القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

غادة .. فتحي عبد العزيز محمد رفاعة / الشرفة

المحتويات
    لا يوجد عناوين
غادة .. 
" ماهي الاهانة ان لم تكن نوعا من التطهير بل انها اشد انواع الادراك ايلاما وسحقا "
دوستويفسكي ـ Достоевский
-1-
بمرارة تتذكر دائما بأن خطاها الواثقة, لم تكن تعرف طريقاً آخر بعيدا عنه , بينما كانت خطأه وفي عناد واضح , كثيراً ما تضل طريقها بعيداً عنها , تستعرض داخلها الان بأسي بالغ علوها الاجتماعي المميز الذي كان .. , وجملة القيود والمحاذير التي تحول دون مجرد التعرف أوالالتقاء بها , ناهيك عن طلب خطب ودها ، شىء ً بعيد المنال أذ لم يكن صراحة من المستحيلات , لأنها وببساطه شديدة تتحدر مباشرة وبجمالها الساحر الفتان من أرومة ذاك الفرع النادر من نخب حي " الهاشماب " و"السردارية " المثقفة والمرفهة بالوراثة , وذات المرجعية والوزن الحزبي الاعتباري الكبير , والثراء العريض , ورغم تهافت العديد من الخطاب ووجاهتهم , الا أن ظهورة فجأة وكطبيب جراح منظم ونابغة , وينتسب فوق ذلك مباشرة لسبط الشيخ ود " علم الدين " سيد السجادة النورانيه الكبري , وتأكد ترشحه بالتزكية للوزارة الائتلافية القادمة , ومتى .. ويا سبحان اللة ما فاز حزبه ذو الا غلبيه البرلمانية وفى أى أنتخابات نصفيه أو تكميلية قادمة , وما سينتظره بالطبع من مستقبل باهر وزاهي مفروش بالورود , كل ذلك على ما يبدو حسم مبكرا كل الامور لصالحه تماما , وبغير جهد أو حتي كبير عناء , على الرغم من أشتطاط الصراع الأسري الطويل والخفي وخلف الكواليس .
وها هى الان نفسها والمغلوب على أمرها , تجترلوحدها وبقسوة لحظات السعادة الاولي الافله , وزواجها الكبيرالضخم والخارق للمألوف , والذي رتب له فى ذاك الزمان الأخضر الراقي الجميل , ليتم وسط كل مظاهر الابهه والوجاهة الامدرمانية الرصينة والمتوارثة جيل بعد آخر , والذى جلبت مستلزماته بسفرها هي شخصيا ووالديها ولعواصم الموضة البعيدة , وعلى أيامها بيروت ولندن وباريس وبتذكره مفتوحة , والذي ملاء الدنيا بعد ذلك ضجيجا وصخبا وشغل الناس , وظل لفترة طويلة حديث كل مجتمع العاصمة المخملي .
ثم تطفر الان فجاءة وفي مخيلتها أزدواجية معايير كيله المغيتة لها , بعد ذلك والتي ما زالت رغم بعد السنين والشقه , مغلفه في عينية وتحضره مجرد زيف ورياء , رغم نفيه الدائم لكل ذلك , بل تجدها تصرخ داخلها وبضجر :
" ـ أنا أنحاز لك ولصغارنا .. وأنت بسلامة قدرك تنحاز لمن غيرنا .. ؟؟ا
-2-
تستدعي بحرقه الان في ذاكرتها المتداعية , فواصل خريف ثمانيني جامح تطبق بثقلهاعلى دنياهم , والتي يحسبها كل من حولهم بأنها حتماً ما كانت تمور سعادة وهناء , ولكن على النقيض من ذلك تستوقفها دائماً تناقضاته المبهمة , وصمته الساذج المحير , وحيده وما زالت وهي بقربه وبحجم توهمها البارحة فقط ..
بإمساكها ببارقة أمل عودته اليها نادماً , وبتلابيب ليله منفلتة أتت تبرق وترعد باتربه كاسحه وأمطار, لا قبل لحيشانهم الممتدة شموخ وأرتواء ما بين الموردة والخور بها ..
بمرارة تكاد تحسد عليها, كانت دائما وكلما سنحت الفرصه تأخذ زمام المبادرة ولتواصل حكيها الآخر الموازى والمختلف تفضفض بما فى دواخلها , وهم ونحن كنا بالطبع آذان صاغية ,وهي تقول يومها وفى دراما موجعه وفيما يعني أو يشبه التحسرعلى شىء مضئ أوأنقضي أو ضاع وكحلم مطوي قديم وبعيد ..:
ـ السماء بدأت تلك الليلة الليلاء, أشبه بقربه ماء منبعجة أنشرخت جوانبها فجاه , عن ماء سخي . البرد كان له صليل مسموع .. , والظلام الدامس له سطوه .. سطوة تتفوق على أي أحساس لها الان بالوحدة والوحشة .. , تتمدد هي والامل والاتربة العالقة كما الأوهام , تحاصرها بل وتطبق بكلكلها على مدي الرؤية بالخارج .. , الريح الهوجاء كانت هى الأخري لحظتها تضج بالخارج , تعصف مرتدة ثم تعوي .. تعوي ككلاب " زريقة " المسعورة , البرد بعناد يصم أذنيها تماماً , ويشظي سمعها ويجعلها تبدو والوحدة التي تطوقها سيان ، وأحساسها الجازم الان .., كما لو أنها تمتلكه تلك الليلة .. , أو لربما تمتلك نفسها هى على الاقل , وكينونتها وزمام المبادرة تسكنها بالاحري وللأبد قيود هذه الليلة مجتمعه , وغربتها الان بجواره , وخور " أبوعنجة " على مرمى ناظريها ، فارد جناحيه بحنو للسيول الجارفة والإمطار.., ليمتلئ في رمشه عين عن آخره ، وكأنه يتواطئا هو الآخر وعوامل الطبيعة في حركة التفاف كبرى حوله ، لتشل خطأه الواثقة اليوم عنوه عن العيادة وأجواء الهاشماب , وبقية الشلة بشارع الفيل .. .
تحاول أن تهدم بمعاولها حاجز الرتابة والصمت بينهم ، تحاول رغم ما يشيعه وجوده وسطهم وتكوم الأطفال من حوله من ألفة ومحبه , تحاول أن تتحرر هى نفسها من فوضى الرهبة والخوف الذي ينتابها , كلما حاولت الخروج عن المألوف ومواجهته وحسم ما بينهم من تجاهل وفتور ، تحاول وبأضعف
الإيمان الان ولو تسقط حجرا صغيرا فوق تلك البركة الراكضة بينهم من الصمت والوحدة , يقتاتها بالطبع تهميشه المقيت والمستمر لها وسطوته الطاغية , وهذا الخواء الذي يعتصرها ، تود فى تلك اللحظة بالذات لو تصرخ في وجهه وبأعلى صوتها: 
ـ لما تزوجتني ؟ اا .. , لما تزوجتني .. ومن دونهم كلهم .. ؟؟؟ ااا , غير أنها أنزوت فجاه مرتعبه أمام حضوره الطاغي .. ولم تفعل .. " .
-3-
بعرض الكون كله , كان ذاك اليوم يتشعب داخلها أخطبوط الوحدة ، وخيارها المتاح وما زال أن تقف هكذا دائماً عاجزة , وفي كل سانحة من مواجهته وحسم أمرها معه , والانتصار بجديه ولمعاني كبرياءها المهدرة ، هكذا طوعها بالسنين الطوال أن تستسلم للقهر وأن تبتلع بانتظام التهميش والدونية .., وأمام ناظريها أطنان الثلوج والحواجز التي أقامها دون مبرر معقول لتبعد بينهم في قسوة , فهو وبحكم القوامة وتحكمه في كل شىء , أحالها الى شيء أخر أشبة ما يكون بالدمية ,فهو ينشدها أن تكون دائما هكذا طوع بنانه ورهن أشارته ، متى ما أشتهاها , ليعود وبذات المنطق الغريب أن يودعها بعيداً عن محيط تفكيره , ولتلوذ بالاحري بشئون بيتها وصغارها , أما هي وبحكم تربيتها وتحضرها وثقافتها الظاهر للعيان, تتطلع للعودة لوظيفتها الجامعية المرموقة والتي هجرتها من أجله , وبأحدى البنوك الكبري وتطلعها لتستحوذ بالتالي على دور أكبر في حياته يتجاوز الإيداع والاشتهاء .. .
يومها وبالصدفه المحضة كانت تسترق السمع خلف الباب , مرتابة تفتعل لحظتها مناداته بتحفظ يستهويه , ليقوم بدورة بتقديم الشاي لصديق عمرة الوحيد وضيفه الاخصائى الشهير, بروفسير " موسي " , حين صدمها في تلك اللحظه , بصوته المنطلق على سجيته , وهو ربما ينهشها لمحدثه بتبجح وبدون أدنى كياسة أو حتى أدنى تحفظ , وهو يقول له بتكلف ونرفزه ممقوتة : 
ـ " .. لا..لا يا بروف "موسى" .. هي لا هذا ولا ذاك ؟اا, .. هي أختيار
..أمي طبعاً .. ؟ااوأنت تعلم بأنني دائماً أحترم أختيارها ..اا " , بحساسيتهاالمفرطه تجأهه وتوجسها , أدركت بالطبع بأنها حتما المعنيه و في كل ذلك ، لحظتها هتفت داخلها بحرقه :
ـ نعم أنا أختيار أمك .. وهل في هذا سبه .. يا دكتورمن أي نوع .. ؟؟ اا" , بل كادت أن تخرج عن طورها لتقتحم مجلسهم ولتصرخ في وجهه وأمام ضيفه:
ـ نعم أختيار أمك.. يا دكتور .. , ولكن أسفي الشديد .. أنك لم تبلغ رشدك بعد .. لتختار من هى فى مثلي .. اا " , غير أنها تماسكت بالطبع فجأة ولم تفعل , مرجحه كفت حيائها ، ولدرجه جعلتها تبتلع مختارة صوتها .. على مضض .
-4-
أما ثورتها العارمة ذاك الصباح الباكر بالذات , وتصميمها على الانفصال منه لا تحدها حدود ، ووالدتها وشقيقتها " علا " بالقرب منها يهدؤون من روعها وثائرتها , وهي تجار لهم بمر الشكوى , من تهميشه الواضح المهين لها ، وتحفظه الزائد والذي لا يتعمد بة شىء سواء الغاء شخصها وكينونتها .. , ويمنعها منعاً باتاً من العودة معززه مكرمه لوظيفتها المرموقة , وأمها بالطبع كعادتها دائماً بالقرب منها تواسيها بشفقتها المعهودة قائله :
قد يعجبك ايضا

.. ؟؟اا ووظيفة شنو .. ـ دور شنو كمان يا بنتي ؟ ..
ـ لا ترفسي نعمتك بيدك ", ولتواصل قائله : 
ـ " خليك من دى كله .. وأنتبهي لبيتك ولأولادك .. وبس .. كان عاداني ليك أم .. وصليحه ليك ؟؟ااا" , ولتلتفت لأختها متسائلة :
ـ باللة قولي لي يا " علا " يا بنتي .. ؟اا , فى ذمتك أختك دي شنو أسع الناقصها .. ؟! , لتنتفض منفعلة ولترد عليها: 
.. يا أمي صراحة أهتمامه بي .. وكلمة حب واحده .. " ما ينقصني
يثمن بها أخلاصي وتضحياتي .. , فهو حقيقة معي بجسده فقط .. , أما عقله وقلبه فمعها .. هي ؟؟؟ااا, حتي أنها قالت فى داخلها :
- ـ " وللحد الذي تجرأ معة البارحة .. وبدون أدنى مبرر معقول ليضعني في مقارنه .. غير متكافئة بيني وبينها ...ـ " وهو يعلم تماماً .. كم هي صديقتي ..؟؟اا" .. 
حينها كادت أختها ولتخرجها من وسوستها المزعومة , أن تسألها وفي جرأة غير عاديه عن من تكون تلك , التي سلبت لبه وعقله حقيقة ..؟؟اا, غير أنها ولمعرفتها التامة بحساسية سؤال مفترض كهذا, وما سيجره من ويلات وعواقب لا حصر لها , أنزوت فجأة مبتلعة صوتها هي الاخرى .. ولم تفعل .
بعد ذلك مضت بالطبع ، تبتلع بالسنين والغربه والتهميش ومر الشكوى ، بل أنزوت بعيداً متقوقعة حول نفسها ، تتقن ذاك الدور الذي رسمه لها المجتمع والأقدار والتقاليد القاسية ، ونسيت كل شىء تقريبا حتى بزوج فجر ذلك اليوم المغروز في شعاب ذاكرتها وما زال , والذي وصفته لنا بانة كان حقيقة متفرد الفرحة والروعة , والذي جاء يحمل البشرى الكبري والسارة والمنتظرة بالطبع والتي حلت بة هو شخصياً , وبوالدته الاستاذه المربية وعميدة كليات المعلمات ، وهم يستقبلون أفواج المهنيين باطلالة المولودة الانثي الأولي , وبعد سبعه من الأولاد الذكور . 
يومها وكالعادة نحرت الذبائح وعم الاحتفال والفرحة الداني والقاصي , وشلة الاهل والأحباب يلتفون حولها , وكالعادة يتسلل وبدون أستئذان فجاة , صوت القابلة حاجه " زينب " وسؤالها العفوي لتسجيل المولودة في سجلها أوكشفها المعهود : 
ـ " شن سميتوها يا دكتور؟؟.. " , ليأتي ردة العفوي والمذهل وفي بساطة وبأعصاب باردة :
ـ طبعا , .. سميناها " غادة "...؟ اا .
-5-
عندها ولاول مرة يراها تنتفض كالملسوعة في وجهه ، وكأنها تحاول أن تعلن إمامة وأمام كل الحضور, رفضها لتماديه المهين في غيه وابتلاعها بالسنين للمهانة والمذله , بل صوتها بالطبع جاء حاسماً وحازماً هذه المره بالذات :
ـ دكتور " طلال " , ليلتفت اليها غير مكترث وكما يحدث وفي كل مرة سابق ، غيرأنها كانت مصممه هذه المره , على أن تكسر والى الأبد حاجز الرهبة ، متخطية كل المحاذير لتقول له وبصوت واثق : 
"؟؟اا .. أرجوك طلقني ؟؟؟ااا.. وأسع وحالاً .. " ـ
شلته بالطبع المفاجاه , وأمام كل هذا الحشد من المدعوين ، ود لو يتماسك .. ود لو ينزوي بعيداً .. , بل ود لو يتقبل حقيقة خروجها الجاد والمعلن عن حياته ..
بحث طويلاً عن صوته المفقود ,.. ود لو يجده ليرد عليها ..
أويبتلعه حتى .. فلم يجده .. , فخروجه هو ألآخر كان مثلها ..غير عادي..
وبتحدي .. وبدون عوده .
تمت ,,,
فتحي عبد العزيز محمد
رفاعة / الشرفة 
1/12/ 2009م

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لقطة قريبة‏‏‏