الى الكبير دريس بوذيبة
مساء الاعتراف الذي في المحبة،إدريس،أقصدُ بوديبة،وأقرأُ لكَ منذُ دهرِ الكتابةِ،ونلتقي،في الزمنِ الذي ولَّى إلى غير مَعاد،وكانَ زمناً شاهقاً كتابةً وقيماً نبيلة،وقد جئتهُ غضَّ الإهاب،طريَّ القلبِ،صادقَهُ(أما زلتَ كذلكَ ياقلبُ،ولمْ تعرفْ غيرَ المحبة،وهي منكَ وأنتَ منْ دمها الذي فيكَ ؟)،بفضاءِ الصفحةِ الثقافيةِ لجريدة"النصر"،وكانتْ "زربية"وكانت موشاةً بالإبداع،تستكينُ النصوصُ إليها،وكنتُ أراسلها بالبريد،وبخطِّ اليد،وقدْ أعدَّتْ لنا المتكأَ البهيَّ خطوطاً وألواناً،حتى إذا بدأتْ تستوي القصةُ على سوقها آناً بعد آنٍ،يدعوني إدريس للملتقى العربي "الأدب والثورة" بروسيكادا الجميلة(ولمْ نلتقِ أبداً)التي دخلتها باسمِهِ المديد فازدادَ في الذاكرةِ امتداداً،ورأيتُ خيرةَ الكتابِ طُرًّا،وهمُ الآنَ في الأعالي منَ السرد والشعر والنقدِ حضوراً وإشعاعاً،وكنتُ قاصًّا واعداً مقبلاً على الكتابة،فامتلأ القلبُ فرحاً،ومايزالُ متعرشاً في اخضرارِ النبضِ كلما التقينا بعدَ تلكَ السنين الخوالي،واستحكمتِ المحبةُ بيننا منَ شغافِ البراءة إلى وريدِ الصدق،مذَّاكَ،لتقيمَ في الحنايا غراماً،هذي الشهادةُ آيتها الكبرى،وقد دعتني إليها الصديقةُ سهيلة بورزق،ولمْ نفترقْ بعدها أبداً،والسؤالُ عنهُ لا يتوقف،واللقاءاتُ بيني وبينهُ اتسعتْ،هذي انفتاحاتها في"أحزانِ العشبِ والكلمات"،اتفاقاً واختلافاً،ولمْ يفسدْ للمحبةِ ودًّا،وكنا معاً في كثيرٍ من الملتقياتِ في الجزائر وغيرها،منْ سويسرا إلى تونس،والذكرياتُ آياتٌ أخرى،وقدْ سهرنا عندَ بحيرةِ جنيف إلى قمرٍ راقصٍ في الحكاية،وضحكنا في سيدي بوسعيد والشعرُ مُزْنٌ في المجاز،ولنْ أنسى التكريمَ بسيرتا العليَّةِ،ومعي الروائي الحبيب السائح،وكيفَ أنسى دعوتهُ الشقيقة لنادي الإثنين،واللقاءُ سميٌّ،والقاعةُ ملأى والحديثُ شهيٌّ،ويعرفُ في رحلةِ العمرِ انكساراتي في"الظلال المكسورة" وهذي الانتصارات في"حينَ يبرعمُ الرفض"،وكيفَ يهاتفني بسيرتا الشهية،وهو ببونةَ الملكية:
•طوبى لكَ جمالوف بها،وقد هرمنا...
فأقولُ ضاحكاً:
•إنِّي في ميعةِ العشقِ والقلبُ فتىً في دمِهِ الفتيِّ،وأنتَ العارفُ وقدْ أرختَ"انطولوجيا الشعر النسوي"...
هذي ضحكتُهُ الآنَ في هذي اللغةِ،ويعرفني بها،وأفرحُ حينَ يقرظني قرظاً جميلاً بلغتهِ الشفيفة،وقدْ قربني منْ فهمِ المبدعِ سيدي الطاهر وطار في رؤياهُ الناقدة المستنيرة،واستلهمتُ منْ شعرهِ الكثافةَ اللغوية،وقد اتسعَ خفقها في مكابدات الصوفية،هذي حرائقها ما تزالُ مشتعلةً رغمَ ضنكِ الإدارةِ عليهِ وعليَّ،ويبقى إدريسُ في وهجِ التاريخِ الثقافي،بما أبدعَ في الكتابةِ،وفي الإشرافِ على الملتقياتِ،وفي الدفاع عنِ التراثِ،وفي إنجازِ المكتباتِ احتراماً للكتابِ وتجلَّةً لمحبيهِ منَ البنينِ والبنات...
ذلكَ ما قمنا بهِ...
واللهُ والوطنُ والتاريخُ والأحبةُ العارفونَ المنصفونَ يشهدونَ حقًّا وعدلاً...
وذلكَ اختيارنا في الحياةِ وإنَّا لمعترفونَ ومفتخرون...
ومنْ منَ الألى بلا خطيئةٍ،الأنبياء في العصمةِ منَ الزمنِ الكهنوت،فليرجمْها ولو بمثقالِ ذرةٍ من حجرٍ صوَّان، وذلكَ ما لا يستطيعون،وأنَّى لهُمْ ذلكَ،ضعفَ الطالبُ والمطلوبُ...
ج/فوغالي...
في الاحتفاءِ بالصديقِ إدريس بوذيبة...
21/09/2020
والصورةُ من الزمنِ الرَّضيِّ،بدارِ الثقافةِ محمد العيد آل خليفة،أتوسَّطُ الشاعرةَ منيرة سعدة خلخال والشاعرَ إدريس بوديبة...