"إنني أسكبُ حُبي في دموعي... يا ليلى، ما لَكِ والدمعُ يَهون!"
في تاريخ الموسيقى العربية، تقف أغنية أنا وليلى للفنان الكبير كاظم الساهر كرمز للحب العذري والشوق العميق. لكن وراء الشهرة العالمية التي حصدتها هذه الأغنية — والتي تتصل بجذور الفلسفة في الشعر العربي القديم من حيث عمق التجربة الإنسانية — تكمن حكاية حقيقية عن طالب جامعي عراقي كتبها في ليلة انكساره بعد أن صدمه الواقع.
الأسباب الخفية لنجاح "أنا وليلى"
لم تكن القصيدة مجرد خيال شعري، بل توثيقًا لمعاناة حقيقية عاشها الشاعر حسن المرواني، الطالب في كلية الآداب بجامعة بغداد. ومن خلالها استطاع أن يعبّر عن حبه الموجوع بلغة قريبة من تلك التي نقرأها في رثاء بغداد، حيث يتداخل الحزن الشخصي بالحزن الجمعي.
طالب كلية الآداب والحب المستحيل
في أروقة الجامعة، وقع المرواني في غرام زميلته ليلى، فتاة من عائلة مرموقة. رفضت حبه برفق، فتركته مكسورًا يكتب قصيدته بدموعه قبل حبره، تمامًا كما فعل بدر شاكر السياب في "غربة الروح"، حين حول وجعه إلى جمال خالد.
ميلاد القصيدة على خشبة المسرح
لم يكن المرواني ينوي نشر القصيدة، لكن صديقه أصر على أن يلقيها في حفل تخرّج الكلية. وقف الشاعر أمام الجمهور متردداً، بينما كانت ليلى تجلس إلى جانب خطيبها.
- لحظة الصمت: ساد الصمت القاعة وبكى الجميع، إذ لامست كلمات القصيدة مشاعر كل عاشق حزين.
- الانتشار: بعد الحفل، انتشرت القصيدة كالنار في الهشيم بين الطلاب، ثم عمّت العراق، لتصبح جزءًا من الذاكرة الجامعية والأدبية، مثلما خُلّد الشعر الوجداني في قصيدة "كن بلسماً" لإيليا أبو ماضي.
رحلة القصيدة من العراق إلى العالمية
اختفت القصيدة مؤقتًا، لكن القدر شاء أن يسمعها كاظم الساهر في إحدى أمسيات بغداد، في زمن كانت الأغنية العربية تبحث فيه عن المعنى العميق، كما في النهضة الأدبية في العصر الحديث التي جمعت بين الأصالة والتجديد.
5 سنوات من البحث: عندما وقع كاظم الساهر في حب الأبيات
أحب الساهر القصيدة بجنون، وكرّس خمس سنوات من حياته للبحث عن كاتبها. وأخيرًا، عثر على المرواني في ليبيا، حيث كان يعمل معلماً بسيطاً. عند اللقاء، بكى الشاعر حين علم أن كلماته ستُغنّى للعالم، مؤكدًا أن الحبر سال ليلة انكسار طالب أحبّ بإخلاص.
التصنيف ضمن أفضل 10 أغاني في العالم
أصدر كاظم الساهر الأغنية عام 1998 بعد تلحين دقيق اختصر القصيدة مع الحفاظ على جوهرها. وبعد أربع سنوات، صُنفت ضمن أفضل عشر أغانٍ في العالم عام 2002، لتصبح الأغنية العربية الوحيدة في القائمة. نجاح يوازي ما صنعه الأدب العربي حين تجاوز حدوده الجغرافية في أعمال مثل محمود درويش .
ليلى تعود بعد 25 عاماً: رسائل العتاب والمصالحة
بعد ربع قرن، عادت ليلى لتسمع الأغنية وتكتشف حقيقتها. وبعد وفاة زوجها، تواصلت مع المرواني برسالة عبر الإنترنت. وعندما عاتبته على تصويرها وكأنها خائنة، أجابها بصدق يشبه صوت الضمير الذي نقرأه في مقال "لو أحسن الناس" للمنفلوطي:
"الشعر يبالغ أحياناً... والقصيدة خرجت من حزن مركب، منها حزني عليكِ ومنها حزني على وفاة أخي."
تبادلا المسامحة، واعتبرا أن الحب الأول لا يموت، بل يتحول إلى قصيدة تحفظها ذاكرة الأمة. وهكذا بقيت أنا وليلى أغنية خالدة تُغنى في الحفلات وتُروى في الكتب والمجلات، تمامًا كما تُروى القصائد التي غيرت الوجدان العربي.
#مجلة_النبراس #ثقافة #أدب #كاظم_الساهر #أنا_وليلى #حسن_المرواني #الحب_العذري #قصص_واقعية #فن_عراقي #أغاني_خالدة
إعداد مجلة النبراس الأدبية والثقافية — بإشراف محمد دويدي.

تعليقات
إرسال تعليق