القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قمرٌ بلا ضياء.. قصة قصيرة. بقلم: سعاد الزامك/ مصر

قمرٌ بلا ضياء.. قصة قصيرة. بقلم: سعاد الزامك/ مصر

قمرٌ بلا ضياء
 
  خرج من منزلها ثائرًا بعد رفض والدها، جمّعَ ذكرياته، حزم حقيبة يأسه، واعتلى متن سفينة بصك اللا عودة. ظهرت فجأة أمامه على صفحة الماء، أغلق عينيه، ثم أعاد فتحهما عدة مرات. باغتت وحدته تلك الغيداء المتشحة بالسواد، يتوج جبهتها إكليل من الوردات البيضاء، ويُطَعِّمه بعض من حبات الدُر المتلألئة. امتطت موجة هادرة، جالت هنا وهناك برشاقة لا نظير لها، راحت تحملق بعينين زانهما الشغف في ملامحه. علت الدهشة المُقل، تسربل شروده من حُسنها بالهلع.. من أين أتت تلك الأنثى الفريدة؟ كيف ظهرت دون مقدمات؟ أسئلة سكنت كيانه، فضربته بأعاصير مختلطة من وجل وهيام. صرخ أحدهم: فروا، انجوا بأنفسكم، إنها تبحث عن ضحية جديدة.
دنا منها، ولم يبال بما سمع بعدما شغفته حيرةً: من أنتِ؟
أجابت: فتاة عشقت بصدق، وفارقها من أحبت، تركها مضغة تلوكها الأشواق دون جريرة منها، لم تستطع تحمل مشقة الحنين ونظرات شفقة تعاطفت مع فؤادها الذبيح. تَقلدت عزم الرجال، لأنتزع حلًّا لمأساتي، وامتطيت السفينة نفسها التي أراد الفرار بها من ملاحقة أسرتي للفتك به. لم أغادر الغرفة لعدة أيام حتى أوشكنا على الوصول إلى مُبتغانا، وشعر أخيرًا بالأمان. دلفت إلى غرفته أستحلفه بحبنا وما كان بيننا من وصل، تذمر، وألقى معاذيره لتستقر على أرض البهتان، لم أجد مفرًا من قتله للثأر لقلبي المخدوع.
انتزعت قلبه، واحتفظت به بين طيات ثيابي، استحال الرداء الوردي إلى السوا،. أقسمت بالانتقام من كل خائن لحبه حتى ولو شَرَيتْ روحي للشيطان، ثم ألقيت بنفسي في البحر، احتضنتني الأمواج الهادرة، وصحبتني إلى الأعماق.
فغر فاه الدهشة قائلًا: كيف، وأنت الآن ها هنا ملء النظر والفؤاد؟!
أجابت: تمثل لي بعد أن أوشكت على الغرق، منحني تلك الحياة السرمدية على صفحة المياه لأحتسي الانتقام من شرايين الغدر، كان شرطه الوحيد أن أهبه قلب أحد الخائنين في نفس الموعد من كل عام.
لطالما بنفس الموعد تزينت بكل سبل الإغواء، واتشحت بثوب حدادي، وتعطرت بقطرات من الفتنة. كل من رآني ونجا من براثن الانتقام أقسم بأنه لم يعد له قناعة بالقمر دون بهائي، بل لا يتزين القمر سوى بملامح أنوثتي. بت أظهر للسفن باحثة عمن يحاول التقرب مني والتودد لقلبي، فأدنو منه مع ابتسامة رائعة على كرزتي اليانعتين، أرويه من رضاب الانتقام، وأنقش على جبينه حروف اسمي، ثم أعود بقلبه الغادر إلى الأعماق، بينما تتعالى ضحكات ظاهرها الفرحة وباطنها العويل.
دمعت شرايينه، فراودت الآمال شغاف قلبيهما البتول، وتوددت المآقي لوصلٍ حُمرته الخجل ونبض سُندسي. قاسمته بالإخلاص، ثم غاصت، واختفت كما ظهرت فجأة، تبعها إلى الأعماق.

}