ليست كل القيم الكروية قابلة للقياس بالتصفيق. وليست كل الأدوار العميقة مرئية من المدرجات.
في كرة القدم، هناك لاعبون يولدون ليكونوا أبطال لقطات، وآخرون خُلقوا ليكونوا عقول فرق كاملة تعمل في صمت. رامز زروقي ينتمي، بلا تردد، إلى الفئة الثانية؛ فئة اللاعبين الذين لا يُحبّون جماهيريًا بقدر ما يُعتمد عليهم فنيًا.
هذا النص لا يدافع عن رامز زروقي، ولا يُدين الجماهير، بل يحاول تفكيك مفارقة جزائرية خالصة: كيف يمكن للاعب أن يكون محل إجماع داخل غرف المدربين… ومحل شك دائم في المدرجات؟
اللاعب الذي لا يُرى… لكنه حاضر في كل شيء
المشجع يرى الكرة فقط. أما المباراة الحقيقية، فتُدار في المساحات التي لا تصلها الكاميرا.
رامز زروقي لا يركض ليُشاهد، بل يتمركز ليمنع. لا يمرر ليُصفّق له، بل ليحافظ على الإيقاع. لا يدخل التحامًا صاخبًا، لكنه غالبًا ما يكون قد أغلق زاوية اللعب قبل أن تبدأ الهجمة أصلًا.
هذا النوع من اللاعبين لا يملك لحظة واحدة تُختصر في لقطة، بل يوزّع تأثيره على تسعين دقيقة من التوازن الهادئ. ولهذا السبب تحديدًا، يعاني دائمًا مع المدرجات.
ذائقة الجمهور الجزائري: كرة القدم كفعل عاطفي
لفهم موقف الجماهير من زروقي، يجب أولًا فهم الذائقة الكروية الجزائرية نفسها.
الجمهور يحب اللاعب الذي يضغط، ينفعل، يحتج، يصنع لحظة واضحة، ويترك أثرًا عاطفيًا مباشرًا. في الذاكرة الشعبية، اللاعب المقاتل غالبًا أعلى قيمة من اللاعب المفكر، حتى وإن كان الثاني أكثر فائدة على المدى الطويل.
زروقي هادئ أكثر مما ينبغي لمدرجات تحب الجنون. صامت في ثقافة تقدّس الانفعال. ثابت في عالم يعشق الفوضى. لذلك يبدو لكثيرين «غير موجود»، رغم أن غيابه غالبًا ما يكشف قيمته أكثر من حضوره.
إقرأ مقال أغنية «هيلا يا رمانة»… كيف تحوّل هتاف بسيط إلى ظاهرة جماهيرية غزت كأس العرب 2025؟
ما الذي يراه المدرب… ولا تراه المدرجات؟
المدرب لا يشاهد الكرة، بل يشاهد العلاقات بينها. لا يطارد الهجمة، بل يراقب ما قبلها وما بعدها.
بالنسبة لأي مدرب، زروقي هو لاعب:
- منضبط تكتيكيًا
- نادر الأخطاء
- يخرج بالكرة تحت الضغط
- يقرأ الانتقال الدفاعي قبل حدوثه
- يعرف متى يضغط ومتى ينسحب
هو صمام أمان. لا يُلاحظ عندما يعمل، لكن الجميع يصرخ عندما يتعطل.
لهذا السبب اعتمد عليه مدربون مختلفون، وفي سياقات متباينة، لأن الاستقرار لا يطلب الضجيج… بل الدقة.
مقارنة غير عادلة: عندما يُطلب من اللاعب أن يكون غير نفسه
غالبًا ما يُقارن زروقي بلاعبين من طينة مختلفة تمامًا.
هناك من يلعب بالطاقة، ومن يلعب بالاندفاع، ومن يلعب بالعقل. زروقي من الصنف الأخير. لكن المشكلة تبدأ حين يُطالب بأن يكون ما ليس هو عليه.
عندما يُدفع للتقدم أكثر مما ينبغي، أو يُطلب منه التسجيل بدل التنظيم، يخسر هو… ويخسر الحكم الجماهيري معه.
عامل الهوية والهدوء الذي يُساء فهمه
لم يتكوّن زروقي كرويًا داخل الجزائر. شخصيته هادئة. لا يخاطب الإعلام كثيرًا. لا يلعب على وتر العاطفة.
وفي ثقافة كروية تُقدّس الانفعال، يصبح الصمت تهمة.
لكن الهدوء هنا ليس برودًا، بل طريقة تفكير. ليس نقص حماس، بل إدارة أعصاب. وهو ما تحتاجه المباريات الكبيرة أكثر مما تحتاج الصراخ.
عندما يغيب زروقي… تظهر الحقيقة
الغريب أن قيمة زروقي غالبًا لا تُدرك إلا عند غيابه.
حينها يظهر الفراغ في الربط، الارتباك في الخروج بالكرة، وزيادة الأخطاء. عندها فقط يُطرح السؤال المتأخر:
من كان يمسك كل هذا دون أن نشعر؟
خلاصة النبراس
رامز زروقي ليس لاعب مدرجات، بل لاعب غرف تحليل. ليس بطل لقطات، بل حارس نظام.
الجماهير لا تحبه لأنه لا يمنحها ما تريده عاطفيًا، والمدربون يعتمدون عليه لأنه يمنحهم ما يحتاجونه فنيًا.
وفي كرة القدم، كما في الحياة، هناك من يلمع… وهناك من يُمسك المصباح.
إعداد مجلة النبراس الأدبية والثقافية — بإشراف محمد دويدي.
تعليقات
إرسال تعليق