القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

دراسة نقدية ورؤية جلية في البناء السردي ل"حديث القبرة" بقلم الشاعر: سليم دراجي.

 " حديث القبرة "

متن سرديّ ينتمي إلى أدب السيرة، لصاحبه الأستاذ القاص سعدي صبّاح، صدر عن دار خيال للنشر والتوزيع، توزع مضمونه على 213 ص، وهو عبارة عن أحداث متصل بعها ببعض في علاقات وطيدة بأشخاص وأماكن مختلفة،بدأ فيه القاص حديثه القصصي من قبل مولده بل من قبل مولد أبيه الذي كان بالتيطري أثناء عودة جده من بلاد القبائل،النص كانت أحداثه تتخلل ذلك الوجود الاستعماري المقيت الذي سبب لوالد السارد وأسرته الصغيرة كما بقية الأسر، الكثير من المضايقات التي جعلتهم يتركون مرابعهم وقطعانهم وذاكرتهم إلى مدن قريبة علهم ينجون من عذاباته وهجماته و حملاته التفتيشية التي يصاحبها كثير من العنف.

سعدي صباح و سليم الدراجي عين وسارة


فالسارد سار بنا في رحلة فيها من المتعة بحجم ما كان فيها من الصعوبة والعذاب،حيث جده الذي تزوج بامرأة بدوية لم يلبث أن تركها هربا بعد أن أطلق على رأس صهره البارود،ودون أن يطلقها راح يتزوج بجدة الكاتب،وفي بلاد الأمازيغ التي أوى إليها اعترضه مشكل الغيرة مما تسبب في إزعاجه ومطاردته بعد أن أطلق على أحدهم البارود أيضا،ليعود إلى مضاربه في بلاد رحمان مرورا بالتيطري الذي حط به الرحال لتلد زوجته ولده أحمد،وهو والد الكاتب،وبداية قصة جديدة يسردها الكاتب سعدي صباح على ولده الأصغر طارق ومن خلاله للقراء والمتابعين والدارسين لأدب السيرة،حيث تتوزع بين أماكن مختلفة فمن "المعذر" و " الحبيل " وهما باديتان متقاربتان،بدأ فيهما طفولته الأولى التي تشبعت بالألوان والأشكال،وغرفت من بنات الطبيعة مما شارك في اعتقادي في بلورة الشخصية الفنية عند صباح  وتوسيع مخيلته الأدبية،إلى المدينة،مدينة عين وسارة التي لم تكن سوى حاضرة فقيرة ومحافظة لا تفترق عن البادية إلا في بعض المظاهر والأمان.

دخل الكاتب المدرسة القرآنية و تعلق قلبه بابنة الشيخ الذي أطلق عليه هنا " أنعم سيدي " وهي " نعم يا سيدي،التي كان طالب العلم يرد بها على معلمه حينما يناديه،فتداولها الناس آنذاك لتصير لقب إجلال وتقدير للمعلم.وقد تعمد الكاتب توظيفها ليبين ما كان يحظى به المعلم من الناس فيما مضى من احترام،لدرجة أنهم اخترعوا له لقبا جميلا " أنعم سيدي".

وفي رحلة مشبعة بالطفولة المشاغبة أحيانا و المعذبة أحيانا،إلى سن الشباب العاشق أحيانا والخائب أحيانا،مرحلة توزعت بين البادية والمدينة،وسارة والبيرين،المعذر والحبيل،إلى مرحلة النضج حيث الخدمة الوطنية ومعاشرة الحضر،إلى العودة إلى التعليم بلم شمل الأسرة الصغير.

والمزاوجة بين مهنة التعليم والكتابة التي عشقها حد التماهي،مستمدا صوره وتعابيره من مظاهر الطبيعة وأصواتها،مشيرا إلى رحلاته الماراتونية و اعتلائه منابر القراءة في مختلف أنحاء الوطن،معرجا على إنجازاته في ميدان الإبداع.

الكاتب ومن خلال حديث القبرة بين شناعة الاستعمار وظلمه و مظاهر الخيانة كما أشار إلى العلاقات التي كانت سائدة بين بني الوطن،من حميمية جميلة إلى باردة سيئة،ومدى تأثير الطبيعة بكل ألوانها على نفسيته،حيث الصفاء والنقاء والجمال.

كل ذلك جاء بألفاظ وصور فنية مستعارة من أحضان الأرض والأفق.

رؤية جلية في المتن السردي ل"حديث القبرة" بقلم الشاعر: سليم دراجي words  lark.


ففي ثنائية مكانية بين المغلق والمفتوح عبر بنا رحلة زمنية مدهشة بأحداث متنوعة وموزعة بين ما اقتضته كل مرحلة عمرية من حياته،بلغة بسيطة سلسة ماتعة وأسلوب سردي مشوق وعبارات مطبوعة بطابع قصصيّ متناسقة تناسقا ينم عن تجربة سردية تجعل من الأحداث مشاهد ماثلة أمام القارئ،ولا أظن الكاتب صباح السعدي قد ألم بكل الأحداث والطرائف التي مر بها في حياته،باعتباري الأقرب إليه والذي سمعت منه الكثير مما لم يرد في هذه السيرة،والتي لم  أظنه غفلها بقدر ما أرجأها إلى وقت لاحق.

بقلم الشاعر : سليم دراجي .