القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

في زمن الكورونا.. قصة قصيرة. بقلم: روزيت عفيف حدّاد/ سوريّا.

في زمن الكورونا.. قصة قصيرة. بقلم: روزيت عفيف حدّاد/ سوريّا.

 في زمن الكورونا.
أمام أوراقي وقلمي تختال بنات أفكاري وتتغاوى، تحاول جذب انتباهي بلطف ومودّة. تقدّمتْ واحدة عنيدة، حاولتُ إبعادها، تحدّتني، تركتُ كلّ شيء وأهملتها، عندما عدْتُ، وجدتها تنتظرني وتستفزّني: أنتِ امرأة مسنّة، أصبحتِ سريعة العطب، يخاف عليك أولادك، أعلنوا عليك الحجر وألزموك البقاء في المنزل: المسنّون مناعتهم ضعيفة. ما هذا الهراء؟ أسرعت إلى مرآتي أسألها، توقّفت قبل أن أصلها، ماذا لو أنّ المرآة أيّدتْ كلامهم؟ ماذا سيكون ردّي عليها؟ تراجعتُ فوراً حفظاً لماء الوجه.
سئمتُ من المنزل، من الرّسائل والأفلام القصيرة ومن النّصائح على وسائل التّواصل الاجتماعي. لا أحبّ التّلفزيون وثرثرة المذيعين المتواصلة وحواراتهم المتكررة، يفرضون علينا الصّمت ، وأنا أحبّ الكلام والحوار والنّقاش والتّسلية مع ناس حقيقيين موجودين معي.
نزلتُ إلى الشّارع لأتمشّى قليلاً، حركة المواصلات العامّة عاديّة لكنّ الرّكاب قلائل. أمام مكتب البريد يصطفّ النّاس رتلاً أحاديّاً مع الاحتفاظ بمسافة أمان، متر واحد تقريباً خشية العدوى، يدخلون المكتب بالتّتالي حرصاً على صحّة الجميع. وصلتُ البقّالية، عربات التّسوق في مكانها، الزّبائن قليلون، والمواد الغذائيّة متوفّرة. الوجوه كامدة فارقتها الابتسامة وغادرها وهج الحياة.
اشتريت حاجتي. عدْتُ خائبة حزينة بينما كنت قد خرجت بحثاً عن الفرح والتّفاؤل والنّشاط.
نسّقتُ المشتريات بعد أن أشبعتها غسلاً وتعقيما.
فتحتُ النّافذة التي تطلّ على الصّفصافة الجميلة، حطّ عليها جارنا البلبل، حرٌّ طليقٌ، يشدو مرحّباً، وأنا داخل القفص. ملّت الطّيور وحدتها، أين النّاس والأطفال، الملاعب خالية والأراجيح مهجورة تئنّ وجعاً وشوقاً إليهم.
غداً عيد الأمّ!
سأحضّر طعاماً يحبّه ابني وعائلته وستكون الحلوى مفاجأة المناسبة فأنا أعرف ما يفضّلون.
جهّزت كلَّ ما أحتاج. سأرتاح قليلاً قبل العمل.
في المساء، رغم التّدفئة الجيّدة، تسلّل البرد إلى عظامي، عطستُ وآلمتني رأسي، ارتفعت حرارتي، رعباً أم مرضا؟ هل أُصِبتُ بالعدوى؟ قد أعدي أولادي؟ تملّكني الذّعر؛ استنكفتُ عن مشروعي الاحتفالي وأنا في قمّة القهر.
عيد الأم، بالنّسبة لي، هو أجمل الأعياد. فيه يلتئم عقد العائلة مع طيب الكلام ومتعة الحديث والورد والذّكريات الجميلة واللعب مع الأحفاد. لن أحوّل هذه المناسبة العظيمة إلى ذكرى أليمة، إلى سبب لنقل العدوى، ربما أكون مريضة. بدأت دموعي تنهمر سخيّة، لن يكون عيد، لن أعانق أولادي، لن أقبّلهم، لن أفرح، لن أسافر إلى ابني الثّاني الذي ينتظر مولودته البكر بين ساعة وأخرى، لن أضع يدها الملائكيّة في راحة يدي وألثمها بكلّ خشوع، مولود جديد يعني لي كثيراً، أشعر بالضّعف أمامه، أشعر بعظمته، أتأمّله، شعور روحانيّ يتملّكني حتّى أنّي أفقد الشّعور بجسدي.
السّفر يعني المواصلات، يعني التّواجد مع آخرين في مكان مغلق ولفترة طويلة، قد يكون أحدهم مصاباً أو حاملاً للمرض. فأمرض وأنقله، أنا، الأمّ، إلى أغلى النّاس عندي.
يا كوفيد 19! يا كورونا! من سلّطك على رقابنا، تحرمنا من سعادتنا، تؤرّق أيّامنا، مع وجودك لا وجود لأفراحنا.
لا عيد في زمن الكورونا؟
بلى! سنلجأ إلى التّكنولوجيا، نتحدّاك ونحتفل، نتسامر ونضحك، سأرى حفيدتي وقد بلغت عدّة دقائق من ربيعها، سأتظاهر أنْي ألمسها وأشعر بلمسها، سنلجأ إلى سكايب.

 

}