القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

نيـّةُ حبّ.. قصة قصيرة. بقلم: سوسن الشريف/ مصر

نيـّةُ حبّ.. قصة قصيرة. بقلم: سوسن الشريف/ مصر

كم كان رقيقًا وهو يلتهم قلبي دون رفق .. ويخبرني أنه لم يشعر بالشبع بعد..

لم يستغرق الأمر ثانية، لكنه أبديّ..

هل كانت لديك النية في أن تضمني يومها؟!

 لقد قرأت هذا بوضوح في عينيك، كل الرغبة التي لم أرها من قبل، تعرفت عليها في نظراتك إليّ، عندما تعمدت الجلوس بعيدًا عني، أيقنت أنك تقاوم. كم هي مهمة صعبة، أن ترى من تحب أمامك، تجمعكما غرفة واحدة مهما اتسعت تشعر أنها ضيقة، مع ذلك الهدوء والدفء، وكل هذا الضعف الذي يبدو عليه دون أن تطمئنه، تربت علي كتفه، تمنحه صدرًا يلقي رأسه عليه، تضمه حتى كي يستكين كعصفور.

  لا أعلم عن شعور أيٍّ مننا أتحدث، فكلانا لا يجد حرجًا في الاعتراف بضعفه أمام الآخر، تُباعد بيننا الشهور والسنوات، ويبقى هذا العهد غير المنطوق، ليقربنا ثانية، نبدأ اللحظات الأولى من كل لقاء بعبارات لوم وعتاب غير حقيقي، يقابلها اعتذارات وأسف حقيقي، يذوب شوقًا ورغبة، ومعرفة أكيدة بالغفران والسماح.

  حفظت ما سيحدث كل مرة، فأنت منظم لدرجة لا تغير ترتيب خطواتك، كلاعب شطرنج يواظب على خطة نابليون، على يقين بأن اللاعب أمامه يعلم ما سيقوم به، ومع ذلك ينهزم بكثير من الألم، نابع من حب يضاهيه في القوة والعمق. وفي نهاية كل لقاء، يكون القرار حاسمًا بعدم العودة، ويتكسر هذا الحسم والإصرار على صخرة الشوق والحنين، فلم أحب لهذه الدرجة من قبل، ليس لأنك أكثر الرجال جاذبية أو وسامة، لكن لأن حاجتي للحب أقوى من رغبتك في تذوق كل النساء، وبهذا الحب صنعت منك رجلًا حقيقيًا.

  حين ألقاك أكون خالية الوفاض، طيبٌ قلبي من كل ألم، وإذا جمعتنا الصدفة وأنا بعد غير مستعدة، تكون أنت الطبيب وابتسامتك الدواء. في لقاءنا الأخير كنت مختلف لحد أنني لم أتعرف عليك، نبرة صوتك، نظرة عينيك، كلماتك، من أتيت بكل الطيبة تكسو ملامحك؟ والوداعة والصبر على كلماتي اللاذعة؟ ولا أخفي عليك أن الشر الذي ألقيته بداخلي نضج تمامًا، وينتظر لحظة الميلاد، منتفضًا أمام هذا الضعف الحقيقي منك.

  قبلتك لم يدم تأثيرها طويلًا، لم تشفع لك، بل أنها زادت من حنقي عليك، واستغلالك لخلونا خلف بابٍ مغلق بمفردنا.

  أنا وأنت .. بمفردنا .. خلف بابٍ مغلق ..

  بعد عامين من الشوق، وأعوام من الحب المستحيل، وحاجتي لأستكين بين ذراعين متجاهلة أصوات الانتقام والكرامة والتقاليد، وأن أكون لك، لك أنت دون أي رجل سواك، وقد جلست أمامي، تُخفي رأسك ووجهك بكفيك، كطفل شاعر بخطئه، فاقد الحيلة، كمذنبٍ معلنٍ التوبة على كرسي الاعتراف.

  لكن من تظنني لأمنح لك صكوك الغفران! لستُ سوى امرأة تأتي لها ملتحفًا بالخطايا، تعيش أيامًا من البراءة والحب، ثم تذهب ملقيًا بها إلى أبعد مكان عنك، وتُعيد الكرة، مرة بعد مرة.

 خطيئتك الكبرى أنك لا تعرف الحب، فقط، تعرف كيف تمارس الحب، كعاهرة محترفة، تمنح السعادة لدقائق، لكن قلبها خالي من النبض، وقد أصابه الضمور، فتجد مكانه خاويًا في صدرها الممتلئ بالشهوة، لا تعتبر أن ما تفعله مؤذيًا، فهي تبيع السعادة والمتعة، وكذلك أنت.

 يا الله .. لم أقابل خارج أسوار القصص والأفلام شخصية رجل يبيع جسده، تقتله الرغبة وهو على قيد الحياة!

 أيها الحبيب القديم، “المذنب في حقي” كما توقع على رسائلك دومًا، الغفران ليس من طبع العباد، لكنني مدينة لك بأول قبلة من حبيب، وبأنني شهدت نية حب صادقة تبدر منك لأول مرة، دعني قبل الرحيل، ألملم كل ما لديك من قسوة واحتفظ بها لنفسي، لعل ينبت لك ذات يوم قلبٌ أخضر مُزهر بالمحبة لا يؤذي أحدًا، ويمنحك حياة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المجموعة القصصية “وبينهما حجاب” لسوسن الشريف

}