قصة قصيرة
السلطة...عندما ينهار الوحش
ألقي القبض عليه، وكبل بالأصفاد، ورصدت عليه حراسة خاصة، واقتيد الى العدالة.
وفي سرية تامة، عرضت أشرطة تعنيه، سبق أن حجزت لديه أثناء المداهمة، ويا لها من خلاعة وإباحية! يندى لها الجبين.
فقد يقضي الساعات الطوال، وهو يمتطي ضحيته، وكلما زادت صراخا واستنجادا إلا وزادها عضا ولكما؛ وكأن به جمعا من الأشرار، إلى أن يأتي عليها وعلى بكارتها، فيتركها تترنح في دمائها كالعصفور الذبيح، ويلقي بنفسه على البساط، يمدد رجليه فوق السرير، يشعل السيجارة ويأخذ ينفث دخانها في منتهى الهدوء والنشوة.
لم تقو رجليه على تحمله، وهو وجها لوجه أمام ما يعرض عليه؛ فانهارت قواه ليذهب في غيبوبة طويلة.
أثناءها: مثل أمامه شيطانه، ضاحكا، مستهزئا، شامتا فيه حاله ومآله، صارخا في وجهه: "إني بريء منك، إني أخاف رب العالمين..."
وهنا أيقن، أن عهده مع الشيطان قد نقض، وبخطء منه؛ يوم نكل ومن غير المعتاد عن تقديم التيس الأسود -وحيث لا يعذر أحد بالنسيان أو السهو- في ذلك اليوم المعهود من كل سنة؛ قربانا وتيمنا لذلك الولي الصالح، بعد أن دأب على هذا المنوال سنين وأعوام، فكان له ما كان في عالم السلطة والتسلط.
آنذاك، استحضر البداية، يوم نهض من فراشه مذعورا خائفا يتصبب عرقا، يتهته ويداه ترتعشان، تتحسس عنقه وكأنه يلتمس الخلاص من قبضة قابض.
لحظات مرت عليه، كانت بمثابة مخاض عسير استطاع تجاوزها بمشقة الأنفس، ما زالت عالقة في ذهنه، يحفظها عن ظهر قلب، بالرغم من قدم العهد، ولما سئل عن السبب، لاذ بالصمت، وكأن به سر تعهد على كتمانه.
وعند طلوع الفجر، قام وتوضأ، فاستبشر أهل بيته خيرا وتوسموا فيه التوبة النصوحة؛ إلا أنهم سرعان ما انتكسوا.
تأبط جلبابا من الصوف الأسود الخشن، ومن غير سلام او كلام او حتى من دون أن يكلف نفسه عناء إغلاق الباب من خلفه، وكأنه مساق بفعل فاعل، امتطى سيارته المشؤومة- عفوا الموشومة- وتوا الى أقرب سوق أسبوعي.
ترجل من على سيارته، تخطى الحشود من السوقة إلى أن توقفت عيناه على تيس أسود، يكاد وميض عينيه يتطاير شرارة؛ اقتناه مذعنا دونما أن يجادل صاحبه سعره.
أحكم تكبيله، وشده على ظهره إلى سيارته، أمام مرأى وغيظ طالبي العيش من الحملة.
انطلق بسيارته كالريح يطوي المسافات، حيث يرقد ذلك الولي الصالح الموصى به.
لقي ترحيبا من أهل الضريح، وكأنهم كانوا في انتظاره. أخذ يطوف بالضريح، حافي القدمين عاري الرأس، مقبلا ركنيات التابوت مقسما ان يكون من خدمته الأبرار.
وبعد تأدية فروض الطاعة، ومناسك الطواف. فك رباط التيس وأحكم قبضته عليه؛ شل حركته من تحت ثم أتى على نحره من أعلى، وتركه يمشي على قوائمه، والدم يفور ويفور إلى أن هوى أرضا جثة هامدة؛ فتعالت الزغاريد ودقت الطبول، وبدأت الحيرة والجدبة؛ فاختلط العيساوي بالكناوي، وميرا بحمو...
ولما انحرفت الشمس نحو المغيب، تناول صاحبنا قدحا من دم التيس، أفرغه جرعة واحدة، فتنفس من خلالها الصعداء.
حضر الطعام وكان كسكسا حلوا بلا طعم، وقدم في قطع من الطين الأسود القاتم. فتهافت عليه الحضر، من كل صوب وحوب، وكأن بهم جوع ذئاب في برد قارس.
جن الليل، تفرق الجمع فاكفهر المكان. اقترب منه حفيظ الضريح ونصحه بالمبيت بالضريح، نزولا عند رغبة أهل الضريح. فلم يجد بدا من الإنصياغ.
إلتحف جلبابه وانزوى بركنية بالضريح، وأسند رأسه على يديه واستسلم للنوم العميق.
وفجأة، نهض من غيبوبته مذعورا خائفا، وهو يصرخ أمام الملأ وأمام ذهول أعضاء المحكمة، وبأعلى الأصوات: إني ضحية شيطان إني ضحية شيطان... إني بريء إني بريء ياعالم...
تأليف: أ. عبدالاله ماهل
الدار البيضاء/المغرب