القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

القاص" سعدي صباح "يكتب عن رواية "وشاحي الأحمر" للروائية خولة رزيق .

قراءة في رواية وشائحي الأحمر

روايةوشاحي الأحمر.. ورمي المحصنات " ___مجرد رأي  

_______________

(وهذا الذي نحن فيه رأي ولا نجبر أحدا على قبوله بكراهية. 

أبو حنيفة )

بقلم سعدي صباح .

_______________________________________

رواية وشاحي الأحمر  للروائية خولة رزيق


من عادتي أن أقرأ كل عمل إبداعي ،يقدمه  لي صاحبه موقعا وكان الحظ هذه المرّة مع الرّواية القصيرة (وشاحي الأحمر ) للطالبة الموهوبة " خولة رزيڨ" التي أهدتني إيّاها  على هامش الحفل الذي نظّمه النادي الولائي للمنتدى الإعلامي الجزائري ..بالتنسيق مع بيت الشعر الجزائري بالجلفة ،وكانت خولة من بين المكرَمات.

الميني رواية طبعت بدار بوك للنشر والتوزيع ،بطلتها رنيم التي يسكنها هاجس الإبداع الذي لا تلتفت إليه إلا بعد أن  تجرّعت كأس المذلّة والهوان ،من مجتمع  يسير على وتيرة متناقضة ،وينتقد الآخر في عيوب متجذّرة فيه أصلا، رنيم فتاة من حديد وتحديّات ، شاءت لها الأقدار أن تفقد الوالدين في العنفوان ،واليتم مثل الحرمان .. 

عادة يغذي الموهبة ويصنع المعجزات ،ورغم ذلك كانت فريسة للذئاب البشرية في نفوسهم الشهوانية ..الأمارة بالسوء ،وعجزت عفّتها عن حمايتها ،ودفعتها غفلتها لتقرع قاعات الشاي ككل برعمة لا تعرف للمطبات معنى ،وتصبح ضحيّة المواعيد الكاذبة والكلام المعسول والمبطن بالغدر والخيانة ،ككلّ يتيمة  ..  فقدت السند.. وأصبحت ريشة في مهبّ الرّيح ،مباشرة تلتقي بمحمد صائد العذارى ،هذا الآخير الذي استغلّ طيبتها ويتمها ، وأغراها بالزّواج كطعم يرمي بكلّ غافلة إلى الرّذيلة ، يوهمها بالزواج  ويخونها في آن واحد ،كما حدث وسيحدث للكثيرات ،ولاسيما اليتيمات أو المتحرّرات ،وخاصة بعد فقدان الوالدين ،وسط مجتمع جبل على تدمير المؤمنات  ،لاح لها  خبث محمد جليا وتلاعبه بشرف العفيفات ،كيف لا وهو يتحجّج ككل مرّة ويتهرّب عن الزواج، (هنا تضرب الكاتبة هؤلاء الذين رفضتهم المدارس.. لاهم بالعمل ..ولاهم  بنصف الدين.  ولاهم بالحبّ العذري ..على نهج العشاق العرب) 

القاص سعدي صباح رفقة الروائية خولة رزيق


وتطرق الكاتبة ظلم المجتمع لكلّ بريئة ،وينسج التهم الباطلة والشائعات ، وهذا ما وقع لبطلات جبران في بعض قصصه ،التي كان يرافع من خلالها عن المرأة   ولو أخطأت، ويدين المجتمع الذي كان وراء انحرافها،ومنهنّ وردة الهاني ،والبطلة رنيم لم  تنحرف ولم تركع ،(على شفير الإنزلاق ولم تنزلق) ولم تعرف أبدا ثقافة الخلاعة والكافيتريات ..رغم ظروفها الصعبة ،ورغم ذلك تعرّضت  لشائعة مدمّرة شوّهت سمعتها، ويصدّقها خالها ..إن لم أقل يغذّيها ،وبالفعل فبركوا فقدان عذريتها ،ممّا أدى بخالها إلى التفكير الشيطاني الخطير، متّخذا من  الفضيحة ذريعة لقتلها، بعد وصفها بالعاهرة البغي ،لولا الطّبيبة التي أكدت سلامة عذريتها .. التي لم تباركها زوجة خالها ،لأنّها كانت فاقدة لها وتقبّلها زوجها لأنّه يحبّها ..تناقض غير مبرّر .

وهنا تريد الكاتبة أن تقول من خلال الطّبيبة بأنّ الإشاعات لم تكن أبدا حقيقة ،ولو كانت كذلك لما أبصمت طبيبتها بالعشرة  ،كما أنّها  مردودة على وجه ناسجها ومصدّقها ومروّجها ،مصيره  النّار والآية صريحة،.وتواصل الكاتبة لومها بمرارة عتابها للمجتمع وبالأحرى بعض المقرّبين،من خلال بطلتها رنيم ،وتناشد الوالدين بالرّعاية ،ليس التي تنحصر  في الملابس والنّفقات،ولكن التّربية على تقاليدنا وأعرافنا ،ايمانها ليس اليتيم من فقد أبويه ،ولكن من شغلتهما مشاغل الحياة ،وخاصة في زمن التواصل الإجتماعي الذي  دمّر جيلا بأكمله .الوسط : وحين بلغ السيل الزّبى ،هاهيّ رنيم بطلة الوشاح  تهجر مدينتها التي كانت وراء انهيارها وتلطيخ شرفها. وابتلعت بين أهلها خنجرا بدمه،من مجتمع يقهر المرأة ،ويرميها بالظنون، وخال يلتقف  كلام العامة  ويصدّقه  ولو بالباطل ..وزوجة تتلذّذ با لإشاعة لتغطي خطيئتها ،وهنا تريد الكاتبة أن تقول ،بعض الأصناف تنتشي لحدوث أية سقطة لمخلوقة وتروّج لكلّ شائعة  جارحة ،وتنتقد الآخر في علّة  قد تكون موجودة فيه أصلا ،كيف لا ؟ وزوجة الخال لم تقتنع ولم تصدّق حتى شهادة الطّبيبة التي أكّدتها وختمتها بالأحمر ،ومن له علّة يتمنى أن تكثر العلل كي تكون النّاس سواسيّة في الفضائح ،وكلّ من أصابته فضيحة يتمناها لغيره ،وهي قاعدة في علم النفس ،لهذا تركت البطلة مدينتها لتستقر في العاصمة التي تتلاشى فيها الخطايا مهما كانت ،وتنعدم فيها ثقافة الشائعات ،فالكل هناك يغني على  ليلاه ،فلا أحد يعيش على سقطات الآخر ،ولا أحد له الوقت أن ينشغل برمي المحصنات ،فالشريفة وغيرها سيّان من حيث السترة التي  أوصانا بها ربّ الورى،واتخذت من صديقتها سندا فوقفت بجانبها وساعدتها ،أفضل ممّا كانت عليه بمسقط رأسها الشبح 

شهادة شرفية للكاتبة خولة رزيق


وهنا برزت الكاتبة دور الصداقة التي تحضر في أوقات المحن..مؤكدة إياها بأقوال مأثورة..ضمنتها روايتها ،فوجهتها لأسرة طيبة مؤمنة ،كي تحافظ على كرامتها وشرفها..وترمّم ما هدّمته مدينتها ،فوجدت ما تتمناه ويخطر ببالها كمهاجرة من مدينتها المجحفة ،مقابل خال نعّتها بالعاهرة ،لمجرد إشاعة سافلة وواهيّة وباطلة ، و بينها  منتحها الأقدار  سمير صاحب شركة وعلى قدر شمائلها وصدقها وعفّتها ،فروت له أسباب توقفها عن دراستها وهو خالها المتغطرس ،الذي يقف ضد دراسة المرأة وتحرّرها المحمود طبعا .. متخذا من بعض التقاليد العمياء ذريعة ..ببيئة هي العار نفسه ،بينما سمير شجّعها على مواصلة الدّراسة ،من أجل العلم لا من أجل المادة ،فراتب والدها المتوفي يغطي حاجياتها ،وبحث لها عن منزل يليق بها   تطل شرفته على شاطئ البحر وأسراب النوارس ،وتستقرّ البطلة رنيم ،وتتخلّص من عيشة المذلة والهوان ،كيف لا وأقرب النّاس أتهمها بالبغي ، وتبرز الكاتبة إرادة البطلة التي وفّقت بين العمل والإبداع ،فموهبتها كانت بالوراثة من والدتها المسافرة الى حياتها السرمدية  ..التي كانت روائية ،وهنا تريد الكاتبة أن تشير بأن الموهبة أحيانا تكون بالوراثة ،مبدعات كثيرات هجرن إلى الضفة الآخرى ،من بلد لا يؤمن بالمواهب ،وتعتبر الشاعرة أو الكاتبة عاهرة ..تدعو لنفسها من خلال النّصوص ، وفضيلة الفاروق خير دليل ،وليس الإبداع بل حتى العمل ،كتبت رنيم رواية بمساعدة سمير ،وتطورت العلاقة بينهما ،ومن مجرد إعجاب إلى الحبّ من الطرفين ،عنوة  في وهم الحب مع الخائن محمد الذي دمّر حياة غيرها وانتوى تدميرها  ،وكانت رنيم الفأرة التي أخطأتها المصيدة ، سمير صاحب نيات حسنة معها وصاحب دين ،وطلبه لها بأن ترتدي الحجاب خير دليل ، فإن دل ّ على شيئ فإنّما يدلّ على تشبعه بالثقافة الإسلامية وطهر السجية ، الحجاب الذي ستظل ترفضه البطلة رنيم ..إلى إشعار آخر، الهجرة محبّذة في الحالات القصوى ، غادرت رنيم فظفرت بسمير .. المتشبع بالدّين  والشّمائل ، ولا أدري لماذا رنيم بقيت مصرة على عدم ارتدائه ،وهذا ما  جعله يختفي عليها نهائيا ،لا ليتخلّى عنها ولكن ليقنعها بضرورة الحجاب ،الذي قد يكون سببا في دخولها الجنة ،ومع الزّمن يعودإليها بهدية تتمثل في الحجاب الشرعي ،النهاية : يتم زواجها بسمير بحضور خالها الذي وصفها بالعاهرة في حالة غضب ،ولم تفعل جريرة قط إلاّ أنها ندمت عن سفرها بدون محرم وقاطعت أهلها مرغمة ،بعدها عن صيلة الرّحم الذي أدركت بأنها تدخل النار والعكس صحيح ،

اهداء رواية وشاحي الأحمر للروائية خولة رزيق


تابت توبة أخرى  كانتها... وسامحت خالها ..والدّين تسامح ،وراحت تدعو الله وتستخير لكلّ خطوة وكلّ مشرع ،الآن تدعو الله أن يمنحها ذرية صالحة ،وتسهر على التّربية  الحسنة ، حتى لا يرتكبو ا  ما ارتكبت مكرهة، وهنا إشارة صريحة من الكاتبة على لسان بطلتها بأن التّربية الصالحة هي الأساس ..وفي المرتبة الأولى،أما يوم الزّفاف فقد كان مرّا في غياب خالها الذي قضى نحبه بسبب حادث مرور ،زارته في داره الأبدية  وسامحته ودعت له بالرحمة،لوت لروايتها فأكملتها ،وهنا تريد الكاتبة أن تقول الإبداع بعد الإستقرار أفضل ..فهو في المقام الآخير ،فلا يمكننا أن نفشل في بناء أسرة وننجح في تأليق رواية ،وفي السياق ترفض كل مبدعة تفضّل الإبداع عن بناء مستقبل ،يتمثل في بيت وزوج وذرية صالحة ،وآخيرا البطلة رنيم نالت كل شيئ لصدقها وجسارتها ، وكانت قدوة ومثالا لكل فتاة يحاول البعض تدميرها بالإشاعات لا لشيئ إلا لأنها تميزت وتفتّحت كالخزامى،تقول الكاتبة بين السّطور أيها الناس كفوا ألسنتكم عن المؤمنات الطاهرات ،فالبطلة رنيم كادت أن تكون داعرة فاسدة ،من ظلم المجتمع والأقارب ،فإن لم نقلع عن ظلم المخلوقات ،فسندفع الثّمن غاليا وسنكون نحن وراء كل فتاة لجأت لتصروفات ما أنزل الله بها من سلطان ..وإن كانت الرّواية تميل إلى التقريرية أحيانا وأخرى إلى السهل الممتنع ،فذلك من طبيعة الأبطال ولا سيما الثانوية  ،بين هذا وذك ولكنها وفّقت كطالبة موهوبة..  في اختيار الموضوع ،ألا وهو خطر الإشاعات على بنات المسلمين، ومحاسن الهجرة والخاتمة التي كانت مسكا وبركة لفتاة هجرت الدّيار ..من تسلّط ألسنتهم على شقائقهم .......

بقلم: سعدي صباح. 

تكريم الكاتبة خولة رزيق مكتبة المطالعة الجلفة