شهر رجب: لماذا يربك الناس ويثير الفضول كل عام؟
يُعتبر شهر رجب من الأشهر التي تثير تساؤلات متكررة مع مطلع كل عام هجري. لا يدخل هدوءًا، بل يأتي محملًا بأسئلة وجودية وفقهية: هل هناك دعاء أول ليلة في شهر رجب؟ وهل ثبت عن النبي ﷺ فضل خاص لهذه الأيام؟ في هذا المقال، نفكك حالة الجدل الجماعي المرتبطة بهذا الشهر ونوضح الأمور بشكل عملي وهادئ.
لماذا يربك شهر رجب الناس مع دخوله؟
يتحول شهر رجب في الوعي الجمعي إلى مساحة من القلق بدل أن يكون واحة للطمأنينة. هذا القلق لا ينبع من تكليف شرعي جديد، بل من الالتباس في المعنى. يبحث الناس عن "صك غفران" أو "عبادة مخصوصة" تمنحهم شعورًا بالرضا، مما يحوّل الشهر من زمن للعبادة إلى امتحان صامت للضمير.
سيكولوجية الخوف من "البدعة" أو "التقصير"
التكرار السنوي للأسئلة حول رأي دار الإفتاء في شهر رجب أو الأحاديث الثابتة لا يعكس شغفًا معرفيًا بقدر ما يعكس خوفًا بسيطًا ومفهومًا:
- الخوف من الابتداع: فعل شيء لا أصل له في الدين.
- الخوف من التفويت: ترك فضيلة كان ينبغي اغتنامها.
هل هناك دعاء خاص لأول ليلة في شهر رجب؟
الإجابة العلمية الواضحة التي لا تحتمل المواربة: لم يثبت عن النبي ﷺ دعاء مخصوص أو صيغة محددة لأول ليلة من شهر رجب.
فك الاشتباك: الدعاء المطلق مقابل المقيد
لفهم هذه النقطة، يجب التفريق بين مفهومين أساسيين في الفقه الإسلامي:
- الدعاء المطلق: مشروع ومستحب في كل وقت، وفي كل شهر. من دعا الله في رجب فقد أصاب خيرًا كبيرًا كونه في شهر حرام.
- الدعاء المقيد: ربط صيغة معينة بزمان معين. هذا النوع يحتاج إلى دليل شرعي صحيح (نص من القرآن أو السنة)، وهو ما يفتقر إليه شهر رجب.
الخلاصة: من دعا الله بما يشاء في أول رجب فقد دعا دعاءً مشروعًا. أما من اعتقد أن هناك "صيغة سرية" أو ثابتة نبوياً لهذه الليلة، فقد قال ما لا دليل عليه.
حقيقة الأحاديث المنتشرة عن فضل رجب
ينتشر بين العوام حديث: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان". الحالة الحديثية: هذا الحديث ضعفه عدد كبير من علماء الحديث. الإشكال الحقيقي: لا يكمن الضعف في المعنى (الدعاء بالبركة حسن)، بل في تحويله إلى طقس جماعي إلزامي يُعامل كأنه ركن من أركان الدين.
لماذا يغيب الوضوح عن شهر رجب في المخيال العام؟
يصف الباحثون رجب بأنه شهر "بلا وظيفة واضحة" مقارنة بغيره:
- رمضان: شهر الصيام والقيام.
- ذو الحجة: شهر الحج والأضحية.
- رجب: شهر حرام، لكن لا توجد فيه شعيرة مركزية كبرى.
في الثقافة الشعبية، ما لا يُحدَّد يُبالغ فيه. وحين يغيب النص الصريح على تخصيص عبادة، يملأ الناس هذا الفراغ بالأسئلة الملحة أو الممارسات التي قد تصل حد المبالغة.
موقف الصحابة ودار الإفتاء: منهج الاعتدال
لم يُنقل عن الصحابة تخصيص رجب بصيام أو قيام جماعي، بل كانوا يفرقون بدقة بين العبادة المشروعة والعادة التي تتحول لطقس. أما دار الإفتاء المصرية وغيرها من المؤسسات الرسمية، فغالبًا ما تميل إلى "مسافة الأمان الشرعية":
- لا دليل على التخصيص.
- لا حرج في العمل الصالح (صدقة، صلاة، استغفار) دون اعتقاد خصوصية ثابتة.
كيف تستقبل شهر رجب بطمأنينة؟ (دليل عملي)
- الدعاء الحر: ادعُ الله بكل ما يختلج في صدرك دون الالتزام بصيغ مخترعة.
- التهيئة لا الاستعراض: اجعل رجب شهراً لتهيئة قلبك لرمضان (توبة، استغفار، صلة رحم).
- العمل الصالح العام: الصيام أو القيام في رجب حسن، بشرط ألا تعتقد أنه "سنة خاصة برجب" بل هو من باب العمل الصالح في الأشهر الحرم.
كلمة أخيرة
شهر رجب ليس اختباراً عقدياً ولا فخاً للمؤمنين؛ هو شهر من شهور الله، فضله في كونه من الحرم. حين نعيده إلى مكانه الطبيعي، نعيد للعبادة بساطتها، وللدين هدوءه، وللإنسان طمأنينته.
المصادر الموثوقة:
إعداد مجلة النبراس الأدبية والثقافية — بإشراف محمد دويدي
.
تعليقات
إرسال تعليق