القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

بحرأبيض الجزء الأول. (1) رواية قصيرة للروائي السوداني: فتحي عبدالعزيز محمد

المحتويات
    لا يوجد عناوين
رواية قصيرة :
       بحرأبيض  ..  (1)
في القلب آه
رتبي الفوضى وفقه المرحلة
وتهيىء لي يا صبية باكرا
فأنا الذي خبأت بين يديك جمر الأسئلة
وأنا الذي اخضعت تاريخ الطريق خطى
وحددت اتجاه البوصلة
من...
أين يفتتح الصباح الأمكنة؟
وبأي آلاء الجراح تشكلت
في وجنتيك الأزمنة!
وبأي أغنية ستخترقين
دائرة الطقوس المزمنة؟
ومتى المحاصر يلتقي على دمي
الممتد خارطة لكل مواطن ومواطنة؟
                 أبوذر الغفاري
    قدح الصباح ..
    جدتي " النعمة بت سعيد " أمراة ماكرة راجحة العقل واسعة الحيلة والتدبير , تكاد أن تكون نسيج وحدها أو وحيدة زمانها وفى كل شىء تقريبا , حتى كبارالقوم عادة ما كانوا يقدرونها ويحترمون مشورتها وكلمتها الفصل التى لا رجعة فيها أبدا , ويصفونها جازمين بأنها فعلا امراة ولكنها بعقل ووزن عشرة رجال , تتبعها دائما البركة أين ما حلت أو ذهبت فهي تفشي السلام على الجميع وتكرم الضيف الغريب , وتغيث pjd الملهوف وتطعم البائس الفقير , لكل ذلك كان التوفيق دائما حليفها ولم يخزلها الله سبحانه وتعالي فى كل حياتها المديدة وأعمالها الصالحة الخيرة , وبالطبع لا يجروا أحدا كائنا من كان أن يتعدى علي ضرعها أو زرعها والا حلت بة المحن والنكبات , واللعنة فى الحين والحال وأعطب سريعا لذلك يخشاها القاصي والداني ويهابها الجميع , ويشيع الكثيرين بأن لها فى بعض الاحآيين قدرات خرافية غامضة يصفونها بالخارقة للمالوف والعادة , مكنتها فى الماضى من أن تنجوا من الموت المحقق مرات عديدة , فما أن تصيب قومها نكبة أوتحل بهم نائبة من نوائب الدهر, الا ونجت وحدها من دونهم كلهم بأعجوبة وشبة معجزة , ويقولون حتى فى الزمان الاول البعيد والذى ضرب الجدري فية الناس , كانت أخر المجدرين ومع ذلك نجت من الوباء ولم تمت , لهذا فأن الراسخين فى العلم يعزون كل ذلك كان بفضل دعوة مستجابة من عمتها الفقيرة لله " غزلة بنت السحرى" أم ألشيوخ الاربعة الكبار , وعندما خدمتها خدمة الخادم الذليل وإعتنت بها طيلة فترة مرضها وكبرها باخلاص وطيبة خاطر منقطعة النظير , دون كل أخوأتها الآخريات فدعت لها الفقيرة بقريحة صادقة فاستجاب الله دعائها , وحلت بها هذة البركة المشهودة بعد وفاتها مباشرة , فمثلا وهى صغيرة نجت كذلك من نكبة ود سعد عبد اللة , وعندما نزحوا للجزيرة بعد ذلك بزمن سقطت فى بئر الحلاويين غرب سوق " ودرعية " , فانتشلها عرب السعيه بعد يومين ولم تصب بأى أذى يزكر , أما العجب العجاب فإنها فى حوادث ودنوباوى والجزيرة أبا الاخيرة الشهيرة , رمي منزلها وهى كهله بقاذفات اللهب , وأحترق كل الحي عن آخره الا أنها وكما يقولون خرجت اليوم التالي , بمعجزة من تحت الأنقاض ولم تصب يومها الا بحروق طفيفة , هذا الى جانب الكم الهائل المزهل من القصص الخيالية والخرافات التى ينسجها الناس بعد ذلك من حولها هنا وهناك , وأحالتها الى شىء أشبة بالقديسة وهى تنفى بالطبع عنها كل ذلك جملة وتفصيلا , وتستعوذ بعد كل ذلك من الحسد والعين وتعيش منقبضة من الناس , فى حياة أشبة ما تكون بالتقشف والخلوة والتنسك بطريقه أو مأ .
     فى الفجرية عادة عندما يفيض صوت الأذان و يصدح ويشق عنان السماء  ,
ويملئ أذنيها بالتنبية الاول " الصلاة خيرا من النوم " , نجدها دائما ما كانت تصحوا من نومها باكرا وتطرد حشود النعاس , فى توقيت دائم معلوم لايخل أبدا تصلي دونهم الرغيبة والصبح حاضر , ثم تشمربعد ذلك عن ساعديها المعروقة هى وعمتي " أم بخوت " يتستقبلون يوما آخر ملئ بالكد والجهد والعمل , مازلت اذكرها ونهارات الصيف التعبة , والعرق النازف يفصد شلوخها المطارق , ووجيها الممصوص توقد فى البكور الصاج لقدح الصباح الكبير , وتخلط ببراعة الطحين والعجين وتعوس , القراريص الرهاف طرقة .. طرقة , وتسقيهم بالتقلية وشىء بالرايب وشىء بالعسل وبحنؤ تطعم , حوش أولاد خالتي " سلطانة "الكبير كله , لا تفرقي أبدا بين كبير أوصغير, وفى توقيت صارم معلوم وتقولين :
ـ " فك الريق بيعدل .. تب الطريق ", بعدها تنزلين البلدات فيوم تتوربين وتسقين ويوم تحشين وتقولين الشيخ فرح وصانا وقال :
ـ " يا يد البدرى قومي بدري.. وأصحي بدري .. وأزرعي بدري وحشي بدري .. شوفي كان .. تنقدري ..اا " . 
   برد أمشير ..
     بعدها تتوسدين ومن صبحا كبير تعريشة الراكوبة , وفحيح الزمهرير الطاغى ,
وبرد أمشير الطاغي " ومد " طوبة " وهبايب البحر و" الغير " الشديد, تمضين فى تصميم وجلد شديدين , سحابة النهار كلها تجدلين وجارتك بنت " أم قسم " ,الحبال وحزم السعف سلال وبروش , تصترعين في سباق لاهث مع الزمن , لتذهبين ذاك العصير الباكر لفراشات السوق , مع كل هذة المشغوليات التى تكاد تقعد بالجبال , تهبين واقفة بحنؤ , ولو وقف فوق رأسك لحظتها مرسال , حتى ولو صغير وبكل تواضع آخاذ , تعطيه من شكابة الراكوبة , مرواد كحل ربما لجارتك "البتول " أو جارتك " ست العول "
أو حتى ملح عطرون , لـ " حدالزين" ."
      أذكرك تماما حتى اللحظة , يا "ملكة " لاتفرقى أبدا بين أولادك وأولاد الجيران , وتقولين الحبيب النبي (ص) موصي على سابع جار , كلهم حبايبك كلهم تربوا فى حجرك , أطعمتيهم من طيبت حنانك , ومن حي المدنيين القديم وحتى تفرقهم باحياء مدني الجديدة كلها , بعضهم ولوا وجهتهم لدردق وجزيرة الفيل , والآخرين وجدوا سلواهم فى مايو , أما المستنيرين مع الاعلام
وتطلعاتهم لاذوا بدروب الخرطوم , السالكة والاغتراب البعيد , تفرقوا فى الدنيا الوسيعة , وتصاريف الايام وأنت مازلت كما أنت , تجاورين يا " ملكة " أقفاص الدجاج والحمام , وأحواض البط والوزين , وأمام عينيك مياه الخور تفيض لتروى, جروف الخضار وزهر الليمون والرمان , ثم فجأة ولايام خلت أسمعك تدوبين لوحدك , وبعض لياليك السهدة التعبة , وأنت تفترشين الشوق والحنين ليلا لأسلافك الأوائل الذين ذهبوا وأرتحلوا عن دنيانا بعيد بعيدا , وبقيت مناقبهم من بعدهم تملئ أظابير التاريخ بالروايات الشفاهية المنقولة وحكاويك المعسولة الشيقة عن أجدادك الصادقاب والعبدلاب , ولا أعراس حبوباتك بره بنت جماع وستنا بنت عجيب فى حلفاية الملوك , والحفلوهم نسابتك ملوك دار جعل بالدهب الثقيل , دهب شيبون بل لم يتورع فى ذاك اليوم البعيد , حتى جد جدك ملك ود شيخ عجيب "السميح ", فى زمانة , وبعد أخضاعة عنوة لحلال غرب شندى وبحور أبيض كلها , من أهداءعروستة " رابعة " الحمدية مهرا مشهودا وجعيصا , دجاجة من الدهب الخالص وحولها بالتمام والكمال سبعة سواسيو..
, وهناك حكاوي أخرى شبية ببطولات ود النمير , وأهازيج فاطمة القصب الاحمر
, والتى لا تنتهى فى العادة الا والكل نيام .
لا شىء يزحملك هذا المساء بالذات, يا " ملكة " سواء مواءه القطط , ومن الخور يأتيك نقيع الضفادع البعيد , وصخب صغار الحوش , وأنت تحلبين لهم المعيز عشاءهم المفضل
قد يعجبك ايضا

, والمحبب لنا كلنا ومازال بل وتستقبلين مرغمة فى بعض المواسم الرطبة , انعكاس الموج ورائحة البحر , التى كانت تطغى على نسائمه الفاترة , وعلى كل شي بعد ذلك فحياتك كما كنت تحكيها , كانت مرهونة بالبحر وسلسلة طويلة من الكفاح والكروالفر , وتقولين لأحفادك :
ـ " ماهى الدنيا كدا كر وفر .. ودار أختبار وابتلاء .. أحدثكم ..دايره صبر ومصابره ومرابطة ..
ـ وما يفيدك يا مسلم الا صلاتك وصيامك وزكاتك وحجك .. وعملك الصالح .. مع الله والخلوق وبس ؟اا " وتتساءلين باستنكار مع تؤكيد عجيب :
ـ ".. وقولوا لى ياناس يا أر .. وهي لمين دامت ؟؟ اا , .. والله فعلا خربانه الدنيا أم قدود .. وخربانه الدنيا أم بنايتا قش .. , ولتضيف :
ـ أسألوني أنا ما كلها كدا وراحة مافى .. الا القبر ؟؟ . "
    تواوير العسكر السنارية ..
   ذاك اليوم أعتدل مزاجها فقالت تحكى لى وهى تؤانسني , بعد ولادة حبوبتك الكبري " عنكوليبة " التى تنعتها دائما بأنها ست الحكر والملك والجاه والسلطان , بنت الشيخ " شنيدى ود جماع ", تعلموا الكثيرمن الترحال لكسب الرزق مع السعيه , " الآلبل " وقطعان البقر والضان , أولها من جبل بيلا بالبطانة والى الداير والدالي والمزموم وتالي الصعيد , وزراعتهم بدأت أول مرة بظهره المحروسة سنار , رجحت أن يكون ذالك زمن الملك " بادى الاحمر  "أو" أودون كبير الهمج " , ولكن مع كل ذلك كان أهلها يجارون بالشكوى , من الغلاء أو مجاعة " أم لحم " سنة النيل الذى جمع, كل ناس السودان والبدو العربان ضهر وبحر, سنتها كانت النوازل والجوع والكروب أشد , شي لا يصدق أو بةصف لا معين لا مغيث الا الله
ويقولون أكل الناس الجلود وصفق الشجر وبعدها بزمن ليس ببعيد , جاء الفرج سريعا خريف رتوع لم ترى جزيرة الفونج مثلة أبدا , لا قبلة ولا بعدة أكثروا فية الناس من الصلاة والشكر والزكاة , والنزور والكرامات والزبائح , فأندح وأنزاح سريعا البلاء والغلاء , وأقبلت عليهم الدنيا مرة أخري هاشة بأشه ليتفاجئوا بعدها بتواوير العسكر السنارية , ضريبة مكوث بالكيلة توخز كل سبوع , بالقوة والجبروت لحراسة الثغور من شلك والمكادية , ولكنها هى لاتدرى كل هذا بالضبط كان زمن أى من سلاطين أو ملوك الفونج أكان زمن بادى وداية ولا بأدى ود أبولكيلك  ولا ناصر أخوة , لتجار هذة المرة بالشكوى حبوبتك لامك " بنت النعيم " وهى حمدية مفوه سليطة لسان وتقف ذاك اليوم المشهود وعلى مبعدة , من دكة من ناداك فى جهات عبود , قائلة لشيخ أبوها فى العلم :
ـ " والله دا ظلم عديل يا شيخنا لا الله بقبل بيه .. لا الرسول بقبل بيه .. لتواصل قائلة بأستهجان مباح منها هى العجوز بالذات :
ـ ها ناس ..؟اا , وكمان عسكر سنارالمحروسة وعشان كيله عيش معدومة أسع ما عندنا منها الحبه ..
ـ وبالجبرية كمان يقبلوا عساكركم ...يضبحوا لينا عجولنا .. ؟اا
ـ أها دا كلام شنو يا ود شيخنا ؟ لتواصل :
ـ والله بكده .. يا ولد " أبراهيم " شياختك لا سعيدة لابخيتة علينا اا" , يقولون لم ينبس لها ود شيخنا " الفرضي " ببنت شفه , ولكن فى اللحظة والحين وقف شعر راسة وجلدة كالحديد والمسامير وتكسرت كل ألأمواس , فأرتعب الحلاق الذى كان يزينه وجميع الحضور , وعندما بلغ الخبر ملك سنار العادل , بادى سيد القوم خشي على نفسه منه .., فعفا فى الحين والحال عن كل جهات المناقل وعبود , بل وكل الحضور من التواوير كلها , و بعدها قبلوا أهلك صادين من الجزيرة وعبود , ونزلوا بعيدا بظهره الهلالية ولا مسيد ودعيسى أبن هشام صاحب السيرة , وأكدت بأن ذلك كله  كان بالضبط الزمن الذى بداء فية الفونج يغيرون العوائد لجدك الشيخ " عجيب الكبير " أبو كافوتة ", فشاور ودخالتة الشيخ " أدريس ود الارباب " , عند نزولة ضيفا علية فى رفاعة , فنصحه قائلا
" ـ أذا ذهبت لتحاربهم فسينتصرون عليك .. وأنت الان قد بلغت من العمرعتيا ..
ـ ـ وسيقتلونك وسيتملكون ذريتك من بعدك .. وملكا عضوضا والى يوم الدين , فكان كما قال , أما العسكر السنارية فهو شيخ ملكهم فى علم الظاهر والباطن فبشرهم يومها قائلا ,وهو يشير بسبابتة الى أحدهم :
ـ هذا الربعة .. الحالك السمرة .. البتشيخ بعدك ولا أحدا غيره ..’ قصد بذلك وبالصراح أحد أحفاد زرية الوزبر الهمجي القوي " أبولكيلك " .. , وستنتصرون على الشيخ عجيب الكبير .. في بلدة كركوج وستدخون بعدها سنار مهللين منتصرين ..وستنقضون على ملكها الذى ينأصبك العداء ..وستدخلونها بمشيئة الله دخول الفاتحين .. فلا تستبيحوا النفوس ولا العروض .. راعوا حرمة الصغير والشيخ الكبير والجريح , وأفشوا العدل والسلام أين ما توجهتم أو حللتم .. وأياكم ..
وأياكم والظلم ودعون المظلوم .. فإذا ظلمتم فستفشل وستذهب ريحكم .. فكما تدين تدان .."
فكان أيضا كما قال ولا يبالى .. 
    الالاف درجن .. 
      وينتقل بيت الشياخة بعدكم , لـ " بيت ود الأمين "أولاد عمك الشيخ "ودمسمار" الشهير بفارس" الالالف درجن .. وأختة بنت عمك " رقية " , الم تكن بالحق نظيرته فى الفراسة والعلم , وعندما حفزته على خوض المعركة الفجائية الخاطفة والفاصلة , يوم معركة ونزال الهلالية المشهود , ودونها كان القتل والسبئ للعائلة وكامل القبيلة لسير نعالها , فجندل " الشيخ الأمين ود مسمار " كبيرهم وفارسهم العتيد أبكر وحشي ولا دمباوي فى مبارزة حره تاريخية, وهوي عليه وبضربة سيف وأحدة , فشقة الا نصفين فى الحين والحال , وفيما كان الشيخ هائجا على صهوة جوادة متعطشا لنزال الآخريين , فرت جموعهم وتفرقوا وولوا كلهم بدابرهم هاربين عابرين النيل , ناجين بأنفسهم فغنت لة يومها أخته بكلمات , ارتجلتها وقتيا ومازال الدهر منشدها .. ومرددها ..":
ـ .. سمعنالنا خبرا من الهلالية ..
يقولوا خمستاشر  جواد ..
سكن ستمائية ..
وغنيلوا يا أختوا يا رقية ..
وغنيلوا يا .. رقية ..دا تمساح الكواني الضارب الليه.. وهكذا , بل وتؤكدين بأن كل هذا كان قبل الفتوح الاول بقليل , وبعدها تشتتوا فى الدنيا الوسيعة حلت بهم مكائد الباشا الكبير , ومن ثم لعنة خرابهم لسوبا القديمة والتى لم يكن من مثلها بالبلاد ..    .
يتبع جزء "1" ..
فتحي عبدالعزيز محمد
حائل – ألشملي
10/10/2012

  فتحي عبدالعزيز محمد