فضفضات (28):
______
اللهم اشهد أنَّني ما استخدمت يوما لفظا (أو ألفاظا) يفرق جماعة المسلمين، إذ أعفيت يراعتي من تلك البذاءات التي تفتت الجماعة إلى جماعات تسهل على الذئاب المترصدة مهمتها في القنص، وإنَّما كان سعيي ودأبي أن أجمع الإخوة الأعداء، وأن أغمس قلمي في رتق الشعث ولملته...
***
فالذين يظنون أنَّه برآء مما يبثونه عبر هذا الفضاء، ألا فاعلموا أنَّ المرء إذا ألقى عودا فغادر الغابة، فلما تناهى إلى مسمعه أنها احترقت نفى أن يقدم عود (وهو سليل فنن في شجرة من أشجارها) على حرق غابة بأكملها، لأنَّ بعض التصرفات الرعناء لا تَحسب مآلات النتائج وآثارها؛ ووالله إنَّ التعبئة التي وصلنا إليها اليوم قد بدأت تباشيرها من تلك التفريقات الغبية: مبردع، زوافي، قط، كاشير، بنان...، ولا أدري ما فاتني من تلك المصطلحات القميئة التي تدل على قصر نظر، وحقد مصبوب؛ لا حكمة راسخة ولا تؤدة مصاحبة ولا هم يحزنون...
ثمَّ ها قد افترقنا، وتشتتنا، وتفتتنا، وراح بعضنا يرمي عرض أخيه وعقيدته وكل ما يميزه كفرد في جماعة وكجماعة في المجتمع؛ ماذا جنينا بعد؟ اللهمَّ إلا الحزازات والإحن والأحقاد التي تزدادا يوما بعد يومٍ من أجل سياسات بالية بائدة، قد تأتي بخير وقد تأتي بنقيضه!
وأين فكر وروح وأخلاق الداعية، وفينا العالم، وطالب العلم، والمثقف، والمهندس، والطبيب، وما دون ذلك..؟! أأصبحنا كشعب -في خفقة البرق- يضرب بعضنا رقاب بعض.. من أجل ماذا؟ مستقبل غامض مبهم لا نعرف عنه سوى أنه لا يشبه أمسنا الداجي.. هل تحقق فينا قول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى == وصوَّت إنسان فكدتُ أطيرُ؟!
أو قول الشاعر(1):
أخلاء إذا استغنيت عنهم == وأعداء إذا نزل البلاءُ؟!!
ألا لعنة الله على الفتنة، ولا وفق الله كل من أسهم في إيقادها، فلا يُعتذر لها وله أبدا بأنَّ حق الردّ مكفول، فمن كفله؟ ألم يعد رب العالمين بمنزل في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا، وكيف وكثير منَّا يقول بحقٍّ وبباطل، بل ويتفنن في الافتراء وتصيَّد الأخطاء وتضخيمها ونفخها كيما تبدو عظيمة عملاقة، فيحشد الراد كل براهينه ودلائله ليدك من؟: أخاه وابن عمه، وصهره وجاره وابن جلدته دكًا!!
إذا كنت مأكولا فكن خير آكلٍ == وإلا فأدركني ولمّا أمزقِ!(2)
أما أنَّ هنالك صراع فلا أحد ينكر ذلك، لكنَّنا بحاجة إلى كل جزائريٍّ في هذه المحنة التي تمر بها بلادنا.. فتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.. أو بعبارة الحَراك البسيطة الساذجة «خاوة..خاوة..».
فاللهم اجمع أمرنا على كلمة سواء، إنك سميع مجيب والحمد لله أولا وآخر!
_____
1) البيت ينسب لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
2) البيت لشأس بن نهار المعروف بالممزق العبدي.
رؤوف بن الجودي
 |
| فضفضات جزء (28): للمبدع الجزائري: رؤوف بن الجوديThoughts of prose literature |
