ما أشبه الليلة بالبارحة! لمحة عن القصيدة والسياق التاريخي
عندما دخل المغول بغداد بقيادة هولاكو سنة 1258م، أسقطوا عاصمة العباسيين وأراقوا الدماء في واحدة من أفظع المذابح في التاريخ. وقف شمس الدين الكوفي يشهد الدمار ويصوغ لوحته الشعرية الأبدية، التي بقيت شاهدة على ذلك الألم.
نص القصيدة الكاملة: صوت من الماضي ينادي الحاضر
عـــنــدي لأجـــــل فــراقــكـم آلام
فــــــإلام أعــــــذل فــيــكـم وألام
مــن كان مـثلي لـلحبيب مـفارقاً
لا تــعــذلــوه فــالــكــلام كِــــــلام
ويـذيب روحـي نـوح كـل حمامة
فـكـأنـمـا نــــوح الـحـمـام حــمـام
إن كــنـت مـثـلـي لـلأحـبة فـاقـداً
أو فـــي فـــؤادك لــوعـة وغـــرام
قـف فـي ديـار الـظاعنين ونـادها
يـــا دار مـــا صـنـعت بــك الأيــام
يـا دار أيـن الـساكنون وأيـن ذياك
الـــبــهــاء وذلـــــــك الإعــــظـــام
يــا دار أيــن زمــان ربـعـك مـونقاً
وشــعــارك الإجــــلال والإكــــرام
يــا دار مــذ أفلـت نـجومك عـمنا
والله مـــن بــعـد الـضـيـاء ظــلام
يـــا سـادتـي أمــا الـفـؤاد فـشـيق
قــلــق وأمــــا أدمــعـي فـسـجـام
والدار مذ عدمت جمال وجوهكم
لــم يـبـق فــي ذاك الـمـقام مـقـام
وحـيـاتكم إنـي عـلى عـهد الـهوى
بـــاقٍ ولـــم يـخـفـر لـــدي ذمـــام
فـدمـي حــلال إن أردت سـواكـم
والـعـيـش بـعـدكـم عــلـي حــرام
يــا غـائبين وفـي الـفؤاد لـبعدهم
نـــار لــهـا بــيـن الـضـلـوع ضــرام
لا كـتـمـكـم تــأتــي ولا أخـبـاركـم
تـــــروى ولا تـدنـيـكـم الأحــــلام
نـغـصـتـم الــدنـيـا عــلـي وكـلـمـا
جــد الـنـوى لـعـبت بــي الأسـقام
ولـقيت من صرف الـزمان وجوره
مــــا لـــم تـخـيـله لـــي الأوهـــام
يـا لـيت شعري كيف حال أحبتي
وبــــأي أرض خــيـمـوا وأقــامـوا
مــالـي أنــيـس غــيـر بـيـت قـالـه
صــب رمـتـه مــن الـفـراق سـهام
والله مــا اخـتـرت الـفـراق وإنـمـا
حــكـمـت عــلــي بــذلــك الأيـــام
لماذا تشبه قصيدة بغداد مأساة حلب؟
عندما نقرأ القصيدة اليوم، يختلط الماضي بالحاضر، وتذوب الحدود بين بغداد وحلب:
1. ألم الفراق
“عندي لأجل فراقكم آلام”... نفس الكلمات التي يقولها اليوم من فقد عزيزاً تحت الأنقاض أو فرّقته الحرب عن أهله. الألم الإنساني واحد.
2. نداء الديار
“قف في ديار الظاعنين ونادها يا دار ما صنعت بك الأيام”... هذا النداء هو ذاته ما يردده أبناء حلب وهم يقفون أمام بيوتهم المهدمة يتساءلون: أين الجمال؟ أين الأهل؟ أين الحياة؟
3. سؤال المصير
“يا ليت شعري كيف حال أحبتي وبأي أرض خيموا وأقاموا”... هو سؤال النازحين والمشردين في كل مكان، سؤال لا جواب له يزيد القلب قلقاً والأدمع سجاماً.
4. براءة الضحية
“والله ما اخترت الفراق وإنما حكمت علي بذلك الأيام”... يؤكد الشاعر أنه ضحية لقدر محتوم، تماماً كما يشعر أهل حلب وسوريا، أنهم دفعوا ثمناً باهظاً لقرارات لم يشاركوا فيها.
خاتمة: الشعر ليس مجرد كلمات، إنه ذاكرة الأمة
قصيدة “رثاء بغداد” ليست مجرد نص أدبي نحمله في الكتب، إنها نص الريادة في التعبير عن المأساة الإنسانية عندما تتدمر المدن. إنها تثبت أن الألم واحد وإن اختلف الغزاة واختلف الزمان. إن قراءتنا لها اليوم ليست للحزن فقط، بل للتذكرة بأن المدن تموت وتُبعث من جديد، وأن الكلمة تبقى شاهداً أبدياً على ما حدث.
دعوة للتفاعل
- ما البيت الذي شعرت أنه يعبر عن حالتك أو حالة بلدك؟
- شاركنا بمقطع شعري أو نصي يخاطب مأساة إحدى مدننا العربية.
إعداد مجلة النبراس الأدبية والثقافية — بإشراف محمد دويدي.
#مجلة_النبراس #رثاء_بغداد #شمس_الدين_الكوفي #حلب #أدب #ثقافة #تاريخ #شعر #نصوص_مؤثرة #GoogleDiscover




تعليقات
إرسال تعليق