القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

رواية كـا نـكيــج ..جزء ثالث للروائي: فتحى عبد العزيز محمد

كـا نـكيـــــــج ..

سيد القوم وعكاز الملك نائل .. " من حوليات الدررالسنية المجلية لطبقات الملوك والعلماء والاعيان والاحداث في السيرة الذهبية السنارية الكبري ـ جزء (3) .
«قمت برحلات رائعة، على متن كلمة»




بلزاك

وتقول أما فى السير وأحوال العلماء والاعلام وأحداث التاريخ والدهر وتقلباتة المروعة والتى لاتدوم على حال , فحدث ولاحرج فقد كانت لة فى تلك جلسة كبري و وقفة حتى لذاك الخلاف الذى نشب فجاءة بين النافعاب والسعداب ملوك جعل , وتراهنوا فيما بينهم عن من أيهم ألاكرم وفادة وضيافة وعطاء الشيخ أدريس ود الارباب الذى بلغ درجة الصديقية بجزيرة الفونج أم ولدة حمد , أذا ذهب القوم مذاهب شتي فى ذلك الامر بين مؤيد ومعارض فمنهم من قال بأن الارباب الكبير زاد فى النفقة والذبيح وقداحتة ستون قدح ولكنة كان كثير الاعطايات شرق وغرب , أما ولدة حمد فقام مقام والدة فى الكرم والهيبة والوقار وحجز العرب والفونج , وزاد فى النفقة والذبيح لكنة قلل من العطاء وقداحتة مائة وعشرون , وزادت الحلقة فى زمانة وتوسعت بزيادة الطلب من بلاد وضاى ودارجيل وما وراهما , ولا يساويهم فى البذل والعطاء بالنفس والمهج سواء حبر زمانة الحضري الشيخ عووضة " شكال القارح ", فقد بلغ الدرجة الكونية والتى لم يبلغها أحد غيرة لا فى دنقلا ولا جزيرة الفونج , ومع كل ذلك كان ركاضيا متواضعا يملئ أسبلة الفقرة جميعها بمسيد الشيخ سوار الدهب , وباع ذات يوم فرسة الوحيدة وقسمها أعطايات فى صرر صغيرة لفقراء ومساكين زمانة , كما كان يعطى كل ما يبيعة من مغيبات للفقراء والمحتاجين جميعا , وقال يوما لمعاصرة فى الطريق الشيخ الاعسر ود حمتو أدينى فرستك الشهباء الفلانية أعطيك ولدا يمسك عقابك وكانت ولادتة كلها بنات قال لية والله شىء ما خصنى بة الله سبحانة وتعالي ما بدورة بالوسائط , وكان بالجملة متلافا لم يبقي شىء غير الجود والكرم وآيثار الغير والسيرة الطاهرةالحسنة , وكان الشيخ سوار الدهب كثيرا ما يمازحة قائلا سبحان " من أعطاك يا " ودعمر " , وأما وأذ ا ما سالتة عن سيرة المغاربة السنارين أجمالا وتفصيلا فيقول لك أما أولئك فهم الاقطاب الزينين النجباء والبدلاء الواصلين , فكانوا من أكثر الناس معرفة بطرق السماء عن الارض وطرق الاجتماع بالعبد الصالح كالشيخ ود شوشاي فى السافل والشيوخ اللبدى وسمحوني وسماحة فى الصعيد , وكانوا هم والشيخ أدريس الارباب وسوار الدهب والنحلان قد أوصوا والله أعلم العبد الصالح وكما يقال على ذريتهم من بعدهم , وتقول أيضا أما هناك وفى الحاضرة سنار المحروسة تعجب حينها " سندال عاج " الفونج وكبيرهم وهو بدرجة عكاز عند الملك نائل أو أو أدون وكان قد حضر زمن الشيخ أدريس الارباب وبانقا الضرير وقال لهم مستدركا ومتسائلا " ود الشيخ " بخل ونقص فى المصروف والاعطايات أم زاد .. " , وحتى وفى ذاك اليوم بالذات تقول " أم بقارة " جاءنا ود الشيخ محمد ود عركي بن أدريس وحيرانة ليلا مشغلب عقبة قري من الحج , وليبكي أبية مع الشيخ دفع الله ود ابو أدريس العركي فقال لة مابخليك تمشي سنار داير أزوجك وتقعد جنبي تؤنسني يا المبروك , دحين من دربك أمشى لود شيخك أخوك حمد يعطيك شىء تتزوج بة , قال مشيت لية أعطاني ثوب دقنوس وسبعون محلق ذهب ولكنها لا تكفي , فقال ذهبت لقبة الشيخ ونمت محتارا فجاءني فى حلم وقال لي أقعد فى أمانات أمسكها تعينك فى الزواج , فقال وبينما كنا بين صلاة العصر وقبيل المغيرب كنت صائما وجائعا فجاءت أمراة شايلة لها فطير وحليب فاكلتهم , وفجاة هبط علينا رهط رعاة من بادية الكبابيش , وقالوا يا أبأنا الشيخ دى ذكاة أبلنا عن العام عين بيها على الحيران والخلوة , وقبيل العشاء أو بعدة بقليل جاء أربعة تجار شكرية من الريف , فوضعوا خمسة ثياب حرير منير وصوف وقالوا دا حقك يا أبونا بضاعتنا ردت لنا من غاصبين , فنهمناك فنجدتنا ووضعوا كيس آخر ملان محلقات فضة وقالوا دي ذكاة أبلنا عين بيها على الفقراء والمساكين , قال فقمت لاذهب ولاحدث أخي الشيخ " حمد " فسمعت منادى يقول لى :
" خذها أنت ولا تكلم أخوك حمد .. حمد طماع .. ؟اا , قال فضحك الشيخ دفع الله .. حتى بانت نواجذة .
-4-
وأما فى اليوم العاشر على التوالي بعد المائة الاولى أعتدل فى مجلسة العامر بحفير مكاشفي القوم بـ "الشكينيبة ", وفى تلك الضحوية الشتوية من الرجبية الكبري المشهودة وليقول وأما من ناحية الكرم فاعلمي يا الفقيرة " بنت حدوق " أن السلطان " محمد الفضل ود المعقور" قد قام بالكرم سننة وفرائضة ومندوباتة وعلى أكمل وجة , فهو أكرم أهل زمانة ببر السودان الكبير قاطبة وهو على الارجح مساوي زمانة حتى بزمان الوصل بالاندلس البعيد كما يقولون , وحدثني فى ذلك وبلا أدني حرج كما يقول حوار الشيخ الازرق بكدباس " مكي برمة كاكوم " , قال هو الآخر جاءنا فجرا تاجر كبير متمول من الريف " مصر " , ونحن فى بربر ولا دارمالى بالرباطاب , بعد الضيافة والكرم قال لي:
ـ أتعرف بداية آمر تجارتي يا فقير " برمة " كنت فى طريقي لديم زبير بجهات راجا ومديرية شكا جهات الجنوب طالبا للعمل بزرائب بحر العربان , فصادفني فى الخيران جهات بارة شرق كردفان الوزير السناري القوي " أبو لكيلك " وهو فى رحلة صيد مع حراسة , فقلت لة :
ـ الفقير من شندى والعرس غالي بدورك تعطيني شىء أتاهلبوا .. , قال لى :
ـ أبشر بالحيل وشرفني بقصر الحكم بسنار المحروسة متى ما وصلت هناك , قلت لة :
ـ حتى ولو وصلت لسنار الحراس ما بدخلوني عليك بالهين , أديني المقسومة وأكون لك من الشاكرين , فسالني :
ـ الا أى الجهات تتجة الان فقلت لة :
ـ جهة مسبعات قال لى :
ـ أقول لك شىء أختصر الموضوع وواصل بسفرك ودربك دا عديل لدارفور و للفاشر وللسلطان " محمد الفضل ود المعقور " وقص علية قصتك كلها وقول الية انا مرسل لك من الوزير السناري " ود أبولكيلك" . وأعرض علية فروتي ومصلاتي هذة , وهو بعرفها مباشرة وعلى طول " ..
ـ ولو الله سبحانة وتعالي داير يغنيك بغنيك السلطان محمد الفضل ولا أنسان غيرة أبدا .. ؟؟ اا , فقال فعلا ذهبت مباشرة للفاشر أبو زكريا وقابلت السلطان فى الفاشر وقلت لة أنا مرسل لك من الوزير السناري ود ابولكيلك وعرضت علية بالامارة فروة الصلاة المعنية وقصيت عليةقصتى كلها وقلت لة قال لى :
ـ .. ولو الله سبحانة وتعالي داير يغنيك بغنيك السلطان محمد الفضل ولا أنسان غيرة أبدا.. ؟؟ اا ,هنا نادى السلطان على وزيرة ربما " كرة " وأمرة ان يعطينى فى الحين والحال الف راس من الابل والف راس من الابقار والف رأس من الضأن وقال لى وزيرة تبيعهم وتعطيها لة فى صرة , والتفت ليقول لى لاتنسي يافقير تحضر لمقابلتي صباح الغد , وهكذا كنت أذهب لة وفى كل يوم يعطيني نفس الاعطايات ويزيد ويطلب من وزيرة ببيعها واعطاي المبلغ فى صرة كبيرة , ويطلب منى القدوم فى صباح اليوم التالي وهكذا دواليك , ولكنني فى اليوم الحادى عشر وعندما مثلت بين يدية , أراد أن يطلب لى نفس الاعطايات وأكثر ولكننى شكرتة شكرا يليق بمقامة وكرمة الحاتمي الفياض , وقلت لة :
ـ أن ما اعطيتني لة جلالتكم يكفى وأكثر .. , فقال لى السلطان مداعبا :
ـ يا فقير فى بحر ما برضي بالزيادة , وشكرتة كثيرا مرة اخرى , وقلت لة :
ـ وهل يأذن لى حضرة السلطان المفدئ بالمغادرة لبلادي , عندها ودعنى وأجزل لى من العطاء مرة اخري وما لايسع المكان ولوصفة وحملنى تحياتة للوزير السناري , وأمر وزيرة بتكليف فرقة من الفرسان فى الحين والحال , ولتوصيلي وحتى بلدتى بدار صباح بندر " شندي " , ثم التفتت وقالت قولتها المعروفة وبعد أنتهاء كل حكايةمن حكاوئها الطويلة , ثم أنقطعت وانشطفت والصغير فينا منوا ولاقول لها : طبعا أنا .. .
-5-
بل وما سمعتة بعد ذلك من سياحتة الكبري بكل الحواضر والبوادي البعيدة والقريبة فى بر السودان الكبير وفى مسيد الشيخ القطب الصمداني " برير ود الحسين " بشبشة بالبحر الابيض تلك الليلة , فقد تقشعر لة الابدان وترتعد لة الفرائض جميعها , قال كنا يومها نسوط مع الفقراء فى مديدة خميرة دقاقة فى برام صغيرة وبعدد الطلبة وفى سحور وعشاء رمضاني كبير مشهود , وتزامنا مع زيارة خليفة الشيخ ود العجوز وحيرانة النبهاء , وفى مواجبتة السنوية ومواصلتة سواء فى حياة الشيخ أو بعد مماتة , ولم اصدقها ورغما عن الكثير المتواتر فى صدقها وتقول هكذا ايضا حدثتها بها جدتها لامها بنت " أم الهميم " بحدوثها وبحزافيرها بالمحروسة سنار القديمة , زمن سلطنة العرب والفونج وزمن سطوة سحرة جزيرة ناوة سحرة فرعون الاوائل الاولين وكان على أيامها أغلى شىء فى سوق سنار بالطبع " هو السمن والعسل " وقبل ظهور ريش النعام والجلود وسن الفيل وغيرهم كتجارة حرة , ومن كان لة منهم نصيب أو مقدار فيعتبر من كبار التجار ووجهاء القوم أو كمن ملك خير الدنيا ونعيمها كلة أو ما فيها , وهكذا كان حال كل مشرقنا ومغربنا العربي القديم , والتاجر الذى يملك قربة أو مخلاية ولو صغيرة منهما , فهو يعد من كبار تجار السوق ومن كبار اثرياء المدينة , ذاك الصباح قالت جاءت للدرويش " اللبدي " أختة الكبري " محجوبة " صاكة وجهها قائلة :
ـ ما سمعت يا دروبش أختك " لبيدة " .. البارحة أرسل لخطبتها أبن الوزير السنارى .. ود الخطيب عبد للطيف .. , الفناجرة .. أولاد الصولة والجولة .. والحل والعقد بالبلد وباربعاتا .. ؟؟ااا
ـ أها أيش قولك يادرويش .. وأيش مقدرتك معاهم .. , قال لها ببساطة وطيبة خاطر وعريكة :
ـ واللة أنا يا الفقيرة .. مابعرف شىء غير صلاتي وصيامي وكتبي دى والكدسة ديل الحارستنها .. وما أكذب عليك غيرهم ما بعرف شىء فى دنياكم دي أصلا ..؟؟اا , لتردف قائلة بيأس وللمرة الثانية :
ـ أصحي ..أصحي " يا درويش " .. بقول ليك أختك جاء ليتزوجوها ولد الخطيب السنارى .. أولاد السمن والعسل ؟؟ ااا..
ـ فمن أين لنا بتجهيزها .. ؟؟ اا , وانت فى دروشتك الشديدة دي .. والما عارفين ليها أول من آخر .. فكر معانا شوية .. ؟؟ اا " , عندها فقط نظر الى السماء وأخذ يقهقة وبسذاجتة المعهودة وليقول لها :
ـ يعني يا الفقيرة أختي .. " لبيدة " الليلة جاها عريسا زين .. , ويعني الحكايا كلها عندكم .. سمن وعسل وبس ؟؟ اا" , قال لها مواصلا وبعد تلكؤ محبوب منة :
ـ أقول ليك شىء يا الفقيرة .. أبشري بالخير بحلها ليكم بالحيل تب .. ياناس الدنيا .." الغشاشة .. الغشتنا وراحت .. غمامة .. "؟اا , ثم نظر اليها وجارتها " مسك بنت أب نيران " حاضرة يضحكن علية :
ـ .. طلعي بره أزيار " وتيبارات" حبوبتك " منانة " بنت الحاج سمحوني " الثلاثة الكبار , .. وغسيلهم وخلي " الضو ود بلة " السقا " يملاءهم موية وتراني انا ماشى خلوة فى .." تريرة " .. وجاي .. , والليلة صبحت مبسوط بالحيل وداير أبسطكن .. , ثم التفت وليسمع كعادتة كل من كان بالحوش وحتى الجيران قائلا :
ـ أبشرن بالخير يا مغربيات .. أنا جبيلكن يوم القيامة .. وزي ما قال الشيخ دفع الله ود هنونة بعد ذلك بزمن فى الحلفايا" أبشرن يا هنونيات أنا جبيلكن يوم القيامة " .
فى الظهيرة وعندما عاد من الخلوة تقول فاطمة بنت " بنت المنا " " جاء متحزم ومقنع وشايل عكازة وأتجة مباشرة للازيار وقال ليهم :
ـ ما قلتا ليكم حضرو الثلاثة .. والقدرة حاصلة وأكثر .. , تقول خالتك الكبيرة " بنت عمسيب " , أدخل عكازة وهو يسوطهم الواحد تلو الآخر ويقول:
ـ بسم الله الرحمن الرحيم وبأذن وأحد أحد " أ ب ت ث ج ...الخ " , ففى الساعة والحين أنقلب أحد الزيرين الى عسل أحمر مصفي , والآخر لسمن أصفر دراش يدفق , وكل النسوة الحضور أخذن يزغردن بصوت عالي أرتجت لة حاضرة السلطنة كلها , وتسارع بنت " عمسيب " , وتقول له :
ـ أنتظر يا درويش نجيب ليك .. الزير الثالث .. , قال ليهم وهو يغادر مسرعا :
ـ خلاص .. يا الفقيرة فات الفوات .. ؟؟اا
تمت ,,,
فتحى عبد العزيز محمد
كسلا الختمية ـ شكينيبة ـ الابيتوراء البطانة
14/4/1984