القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

شتاءً للمبدع: ريزان علي حبش

شتاءً

شتاءً عند المساء ألتفُ يميناً و يساراً للأمامِ للوراءِ لا اكتفاء
أُلَمّلِمُ بقايا الخُبز المحروقِ من على الرداء
عندما كُنّا نُحمِّصُ خُبزنا على النار و أصابعُنا تُلدَعُ بشوقِ الشِواء
عندما كُنّا نأكلُ خبزةً مع ربِّ الفليلفة الحمراء وكأسَ شايٍ أعجميٌّ جاء من بلاد الغرباء
كأننا نملكُ الزمن و كُنّا أغنى الأغنياء
في الشتاء أجمعُ كلَّ ذكرياتي لأخبِئها في جيبِ الرِداء
لأدفِّئها خوفاً عليها من بردٍ دونَ إذنٍ إليَّ جاء
في الشتاء ألبسُ كنزةً ذات صريرٍ تُنيرُها في العُتمة مع شَعري لمعةٌ كأنها كهرباء
ألبسُ قفازاً جلدياً ميتاً من الحياء
البسُ بنطالاً من جوخِ الخِراف المسلوخةِ في العراءْ
أنتعلُ حذاءً جلدياً حزيناً وأسود الحظ كأنه أراد ما شاء فصار حذاء
ألبسُ و ألبسُ و ألبسُ و أنتعلُ  فأدخلُ يداي في جيبي الفارغة المنتظرةْ
أرتجفُ و أرتجفُ كأنني أحتضر هناك
لا دِفئَ ُيدفيني ولا لباس يُغطيني
ولا حذاءَ يحميني
لا خُبزَ يكفيني
لا مدفئةً تحويني
لا بابَ يسترتي
كأنها روحي التي تَبرُد و جسدي الفاني دافئٌ يضنيني
ألتفُ يميناً ويساراً أتفقدُ صوري القديمة ودفاتري المُهترية و علبة الورد اليابسة و خاتمي الحديدي
 وصورة الهوية السوداء و علبة الدخان الحمراء
أسألُ أمي ؟مرة وألف مرة عندكم كيف الشتاء ؟
فتُعطي الهاتف لأبي ويقول لي :
ماذا تريد بني من هذا السؤال؟ المستاء ؟
عندنا شتاءٌ فقيرْ بحجمِ حبةِ كستناء
شتاءٌباردْ كقلوبنا الصماءْ
شتاءٌ وحيدْ كأبٍ بلا أبناء
شتاءٌ حزينْ كأمٍ تبكي ثلاثةَ شهداء
شتاءٌ ضريرٌ لا يرانا ونراهُ وكأننا  غُرباء
شتاءُنا يا بني شتاءُ القلب والروح
بنيَّ أقفلِ الخط أمُك ترتجفُ من البُعدِ و الجفاء
أقفلِ الخطَ حان وقتُ الدواء لأمك.....(صوت طنين الخط كأنه حبلا  انقطع بي في بئر يوسف و الذئاب أكلت روحي في العراء)
في الشتاء ماذا أقول لك يا أبي
أنتم هناك غُرباء
ونحن هنا تحولت روحنا من برد الغربةِ إلى أشلاء
لا لباسَ يُغطينا
ولا غطاءَ يَكسونا
ولا ناراً تدفينا
نحنُ بخير يا أبي نحن بخير
لا عليك يا أبتي  سنُلَملِمُ نفسنا و نصلي لكم ولنا في العشاء
وندعوا الله أن لا يبتلينا بأكثر من هذا البلاء
في الشتاء عند المساء
أغصُّ أنا بشُربةِ ماء
وكأنني حبةُ كستناء
كأني صوتٌ في الهاتف يقول: أغلقِ الخطَّ بني ...حان وقت الدواء
غافٍ أنا على جنبي الأيمن و كأني غفوتُ دهراً فأفقتُ على صوتِ المطر يخبِّطُ  على علبة التنكِ الصماء
شتاءً في المساء  كان مناماً كأنه وجعُ الأنبياء
وعدّتُ لنومي كالأموات كأنني
كفنٌ بلا روح
كأنني دميةً في حضن طفلة أبكتها أمُها قبل المساء
كأنني لا شيء  الآن يا أبتي
كأنني في يدك  حبةُ كستناء
حبةُ كستناء

Rezan Ali Habash
ريزان علي حبش
شتاءً للمبدع: ريزان علي حبش Thoughts of prose literature
شتاءً للمبدع: ريزان علي حبش Thoughts of prose literature