدارت لة بعد ذلك بالطبع ظهرالمجن , وتنكرت لكل جمائلة معها وبالكأمل ولم تعد تسأل عنى بالمرة وهو فى محنتة القاسية تلك , أما أبناءة منها فقد كانوا بالطبع على النقيض من موقف أمهم فأبنتة الكبرى " لينا " , تخرجت منذ سنوات فى كلية الطب وتعمل مع زوجها بولاية فرجينيا الامريكية , أما أبنة الاصغر والوحيد " مغيرة " فقد أكمل دراساتة العليا فى هندسة المحركات ويعمل الان بشركة جنرال موتورز , بمدينة " سياتل " عند الحدود الكندية وهم على أتصال فعلى ودائم معة تلفونيا , ويقومون بأنتظام وبكل ميمونية بأرسال كافة الادوية التى يحتاجها ومستلزماتة الضرورية الاخرى , كما أنهم لا ينسونة من بعض التحويلات المالية لتغطية كل طارئ وبشكل عاجل وسريع .
وهو وعلى الرغم من أحالتة بالاحرى للتقاعد الاجبارى وبمعاش مقطوع شهريا , ليس أستثنائيا وأنما معاش عادى جدا ككل العاملين الاخرين , والذى لايكاد حقيقة ومع قلتة أن يسد رمق العيش لا فى قليل أو كثير ونكاية بالطبع بة , وحتى يخضع ويستسلم لارادتهم أو يتركوة هكذا ليقضئ نحبة وبطرف خفى بالفأقة والعوز والمرض , بل ومنعة خطيا من أمتهان مهنة المحأماة أو التدريس بالذات والذى يستهوية ومنذ الصغر , وذلك عندما عمل سابقا ولفترة قصيرة أستاذا لمادة اللغة الانجليزية بمدارس الدوش والمعرفة , بل وركلة بعيدا حتى من وسط أمدرمان العاصمة الوطنية القديمة نفسها مجبورا , وليصبح بصريح العبارة محدود الاقامة وبالسكن العشوائى وبعيدا من حركة النضال والكفاح المتصاعدة , وبالاحرى فى مكان ما منفيا غرب حارات امدرمان القديمة أو ما يعرف لاحقا بالمسح الاجتماعى , ثم بعد ذلك وأخيرا جدا بحى الراشدين .
-7-
أما مربط الفرس الان هو تحول كرنكة الوحيد والمعزول والمتواضع , وبتحايلة وقدرتة المدهشة على التخفى من وكر مهجور ومنسى الى أكثر من نادى , وتجمع أجتماعى وثقافى وترفيهى واسع ومرهوب الجانب , يضم وعلى أستحياء جمع من المعارضين المعروفين للسلطات أو الجدد الغير معروفين , والمفصولين من الخدمة للصالح العام من جميع الفئات أطباء مهندسين مدراء والكثير من المهنيين والعمال الكادحين , والذين أخلصوا على ما يبدوا فى توقيرهم وأحترامهم لتضحياتة الجسام ومواقفة المعروفة , والواضحة والصلبة وألمنحازة دائما لقضاياهم الملحة وذلك بتبنية لكل قضاياهم المصيرية , بالنصح والمشورة القانونية بلا مقابل مادى أو أتعاب ولهذا فأنهم بادلوة الاحترم بالاحترام والود بالود والوفاء بالوفاء , أما الشيئ المحير حقا فأننى لا أدرى كيف قذفت بى الاقدار والظروف , ذاك العصير لاكون أنا الاخر أحد أصدقاءة الجدد وندماءة الخلص , ومن بعد ذلك من أشهر رواد كرنكة المثير فعلا للجدل .
كان ذلك ولعجبى ذات يوما عاديا جدا كنت قادما من سوق ليبيا , وأنا فى طريقى الى " حى أبوكدوك " ومنها لميدان أبوعنجة حيث كنت أسكن يومها مستأجرا بالقرب من شارع الفيل شمال , فتعطلت بى فجاءة سيارتى " السهان بيرد " الكورية وبالقرب من لفت السبيل ومسجد الرحمن الحالى , وبأتجاة الفضاء الذى يفصلهم عن مستشفى أبوعنجة بقليل , ولم يكن هناك منزل واحد مسكون وفى كل تلك الاصقاع سواء منزل الاسطة " عبدة تية " , والذى وصفوة لى العاملين بمزرعة الابقار والتى ظهرت ذات يوما ما وفجاءة فى تلك الانحاء وبوضع اليد من أحدى , المستثمرين الاوائل الوجهاء ومؤسس وصاحب خلاوى القران الكريم بمسجد الرحمن الان , الشيخ جلال عثمان رحمة اللة علية حيث قام العاملين هناك يومها مشكورين بأستدعاء الاسطى "عبدة "كميكانيكى حازق ,ووحيد ومعروف للكافة فى تلك الجهات والذى تتحوط منزلة الكثير من العربات المعطوبة , فأوضح لى معتزرا بأنة سمكرى عربات ولا يفهم كثيرا بالميكانيكا وهناك دائما خلط كبير بين الناس فى ذلك , بل وفجاءة ولا أدرى من أين ظهر " حسن كتائب " شخصيا لاعب أشبال المريخ السابق وسمسار الاراضى الشهير بتلك الجهات , بل وعندما رانى وقف مبهوتا فهو لا يصدق هذة المفارقة والمفاجئة المزهلة لى ولة , فهو خالى لامى وعمى لابى لزم ولطالما دعانى لزيارتهم فى تلك المنطقة وشراء وحجز قطعة أرض رخيصة , لاستثمرها فى المستقبل البعيد بل ولم تسمح لى الظروف بمثل هذة الزيارة الا وأن أجد نفسى الان وفى هذا الموقف العصيب , ووجها لوجة أمامة وفى زيارتة وبالصدفة وحدها , فهو يسكن بمحطة " حنان " فى السبيل وما جاء فى هذا اليوم بالذات هو الآخر الا عابر طريق لاغير , بل كانت هذة من محاسن الصدف بالنسبة لى بعد ذلك حيث ساقنى بارجلى لذاك الكرنك الكبير , والمشيد فى شكل غرفة وحيدة فى كل ذاك الفضاء المترامى والغير مسكون , وليقوم بعدها بأعطائى نبذة تعريفية مختصرة جدا لمالكة ونحن نقطع المسافة قائلا :
ـ " بأن صاحب هذا الكرنك الغريب والوحيد محامى معروف .. , أنت لربما لاتعرفة فهو شخصية طريفة وسياسى متيرة للجدل ورجل حبوب وأخوا أخوان حقيقى .. " وليضيف لى مواصلا :
ـ " بل وأن القاطنين هنا ولاحترامهم العميق وتقديرا لة .. , يطلوقون علية هنا وبشعرة الكثيف الاشيب وبشأربة الكث الغزيزة بـ " الخال مجيد ".. , وهو الوحيد الذى يملك عربة سهان بيرد فى هذا الخلاء وممكن صراحة كدا .. يساعدنا " , بالطبع وجدناة وشلة من أصدقاءة فى ذاك العصير مشغولين بلعب الورق وتناول الشاى , وما أن شعروا بقدومنا اليهم كضيوف غرباء وضعوا كل ما بايديهم من ورق لعب وأكواب شاى وهبوا للسلام علينا هاشين باشين , وعندما علموا بتعطل عربتى على الطريق الرئيسى والقريب منهم والغير مرصوف , والعربة نفسها والتى يمكن لمحها من هنا بسهولة وبلونها اللبنى الفاتح المميز , حتى هبوا كلهم وبكامل أدواتهم ومعداتهم الميكانيكية الطارئية لاكتشاف الخلل وأصلاحة لنا وفى ثوان معدودة , فسألنى أولا قائلا :
ـ ما هى مشكلة تعطلها .. بالضبط ؟؟ .. ثم متسألا ومستفهما مرة أخرى :
ـ قطعت بنزين ..ولا شنو..؟ لارد علية قائلا :
ـ لا أبدا يا أستاذنا الجليل .. بها أكثر من أربعة جوالين .. بس محركها لم يدور معى .. حتى السيرفس لايعمل بتاتا , ليقول لى مبتسما وفى ثقة مفرطة :
ـ مش " السهان بيرد " الكورية دى .., أسالنى أنا منها بتعرفنى ..وبعرفها وزى جوع بطنا ..
ـ بس .. أسع دايرك أسالك يا شيخنا .. الموديل الجديد دا .. فيوزوا وين ..
ـ المشكلة يا جماعة كلها .. على كدا وما دام هى جديدة .. حتكون تغير فيوز.. وبس .. أسالونى أنا .. " , وفعلا ما أن قام بتنظيف وتغير بعض الفيوزات ولف بعضهم بورق قصتيرالسجائر , وأدار السوتش حتى أشتعل المحرك وتحركت العربة سريعا وفى الحال , بل ومن تلك اللحظة وذاك التاريخ البعيد وأصبحت صديقا لهم , وعضوا دائما معهم ويوميا ولا يبعدنى عنهم الا ظروف العمل الطارئية بالصحيفة أو السفر لمامورية لبورسودان أوخارج العاصمة أو البلاد .
-8-
بالطبع كان الكرنك بموقعة المميز , وبهيئتة وتصميمة الخارجى الغريب والفريد , والفلسفة البسيطة العميقة التى يقوم عليها ديكورة الداخلى , تنم عن زوق رفيع ولمسات أبداعية مؤحية موزعة هنا وهناك , بل كان أكبر من مجرد مفاجاءة سارة بالنسبة لى فكان عبارة عن حجرة متواضعة من طين البلوك البلدى , والذى أخترعة هو أختراعا وكواحدة من أبداعاتة وبنات أفكارة وبشهادة الكل , بل كان فى شكل غرفة متوسط الشكل والحجم وتضم بالكاد بعض الضروريات الهامة , والتى لايستغنى عنها أى شخص ناهيك عن رجل فى قامة محامى شهير, وناشط حقوقى معارض ومعروف تماما جار علية الزمان فجأة , كان هناك سريران متقابلان وعدد من الكراسى البلاستيكية المتقابلة وعدد من " البنابر" المقاعد البلدية الصغيرة , المزدانة باللالوان والموزعة على الاركان بينما تقبع بالجانب الشمالى منضدة كبيرة , وفى شكل مكتب صغير من خشب المهوقنى الصقيل , مزخرفة بأشكال تراثية وهياكل ورسومات لغزلان وفيلة وزرافات عملاقة , مستوحية من طبيعة الغابة الاستوائية الساحرة , ومصنوعة من خشب الابنوس والعاج الابيض والمجلوب بالطبع من الجنوب الحبيب , ويتوسط كل ذلك كرسى دوار مريح ووحيد وكرسى قماش أخر باحدى الاركان , عند النافذة تماما للمطالعة النهارية والليلية الدائمة والتى لا يستغنى عنها كقانونى وأسع الاطلاع , تعلوها وعلى الجدار الجنوبى مباشرة ومما أدهشنى تماما لوحة تذكارية من التاريخ البعيد أو الزمن القديم , وهى على ما تبدوا لحفل تكريم شهير لتوزيع ميداليات وأوسمة وشارات دولية لة شخصيا , كمراقب وممثلا وحيدا عن الاتحاد الافريقى لكرة القدم حينذاك , بالعاصمة الالمانية " برلين " ومن قبل رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم حينها السير أستانلى راوس , ويظهر فيها كذلك ضيوف الشرف والرؤساء الحضور عبد الناصر ونهرو وبمدين وجوستاف هوساك وهنكر , ولوحة أخرى جدارية بديعة وبنفس الحجم ولكنها محيرة وغريبة ولفنان تشكيلى عالمى مجهول , تظهر فية سفينة نصف غارقة ويعلوا على أحد أشرعتها طائر صغير حائر ووحيد , وتتوسط هاتين اللوحتين لوحة مستطيلة الحجم نسبيا ومكتوب عليها عبارة فى شكل حكمة شاملة وعامة ومن بيت شعر عربى قديم مأثور , تسترعى النظر والانتبأة ومباشرة تقول كلماتها التى ما زلت أذكرها تماما " أزرع الجميل ولو فى غير موضعة .. ما ضاع جميل أينما زرع " , ولكن بخط كوفى بديع أما هناك وفوق السايد بورد الطويل الرفيع والمحازى تماما للجدار , ترتص بنظام محكم ودقيق العشرات من أمهات الكتب والمراجع القانونية باللغتين العربية والانجليزية , والتى لا يمكن لاى حقوقى الاستغناء عنها أبدا , بل وبالطبع فانوس كبير معلق فى أحد الجوانب ورتينة متوسطة الحجم , وربما للظروف الطارئية وتتدلى من على أحد جوانب المنضدة نفسها الوثيرة , والتى تبدوا للناظر اليها فى شكل مكتب أو مكتبة صغيرة مهيئة للتفتيش الروتينى من قبل السلطات الامنية وفى أى لحظة وأخرى , بل وأن الكرنك نفسة يقف هكذا متميزا عن غيرة من الغرف الصغيرة وبيوت الطين والقش المنتشرة بعشوائية حولة , وبسقفة الاوربى المنحدر الجانبين والملفت تماما للمارة ونظر الجميع بالطبع , والمحكم الصنعة وأتقاءا لشدة وغزارة الامطار فى ذاك الفضاء الشاسع أو الصقع البعيد يومها , والمسقوف عن أخرة بألواح القرميد الاحمر وعجينة المارسيلية الصلبة , لا الاسبانية المستوردة ولكنها المخلقة محليا ومن عجينة الطين اللازب الحمراء اللكة , وأضافات الصنايعية خلانة المهرة والحازقين للعديد من المواد والخلطات المختلفة المقادير , وبكميات محسوبة بدقة من روث البهائم " الزبالة " والجبص الابيض الرخيص وكل ذلك فى تدبير محكم للوقاية من الامطار وتصريفها فورا , أما الكرنك نفسة فيتوسط حوش عشوائى ضيق نسبيا ومحمى بالكامل ذاتيا بزكائب الحصير , وحوش آخر فى دائرة أوسع وأرحب خارجية بباب كبير من الزنك وفى شكل جراج وموقف لعربتة الخاصة , وعربات الضيوف والزوار والذى يتسع الان وبحميمية يحسد عليها ولعدد محدود وفى دائرة مختصرة تماما وضيقة , من الاحبة الخلص والسمار والذين لايكادون يعدون حتى ذلك الوقت على أصابع اليد الواحدة , ولكنة يتسع بعد ذلك وفى ظهيرة بعض الايام كالجمع والاعياد والمناسبات وليستقبل بالطبع أعداد أكبر ووافرة , من مدهنى جلسات مسارب الليل الطويل وسمارة , وجلسائة وبتعدد أتقاد وأشعال أحجار وجمر الشيشة ودخان معسلها المسرج , والذى لا يهداء أبدا وعلى نكهات التفاح والخوخ الطازج المحببة وبخور الند , وبأريجة وبعبقة الفواح وفى كل تلك الانحاء والارجاء , بل ولتلتئم عتمة كل تلك الاماسى وحدها لتزعق دائما بالطرب الشجئ والشعرالرصين المرسل , وجماعات الجوالرطب والحلمنتيش وعشاق الادب والقصة والدوباى والدوبيت , والشاشاى ومختلف ألوان الفنون والطرب واللهؤ المباح البرئ والا ما أنفطم عقدة من اللمم , وحينها يكون الجميع بلا شك فى أندماج وهرج ومرج عظيمين وكخلية نحل , بينما يكون هو شخصيا وبقليونة المعقوف فى الدكة العالية , وعلى الجانب الاخر والذى يحلوا لهم بتسميتة بـ " مسرح الآرام " وهو يتفقد الحضور القادمين والغائبين والجدد والمتعجلين , يراقب الجميع كدابة وعن كثب ومن مبعدة وبكامل الصورة وحتى لا يختل النظام والمسار, بينما يتفرغ دائما وعلى مبعدة من ذلك كلة وفى الجانب الاخرالخلفى للكرنك والخفى عن الانظار , والمختلف تماما فى التجهيزوالاعداد لفيف معتبرومدرب من المتطوعين المتخصصين الحزقين تماما , والذين لايشق لهم غبار فى الطهئ والطبخ المحبوك , يتفننون الان وبمزاج كل فى مجالة المرسوم والمحدد وحسب خبرتة , فى أعداد وتجهيز أضخم وأسرع وجبة عشاء يومية وفى كل تلك الانحاء البعيدة , والتى تنعدم فيها الكافتريات والمطاعم وفى شكل ما يصتلح بتسميتة فى أدبياتهم وأخوانياتهم بـ " القطر قام " أو بـ " الحلة الكاربة " , والشهيرة عندهم وحدهم وبحلة مساعدى اللوارى السفرية والبصات "السريعة جدا " , والمعدة باختصار وحصريا لهم هم وحدهم والسائقين , وبعض الخاصة وبسرعة وعلى عجل والتى تحوى حضوريا ما قل ودل من المطايب الدسمة , وسواء أكان ذلك من لحوم العجالى أوالضان أوالدجاج البلدى وبفرك بصلها الكثيف المشوى بسمن الماعز , وبهوراتها التى تكاد تزكم نفوس المارة وهى معدودة أعدادا خاصا , ووفق أتكيت ولائحة داخلية صارمة جدا ومختصرة تماما بل ويقف الجميع بعيدا مترفعين , عن ذاك البخل المنفر وتقليدهم وتوقيتهم الصارم تماما الان , والمعمول بة دائما وأبدا وفى تناول وجبتهم الدسمة الكبرى والوحيدة والاخيرة وهى بالضبط قبل غياب نجمة الضيف , وأذا نجمة الضيف غابت فألضيف ذنبة على جنبة .. .
تمت ,,,
الجزء الرابع " يتبع "
فتحى عبد العزيز محمد
أمدرمان – الموردة





رواية طويلة :“ لو أن شيئا يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول ؟ الجزء الرابع- فتحى عبد العزيز محمد أمدرمان – الموردة Story telling
رواية طويلة :“ لو أن شيئا يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول ؟ الجزء الرابع- فتحى عبد العزيز محمد أمدرمان – الموردة Story telling