الشاعر محمّد برحايل موهبة فذّة
وزخم شعريّ فيّاض
بقلم عبد الله لالي
البناء الفنّي في شعره ..
وأُجْبِرُ الغِيدَ...بل أَسْتَلُّ..نَشْوَتَها *
* كَيْما..يُزَغْرِدْنَ لِي في مُنْتهَى الجِدِّ
يَرْفلْنَ في (محْفَلٍ)..تَزْهُو العروسُ بهِ * * وَفْدًا...بِمَقْدَمِها...يَهْفُو...إِلَى وَفْدِ
يَمْشِينَ..تَحْتَ سِتارٍ..صِيغَ..مُنْسَدِلاً * * يُخْفِي عليْنا..جِهارًا..رَوْضَةَ الوَرْدِ!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشاعر محمّد برحايل من قصيدته ( الفارس ).
يَرْفلْنَ في (محْفَلٍ)..تَزْهُو العروسُ بهِ * * وَفْدًا...بِمَقْدَمِها...يَهْفُو...إِلَى وَفْدِ
يَمْشِينَ..تَحْتَ سِتارٍ..صِيغَ..مُنْسَدِلاً * * يُخْفِي عليْنا..جِهارًا..رَوْضَةَ الوَرْدِ!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشاعر محمّد برحايل من قصيدته ( الفارس ).
يغلب على أسلوب الشاعر محمّد برحايل السّهولة
والبساطة ، وأحيانا يستعمل الألفاظ الدّارجة وربّما الأجنبيّة بشكل أقلّ ، وكثيرا
ما يستخدم الألفاظ القريبة من لغة العامّة وهي ما نسمّيه ( العامي الفصيح ) ، وسبق
أن أشرت إلى ذلك في بداية القراءة ، وقلت أيضا أنّه أحيانا – حسب المقام – يلجأ
إلى الألفاظ القويّة الفخمة من المعجم العربي البليغ ، وينوّع في أسلوبه الفنّي
مستعملا تقنيات كثيرة ، مما يجعل من النّص تحفة فنيّة بديعة ، ولكننا نقتصر على ما
شاع منها في شعره بشكل كبير ولافت..
1 - جمال الأسلوب وروعة التصوير:
الخاصيّة البارزة في شعر محمّد برحايل جمال الأسلوب
وبراعة التصوير إذ يُلحظان في أغلب قصائده ، ويرصّعان شعرَه بشكل يفتن القارئ أو
المتلقّي من أوّل وهلة ، فما يقرأ له المرء أوّلَ بيت في قصيدة إلا وينجذب إليه
وينطلق متلهّفا لقراءة القصيدة كلّها ، بل وإلى البحث عن قصائد أخرى يفتّش فيها عن
سرّ الجمال وروعة التصوير ، وهذه الخاصيّة هي في الغالب ميزان التفرّد والتميّز
عند الشعراء ، فإن فُقِدت في شعر من الشعر ؛ صار كلاما من الكلام وألفاظا إن لم
نقل أنّها باردة فهي فاترة باهتة لا تثير إحساسا ولا تستفزّ عاطفة..
ومن جمال الأسلوب عنده نجد السّلاسة والبساطة في
التعبير، فهو يقول الشعر كما يتحدّث، وينشد القصيد كما يُفضي لصاحبه بحديث نفسه ،
فلا إعضال في التعبير ولا تعقيد في الجُمَل ولا إغراب في الألفاظ ، حتى أنّه
ليُخَيَّل للقارئ أنّه يستطيع صوغ مثلَ ذلك الكلام ، فإذا ما حاوله لم يجد ما
توهّمه من قدرة ، ولا ما هجم عليه من قول ، لا يستطيعه إلا أصحاب المواهب الفذّة ..
ومن أمثلة جمال الأسلوب وسلاسته قوله من قصيدة (
يا خيمة الشَّعْرِ...ما أبهاكِ ) :
يا خيمةَ الشَّعر....يا مأوايَ في صِغَري * * يا
ملجئي المجتَبى في الحِلِّ والسَّفَرِ
حمراءُ في لونكِ الملواح...ميزتنا * * ( فعرشنـــا
)...أحمرٌ...في الأمــن والخـــطر
البساطة والسّلاسة تبدأ من العنوان ذاته ، إذ يوجّه
الخطاب إلى خيمة الشّعر بشكل مباشر وواضح ، ثم يناجيها قائلا أنّها وطنه في ومأواه
وفي صغره ، واستخدامه لهذه الألفاظ البسيطة الواضحة يدلّ على حُسن اختيار، وقدرة
فائقة على فَرْزِ اللّغة بشكل مُتقَن ، واختيار بارع ، وكما يقال عن الأسلوب
السّهل الممتنع ، فإنّ الشاعر محمّد برحايل أُوتي هذه المنحة الرائعة ، ألفاظ إذا
قرأتها فرادى وجدتها بسيطةً واضحة لا تعقيد فيها ، ولا إغراب ، ولكنّها إذا ارتصفت
في جمل بهيئة معيّنة ، لاحت لك من بين ثناياها المعاني البديعة والصّور الساحرة
الفتّانة
..
ولنتأمل هذه المقاطع الشعريّة من قصائد مختلفة ، ونلحظ بساطة التركيب وروعة الصّياغة ودهشة الإبداع:
ولنتأمل هذه المقاطع الشعريّة من قصائد مختلفة ، ونلحظ بساطة التركيب وروعة الصّياغة ودهشة الإبداع:
من القصيدة السّابقة ( يا خيمة الشَّعْرِ...ما
أبهاكِ ):
وانظر هناك ترى ( دادَّا )..بلحيته * * يرنو إلى
...مُهْرةٍ...تلهو بمنحَــدرِ
ويستشير حجاه:_كيف يجعلها * * تعلو حواجز...من
تِبْنٍ ومن حجر
كيما تصيرَ..ذلولا...حين يركبها * * أو قد
تميِّزَهُ...في العرس بالنظر
تصوير فنّي مدهش ، مشهد كأنّك تراه وتعايش أحداثه ،
ووقائع كأنّك عشتها وعرفت أصحابها ، وحلبتَ في إنائهم وأكلتَ من طعامهم ، وهذه
أبيات أخرى من قصيدته (الفارس):
وأُجْبِرُ الغِيدَ...بل أَسْتَلُّ..نَشْوَتَها *
* كَيْما..يُزَغْرِدْنَ لِي في مُنْتهَى الجِدِّ
يَرْفلْنَ في (محْفَلٍ)..تَزْهُو العروسُ بهِ * *
وَفْدًا...بِمَقْدَمِها...يَهْفُو...إِلَى وَفْدِ
يَمْشِينَ..تَحْتَ سِتارٍ..صِيغَ..مُنْسَدِلاً * *
يُخْفِي عليْنا..جِهارًا..رَوْضَةَ الوَرْدِ!!
وهنا مشاهد أخرى فاتنة وصور بديعة تتحدّر مع أسلوبه الرّائق كما تتحدّر قطرات الماء من المزن البارد في أوار الحرّ ولفحة الرمضاء ، وانظر إليه كيف يقول ( وأجبر الغيد .. ) ، إجبار فتنة وسحر وإدهاش لا إجبار قهر وإرغام .. ويزيد عليه مُصّعدا لهجته ( بل أَسْتَلُّ..نَشْوَتَها )، يعبّر عن تفاعل الغيد وطربهن لما رأينه من فروسيته باستلال النّشوة استلالا ، فلا يملكن إلا أن يعبّرن عن تلك النّشوة بالزغاريد ( يُزَغْرِدْنَ لِي في مُنْتهَى الجِدِّ ).. صورة تنطق بلا لسان وتضيء من غير نار ..
العامي الفصيح:
ومن تمام جمال الأسلوب استعماله العامي الفصيح ،
الذي هو اللّغة الجماهيريّة الأقرب إلى فهم النّاس ، لا تبتعد بهم كثيرا عن لسانهم
اليومي ، ومن تلك الألفاظ نسوق أمثلة من قصيدة ( الفارس) وهي: ( الفرْدِي/ زَنْدِي / مِحْفَلٍ ) وفي قصيدة ( يا شقيقي ) يوظّف كلمة (گُرْبِــــي )
ولفظتي (ماما) و(بابا) و (وبيْنَكَ...رَبِّــــــــــي) ومن
قصيدة (هذا حسابي..فدردشي) يستخدم ألفاظا أخرى مشابهة لها ( دردشي / خربشي / تَتَزَوَّشِــــي ) ونجد لها أخوات في قصيدة ( سجال
بين الثابت والجوال
) تكاد ألفاظُها كلُّها تكون من
العامي الفصيح ( خفيف / حر / بسلك أُجَر / كلام وسطر/ يريح العيون / بالتهام الجيوب / ).
ويُسمِّي قصيدة كاملة بعنوان عامي ( تشناف ) ويشرحه بقوله : تكبّر ، وهو في هذه الحالة يعتبر أنّ كلمة ( تشناف ) أكثر إيفاء بالغرض من اللّفظ الفصيح ، لاسيما في العامي المعروف لدى الجزائريين، وألفاظه يحدّدها بعناية إن كانت من العامي الفصيح أو العامي القريب من الفصيح أو له أصل فصيح ، إذ يضع ما كان عاميّا لم يَخِلُص إلى الفصيح تامّا ، يَضَعُه بين قوسين ، حتى يُدرك القارئ ذلك ولا يختلط عليه الأمر. وكثيرا ما يَلْجَأ إلى الشرح ليقرّب المعنى أكثر إلى القارئ ويحدّد له المقصود بدقّة.
ويُسمِّي قصيدة كاملة بعنوان عامي ( تشناف ) ويشرحه بقوله : تكبّر ، وهو في هذه الحالة يعتبر أنّ كلمة ( تشناف ) أكثر إيفاء بالغرض من اللّفظ الفصيح ، لاسيما في العامي المعروف لدى الجزائريين، وألفاظه يحدّدها بعناية إن كانت من العامي الفصيح أو العامي القريب من الفصيح أو له أصل فصيح ، إذ يضع ما كان عاميّا لم يَخِلُص إلى الفصيح تامّا ، يَضَعُه بين قوسين ، حتى يُدرك القارئ ذلك ولا يختلط عليه الأمر. وكثيرا ما يَلْجَأ إلى الشرح ليقرّب المعنى أكثر إلى القارئ ويحدّد له المقصود بدقّة.
لغة عالية:
ومع هذا فإنّ له معجما لفظيا من فخم اللّغة وفصيحها
العالي من مثل قوله:
( في فؤادي أَجتبِي كلَّ امرئ / فيَمَّمْتُ وَجْهِيَ / خَجْلَى مُنَكَّسَةً..مِنْ (غَثِّ) لَفْظاتِـــــي / أوعُنْوَةً..مِنْ كَفِّ هَيَّابِ / يا حبذاه...سنى...يلفاه...كناز / يجري جنى ...لا تشبعن ..زلالها ) ..
( في فؤادي أَجتبِي كلَّ امرئ / فيَمَّمْتُ وَجْهِيَ / خَجْلَى مُنَكَّسَةً..مِنْ (غَثِّ) لَفْظاتِـــــي / أوعُنْوَةً..مِنْ كَفِّ هَيَّابِ / يا حبذاه...سنى...يلفاه...كناز / يجري جنى ...لا تشبعن ..زلالها ) ..
وهي عبارات أخذناها من قصائد شتى تدلّ على تمكن
الشاعر محمّد برحايل من اللّغة ، وبراعته فيها بل وقدرته الفائقة على اختيار
الألفاظ الفخمة الجزْلة ، التي تجعل من المعنى صورة سنيّة ، ومشهدا فنيّا خلابا ،
كما يدلّ معجمه اللّغوي الفصيح على تشبّع كبير باللغة العربيّة الفصحى وتبحّره
فيها إلى أبعد مدى ، وحتى طريقة إعجامه للكلمات التي يكتبها في قصائده تشير إلى
تبحّره في نحوها وصرفها وبلاغتها ، كلّ هذا يُفضي بنا إلى التمثيل لبعض الصور
الفنيّة التي أثّث بها شعرَه بشكل أنيق وساحر..
التصوير الفنّي المشرق:
أُولَى هذه الصور التي نفتتح بها أمثلة التصوير
الفنّي في شعره قوله من قصيدة ( يا شقيقي .. ! ).
وما كانَ غَيْظِي عليْكَ..جَـــفَــــاءً * *
ولكِنْ...جَفافًا بكَفِّي وجَيْبِـــــــي
الجفاف في الكفّ والجيب ليس على الحقيقة بطبيعة
الحال ، إنّما هو كناية عن الفقر وشدّة الحاجة، وقد أَضْفَت كلمة (جفاف ) على
المعنى مبالغة قويّة زادتها قوّة وحدّة ، ولو أنّه قال فقرا وحاجة لما كان التعبير
شيئا ، ولكان حدثا معتادا لا إبداع فيه ، لكنّ الصورة اختلفت عندما جعل شدّة الفقر
والحاجة ( جفافا في الكفّ والجيب ) ، ومما ضاعف من قوّة الصورة أيضا استخدامه
للجناس بين كلمتي ( جفاء وجفافا ) ، وأعقبها بكلمة الجيب فجاءت الجيمات كأنّها
المحراث الذي الذي يخطّ الأخاديد في الأرض ، فكانت أصدق صورة وأشدّها تصويرا
للحالة..
!
ويقول في بيت آخر من قصيدة ( الفارس )
:
يمْشِينَ..تَحْتَ سِتارٍ..صِيغَ..مُنْسَدِلاً * *
يُخْفِي عليْنا..جِهارًا..رَوْضَةَ الوَرْدِ!!
والصورة هنا في قوله ( روضة الورد ) كناية عن
النّساء الجميلات اللّواتي يمشين في محفل العروس ، وجعلهن يستترن بستار جميل ليحجب
سحرهن وإشراق جمالهن، وكَنّى عنهن بقوله ( روضة الورد ) ، وهي الحديقة التي حفلت برائع الأزهار والورود، وخَتْمُ البيت
بهذه الصورة ضاعف من جماله وزاد من تألّق معناه.. وله أمثال هذه الصورة أنواع
كثيرة مبثوثة في مختلف قصائده..
ونأخذ بيتا ثالثا فيه صورة جميلة جدّا وهي قوله في
قصيدة (في سرداب الذّات
):
لولا اصْطِبارٌ أَرتديهِ..لَخِلْتُنِي * * أُقْصِي الأَنامَ..بِصارِخِ الأَنّاتِ
وإن تكن الصورة مألوفة إلا أنّ طريقة صياغتها جعلت
منها مشهدا جديدا يشعّ بالحياة ، وهي في بداية البيت:
"لولا اصْطِبارٌ أَرتديهِ " ، وهل يُرتدَى
الاصطبار ؟ ، ولمَ الاصطبار وليس الصّبر ؟
لقد جعل الاصطبار مثل الثوب يَقِي صاحبه غُيُرَ الدّهر ونكباته ، وجعله اصطبارا ، ليكون فيه مشقّة ومجاهدة ، وزيادة في المعاناة ، ولو كان مجرّد صبر لما اختلف عن بقيّة النّاس ممن يصبر قهرا وغلبةً ، فهذان العنصران ( لبس الاصطبار / وجعله اصطبارا وليس صبرا وحسب) أضفيا على الصورة تميزا وتفرّدا جماليا هو سرّ ذلك البيت يُدْهَش له القارئ حين المرور به..
وفي بيت فريد من قصيدته التي بعنوان ( قوقل ) نجد صورة فنيّة أخرى مركبة تركيبا مزجيّا ( كما يقال في علم اللُّغة ) ؛ تجعل القارئ يهتزّ طربا ونشوة :
فيغْرف ذو الجهل منك الدياجي * * ويحسو سناك الذكي اللبيب
لقد جعل الاصطبار مثل الثوب يَقِي صاحبه غُيُرَ الدّهر ونكباته ، وجعله اصطبارا ، ليكون فيه مشقّة ومجاهدة ، وزيادة في المعاناة ، ولو كان مجرّد صبر لما اختلف عن بقيّة النّاس ممن يصبر قهرا وغلبةً ، فهذان العنصران ( لبس الاصطبار / وجعله اصطبارا وليس صبرا وحسب) أضفيا على الصورة تميزا وتفرّدا جماليا هو سرّ ذلك البيت يُدْهَش له القارئ حين المرور به..
وفي بيت فريد من قصيدته التي بعنوان ( قوقل ) نجد صورة فنيّة أخرى مركبة تركيبا مزجيّا ( كما يقال في علم اللُّغة ) ؛ تجعل القارئ يهتزّ طربا ونشوة :
فيغْرف ذو الجهل منك الدياجي * * ويحسو سناك الذكي اللبيب
الغرف هو أخذ الماء بكفّ اليد أو ما يشبهها من
أواني ، فجعل الشاعر منه هنا(
أخذ
الجهل ) وهي صورة معنويّة جسّدها بشكل منظور ، وزادها قوّة أنّ هذا الغرف ليس
للماء ولا لغيره مما يُلْمَس ويحسّ ، بل هو للجهل وهذا الجهل تمثّل في أبشع صوره
وهو اللّيالي المظلمة شديدة الظلمة (الدّياجي)، ولو اكتفى بهذا الشّطر من البيت
لكان كافيا في إعطاء البيت حقّه من الجمال الشعري، ولكنّه زاد عليه باستخدام
خاصيّة المقابلة في البلاغة فقال : (ويحسو سناك الذكي اللبيب ) ، فقال أنّ اللبيب الفطن يأخذ من (
قوقل
) السنا
والنور ، وشبّه أخذ العلم والمعرفة منه بحسو السّنا ، ولا يُحَسُّ السَّنى وإنّما
يُستنار به ، ولكنّها صورة مركّبة أخرى ، إذ صار السَّنا يُحسَى كما يحسى الماء أو
الشراب العذب ، وفي البيت من البلاغة ما يَطيش له عقل اللّبيب ( إذا لم يسعفه سنًا
يحسوه
.. !!).
ونختم بإضفاء غلالة الشّفق على سحر الجمال البارع
الأصيل ، فيزداد جمالا على جمال ، ذلك حين يقول الشاعر محمّد برحايل الفارس
الغَزِل
:
لُفِّي خِمارَكِ..واسْتُري الشَّفَقَا **
والصَّدْرَ والكتِفيْنِ والعُنُقَــا
في لفظة واحدة تركّز الجمال كلّه ، وتجمّع بديع
التصوير وخلاصته ، في كلمة (
الشّفقا ) ، الشفق كلمة جميلة
بلا شك تدلّ على ظاهرة طبيعيّة فتّانة في الكون ، حتّى أنّ الله تعالى أقسم بها في
القرآن الكريم فقال:
"فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ* وَاللَّيْلِ وَمَا
وَسَقَ " سورة ( الانشقاق
).
ولكنّها تزداد جمالا وألقا في السّياق المركّب
تركيبا بديعا على مثل نسج القرآن الكريم ، وهنا كَنَّى الشاعر على جمال وجه المرأة
أو ما وجب ستره منها ؛ بالشّفق ، وأي وصف هذا وأيّ تشبيه ، يفتن من لا يفتتن ،
ويجنّن من لا يجنّن كما يقول أمير الشعراء محمّد جربوعة..
تقنية الأسلوب القصصي:
عندما نتحدّث
عن خاصيّة فنيّة ما في شعر الشاعر أو أدب المبدع ؛ فإنّه ليس بالضرورة أن يكون قد
تعمّد استخدامها أو استغلالها ليجعل منها عنصرا جماليّا يطرّز نصّه ، بل إنّ
المبدع ولاسيما الشاعر المطبوع ينطلق من ركيزة هامة
في ذاته وهي الفطرة التي فُطر عليها ، والموهبة التي طبع بها ، فهو يكتب أو ينظم
الشعر دون أن يقصد إلى استخدام الاستعارة أو التشبيه أو الطباق والجنّاس ، أو
اختيار كلّ المؤثرات البلاغيّة الأخرى ، كما يفعل السينمائي وهو يعدّ فيلمه. لا
ليس ذلك من وظيفة المبدع المطبوع .. ! وإنّما هو كما قال ذلك الأعرابي الشاعر عن اللُّغة الفصحى:
ولَسْتُ بنَحْوِي يَلُوكُ لسانَه ** ولكِن سَلِيقِيٌ أَقُولُ فأُعرب
وإذا ما لجأ كاتب أو شاعر إلى تكلّف المحسّنات
البديعيّة ؛ جاء نتاجه الأدبي فوق المتوسّط ودون الحسن ( !! ) ، فهو بينه وبين
الغثاثة والسماجة شوط غير بعيد
..
وتعتبر تقنيّة القصّ الفنيّة خاصيّة يتميّز بها (
الناثر ) على الشاعر في الغالب
، ولكنّ الله قد يجمع الفضلين لمبدع واحد، فيُوتَى حظًّا من الشِّعر وحظا زائدا من
موهبة السَّرد القصصي ، فيُدمج هذا في ذاك ، ويأتي بما يُعْجِب ويخلُب ..
ولطالما وظّف الشعراء التقنيّة القصصيّة في شعرهم ،
فمنهم من يأتي بمشاهد تتخلّل قصائده، ومنهم من يصوغ القصيدة كلّها على شكل قصّة
سرديّة في قالب شعري ، أو قصيدة شعريّة بأسلوب قصصي ، وقد فعل ذلك امرؤ القيس من
قبل في قصيدته ( قفا نبك ..) ، كما فعلها الحطئية في قصيدته ( وطاوي ثلاث ..) ،
وغيرهما من الشعراء ، ولعلّ ذلك الشعر هو الأقرب إلى روح المتلقي والأكثر علوقا بذهنه..
ولم يشذّ الشاعر محمّد برحايل عن هذه الظاهر
الجميلة في الشعر العربي ، واستخدم تقنية القصّ أو الأسلوب القصصي بشكل لافت جدّا
في شعره ، استخدم ذلك في قصيدة (الفارس ) وقصيدة ( يا شقيقي) ، وفي قصيدة ( كان
حلما ) و ( خيمة الشَّعر ) وقصائد أخرى كثيرة سنشير لبعضها في حينها ، وقد جعل من
بعض القصائد قصّة كاملةً تامة ، مستوفاة الشروط ، وبث في قصائد أخرى مشاهد قصصيّة
، تخلّلتها ووشّتها بمنمّق نسجها الفتّان ..
نماذج من قصصه الشّعري:
قصيدة ( الشَّارِدَة ! ) وهي نموذج للقصائد التي
تروي قصّة كاملة متسلسلة الأحداث ، وليست مجرّد مشاهد تضمّن في النّص، ولأنّ
القصّة لا يمكن أن تفهم بشكل جيّد إلا إذا قرأناها كلّها فإننا نسوق القصيدة (
القصصيّة
) كاملة
:
هَذي مشاهِدُ مِنْ ماضِيَّ أَرْويها * * مازِلْتُ
أَذْكُرُها..حُبْلَى ..بما فيها
كُنَّا صِغارا..صفاءُ الْوُدِّ يجمعُنــا * * نلهو معًا..وكما عَيْني..أُراعيها
إِنْ غِبْتُ يوما تراها غير هادئةٍ * * لايعتريها الصَّفا..حتَّى أُناديها
في الدَّرْبِ نمشي الهُوَيْنَا صَوْبَ مدرسةٍ * * صارت لنا رَوْضَةً والخِصْبُ كاسيها
تحنو علينا بما يُثْري هَوِيَّتَنا * * بكُلِّ عِطْرٍ حلَى تُجْري سواقيها
في الْقِسْمِ نَخْرُجُ مِنْ مَهْوَى طُفولتِنا * * نحْسو الدُّروسَ ونسْتَجْلِي معانيها
مرَّتْ ثلاثٌ كما الأَحلامِ طائرةً * * لكنَّها أَدْخلَتْني في مخابيها
حاولْتُ نِسيانَها..طَيًّا..لِمرحلةٍ * * كأَنَّنِي أَبَدًا ما كُنْتُ...داريها
بل خِلْتُني كالَّذي يأْبَى تَذَكُّرَها * * أَوْ كالَّذي قَدْ بَدا..فِعْلاً..يُعاديها
قد قيل لي: أَنَّها زُفَّتْ إِلَى رَجُلٍ * * ما كان يَقْبلُها بل ظلَّ قاليها
أَمْضَتْ شُهورًا عِجافًا غيرَ ناضِرةٍ * * ما أَبْصرتْ قَمَرًا يُزْهِي لياليها
وَحالَ بينهما الإِبعادُ..وا أَسَفي * * فالْعُرْفُ..في أَهلِنا..قدلا يُواتيها
وأَقْبلَتْ ذاتَ يوْمٍ وَهْيَ..شارِدَةٌ * * تشكو فراغا وترجو مَنْ يُواسيها
أَبْصرْتُها فَهَمَتْ أَشْجَان عاطِفَتي * * وهالَني..ما بِهِ تَهْمِي مَآقيها !
فقُلتُ: يا ليتني أَلْقَى لها سَنَدًا * * أَوْ ليتني..أَغْتَدي في الحالِ..راقيها
بل سَوْفَ أَنْصحُها نُصْحاً بِلا دَخَنٍ:_ * * أَنْ لا تؤُوبَ سِوَى..لِلَّهِ...باريها
إذا كانت في القصائد مستهلات تسمّى المطالع الشعريّة وتكون طلليّة أو غزليّة أو غيرها ؛ ففي هذه القصيدة ( الشاردة ) مطلع يحسن أنّ نسمّيه مطلعا ( شعري قصصي )، ويروي فيها الشاعر قصّة رائعة من قصص طفولته ، إذ أنّه كانت تدرس معه فتاة شابة في المرحلة الابتدائيّة لمدّة ثلاث سنوات، فأحبّها وتعلّق بها قلبه ، حتى ما عاد يصبر على فراقها ولا تصبر هي على فراقه ( رغم براءة الطفولة )، لكنّه تفاجأ بأنّها اختفت ذات يوم ولما بحث وسأل قيل له أنّها تزوّجت ، وعانت مع زوجها شدّة الحجب والتّضييق ، ثمّ عادت إلى أهلها مطلّقة شريدة ..
كُنَّا صِغارا..صفاءُ الْوُدِّ يجمعُنــا * * نلهو معًا..وكما عَيْني..أُراعيها
إِنْ غِبْتُ يوما تراها غير هادئةٍ * * لايعتريها الصَّفا..حتَّى أُناديها
في الدَّرْبِ نمشي الهُوَيْنَا صَوْبَ مدرسةٍ * * صارت لنا رَوْضَةً والخِصْبُ كاسيها
تحنو علينا بما يُثْري هَوِيَّتَنا * * بكُلِّ عِطْرٍ حلَى تُجْري سواقيها
في الْقِسْمِ نَخْرُجُ مِنْ مَهْوَى طُفولتِنا * * نحْسو الدُّروسَ ونسْتَجْلِي معانيها
مرَّتْ ثلاثٌ كما الأَحلامِ طائرةً * * لكنَّها أَدْخلَتْني في مخابيها
حاولْتُ نِسيانَها..طَيًّا..لِمرحلةٍ * * كأَنَّنِي أَبَدًا ما كُنْتُ...داريها
بل خِلْتُني كالَّذي يأْبَى تَذَكُّرَها * * أَوْ كالَّذي قَدْ بَدا..فِعْلاً..يُعاديها
قد قيل لي: أَنَّها زُفَّتْ إِلَى رَجُلٍ * * ما كان يَقْبلُها بل ظلَّ قاليها
أَمْضَتْ شُهورًا عِجافًا غيرَ ناضِرةٍ * * ما أَبْصرتْ قَمَرًا يُزْهِي لياليها
وَحالَ بينهما الإِبعادُ..وا أَسَفي * * فالْعُرْفُ..في أَهلِنا..قدلا يُواتيها
وأَقْبلَتْ ذاتَ يوْمٍ وَهْيَ..شارِدَةٌ * * تشكو فراغا وترجو مَنْ يُواسيها
أَبْصرْتُها فَهَمَتْ أَشْجَان عاطِفَتي * * وهالَني..ما بِهِ تَهْمِي مَآقيها !
فقُلتُ: يا ليتني أَلْقَى لها سَنَدًا * * أَوْ ليتني..أَغْتَدي في الحالِ..راقيها
بل سَوْفَ أَنْصحُها نُصْحاً بِلا دَخَنٍ:_ * * أَنْ لا تؤُوبَ سِوَى..لِلَّهِ...باريها
إذا كانت في القصائد مستهلات تسمّى المطالع الشعريّة وتكون طلليّة أو غزليّة أو غيرها ؛ ففي هذه القصيدة ( الشاردة ) مطلع يحسن أنّ نسمّيه مطلعا ( شعري قصصي )، ويروي فيها الشاعر قصّة رائعة من قصص طفولته ، إذ أنّه كانت تدرس معه فتاة شابة في المرحلة الابتدائيّة لمدّة ثلاث سنوات، فأحبّها وتعلّق بها قلبه ، حتى ما عاد يصبر على فراقها ولا تصبر هي على فراقه ( رغم براءة الطفولة )، لكنّه تفاجأ بأنّها اختفت ذات يوم ولما بحث وسأل قيل له أنّها تزوّجت ، وعانت مع زوجها شدّة الحجب والتّضييق ، ثمّ عادت إلى أهلها مطلّقة شريدة ..
يبدأ الشاعر قصّته بهذا المقطع المشوّق:
هَذي مشاهِدُ مِنْ ماضِيَّ أَرْويها * * مازِلْتُ
أَذْكُرُها..حُبْلَى ..بما فيها
ثمّ يشرع في سرد القصّة بكلّ تفاصيلها ومشاهدها ،
وعناصرها الأساسيّة من شخوص وزمان ومكان وحدث فيه حبكة وتشويق وإثارة ومفارقة وغير
ذلك من عناصر القصّة وخصائصها التي استطاع الشعر أن يستوعبها ويتلقّاها في حضنه
الدّافئ في غير ما تنافر أو تناكر..
وهناك نموذج آخر بديع أيضا يروي فيه الشاعر قصّة دخوله في شبابه إلى الحرس الجمهوري ، وهي بعنوان ( في شبابي ) فقال في مطلعها:
وهناك نموذج آخر بديع أيضا يروي فيه الشاعر قصّة دخوله في شبابه إلى الحرس الجمهوري ، وهي بعنوان ( في شبابي ) فقال في مطلعها:
في شبابي أدخلوني الحرسا * * أين فيه قد رَميتُ
الغَلَسَـــــــــا
علموني كيف أغدو كَلِفًــــــــا * * كيف أبدو إِنْ ركبتُ الفرسَا
مطمئنًّا مستعِدًّا حَــــــــــذِرا * * دون خوفٍ غير فظٍّ سلِسَـــــا
كي تؤدِّي ما عليها شغفـــا * *يشتهيه مَنْ بها قد حدسا
اخبروني: انَّ فيـــــــهـــــا قلقــــــــا * *يعتريها إِذْ تحُسُّ الدَّنســــــا
ذات فجرٍ جئتُها منكسفــــــا * * بعد ليلٍ قدتُ فيـــــــه العَسَســــا
لم تذُقْ عيني..كرًى اوسِنَــــــــــةً * * ما جرى في مسمعي ما همسا
كان غيظي كالدُّجى مضطرما * * سلَّ عقلي لم يدعْ لي قبســــــــا!
فانطلقتُ هائجا اضرُبُهــــــــــــا * * فاستكانتْ واستحرَّتْ نفســــا
فالتقاني قائدي يعذلنــــــــــــــي: * * خذْ جحيْشا أو كليْبا شرســا
قلتُ: إِنِّي كنتُ جِدُّ مرهَقا ** قال:_أُسكتْ!!ليس ذا مُلتمســــا:
هذه الخيل جُلابى نعـــــــــــــــمٍ * * قال عنها " أحمدٌ " ما انغرســــا
فارعِيَنْها واسمِعنْها طربــّــــــــا * * رُبَّ غيظٍ بعد لُطفٍ خنـــــســـا!!
هذه القصيدة يَروِي فيها الشاعر مشاهدَ من حياته في ( الحرس الجمهوري ) عندما كان شابا ، وفي سَوْرة من الغضب أساء معاملة فرسِ من خيول الحرس ، ولم يأخذ بنصائح قائده له في وجوب معاملتها بلطف ، فلما رآه القائد يُغْلِظُ عليها عاتبه عتابا شديدا ، وقال له ساخرا:
خذْ جحيْشا أو كليْبا شرســا..
علموني كيف أغدو كَلِفًــــــــا * * كيف أبدو إِنْ ركبتُ الفرسَا
مطمئنًّا مستعِدًّا حَــــــــــذِرا * * دون خوفٍ غير فظٍّ سلِسَـــــا
كي تؤدِّي ما عليها شغفـــا * *يشتهيه مَنْ بها قد حدسا
اخبروني: انَّ فيـــــــهـــــا قلقــــــــا * *يعتريها إِذْ تحُسُّ الدَّنســــــا
ذات فجرٍ جئتُها منكسفــــــا * * بعد ليلٍ قدتُ فيـــــــه العَسَســــا
لم تذُقْ عيني..كرًى اوسِنَــــــــــةً * * ما جرى في مسمعي ما همسا
كان غيظي كالدُّجى مضطرما * * سلَّ عقلي لم يدعْ لي قبســــــــا!
فانطلقتُ هائجا اضرُبُهــــــــــــا * * فاستكانتْ واستحرَّتْ نفســــا
فالتقاني قائدي يعذلنــــــــــــــي: * * خذْ جحيْشا أو كليْبا شرســا
قلتُ: إِنِّي كنتُ جِدُّ مرهَقا ** قال:_أُسكتْ!!ليس ذا مُلتمســــا:
هذه الخيل جُلابى نعـــــــــــــــمٍ * * قال عنها " أحمدٌ " ما انغرســــا
فارعِيَنْها واسمِعنْها طربــّــــــــا * * رُبَّ غيظٍ بعد لُطفٍ خنـــــســـا!!
هذه القصيدة يَروِي فيها الشاعر مشاهدَ من حياته في ( الحرس الجمهوري ) عندما كان شابا ، وفي سَوْرة من الغضب أساء معاملة فرسِ من خيول الحرس ، ولم يأخذ بنصائح قائده له في وجوب معاملتها بلطف ، فلما رآه القائد يُغْلِظُ عليها عاتبه عتابا شديدا ، وقال له ساخرا:
خذْ جحيْشا أو كليْبا شرســا..
فاستفاق الشاعر من سورة غضبه ، وندم على ما فعله ..
! قصّة قصيرة جُسّدت في قصيدة شعريّة من ثلاثة عشر بيتا ، وكأنّها من نوع القصص
القصيرة في فنّ السّرد ، فيها المختصر المفيد والتصوير الخلاب المدهش ..
ومن أمثلة القصائد التي تضمّ بين جناحيها مشاهد
قصصيّة يمكن أن نذكر قصيدة ( ما زلت أذكرها)، وهي قصيدة غزليّة ، رجع فيها الشاعر
بذكرياته إلى زمن مضى وتذّكر حبّا قديما ما تزال جمرات ناره تضطرم تحت الرّماد ،
يقول في مطلعها
:
يا هاتفي واصل رنينك وابتسم * * واسكُب سلِمْتَ
بمسمعي حلو النَّغمْ
واحمل إليَّ على التَّردُّدِ نبضها * * متعطِّرا ينسابُ في بوحِ النَّسَمْ
والجميل في هذا المطلع المدهش ، أنّه يخاطب هاتفَه الذي ذكّره رنينُه بذكرى ذلك الحبّ القديم ، وكأنّه شاعر من شعراء المعلّقات ؛ امرئ القيس أو عنترة وعمرو بن كلثوم وغيرهم، ممن يقف على الأطلال يستنطقها وتذكِّره بأحبّته الذين ارتحلوا ونأوا .. ولذلك يقول الشّاعر محمّد برحايل:
واحمل إليَّ على التَّردُّدِ نبضها * * متعطِّرا ينسابُ في بوحِ النَّسَمْ
والجميل في هذا المطلع المدهش ، أنّه يخاطب هاتفَه الذي ذكّره رنينُه بذكرى ذلك الحبّ القديم ، وكأنّه شاعر من شعراء المعلّقات ؛ امرئ القيس أو عنترة وعمرو بن كلثوم وغيرهم، ممن يقف على الأطلال يستنطقها وتذكِّره بأحبّته الذين ارتحلوا ونأوا .. ولذلك يقول الشّاعر محمّد برحايل:
عُدْبي إلى الزَّمن الجميل تخيُّلا * * فلعلَّني
..ألْفَى بقايا.. مِنْ قِيَمْ
خذني إلى زمن البراءة والوفا * * دعني أَرَى بسماتِها رغم السُّدُمْ
ثمّ يذكر كيف عادت إليه تزوره بعد الأربعين وتقول له:
هذي الَّتي تختالُ ضِمنَ قصيدتي * * حسناءُ همَّ بها الفؤادُ وما أَثِمْ
جاءت قُبَيْلَ الأربعين تَزُورُنِي * * وتعيدُ لي بعضَ التَّباهي بِالقِدَمْ
قالت: ظننتُكَ بالبياضِ ثُغامةً * * لكنَّهُ أحنى عليك وما اعتزمْ
فانظُرْهُ عندي كيف يبرُقُ باسما * *وعلى سواديَ قد تطاول وارتسمْ
فالقصيدة وإن تكن كلُّها استرجاعا لذكريات حبّ قديم إلا أنّها ليست كلّها قصصيّة ، بل تتخلَّلُها مشاهد قصصيّة جميلة ..
وربّما
من أسباب إكثار الشاعر محمّد برحايل من توظيف الأسلوب القصصي في شعره هو بدايته
الأولى التي كان يكتب فيها القصّة، ونشره لعدّة قصص في جرائد وطنية وعالمية ،
فبقيت فيه هذه الملكة القصصيّة ولكنّها بصبغة شعريّة ، أو أنّ الشعر استفاد من
ملكته القصصيّة تلك، وهنيئا لقارئه بهذا الشّعر القصصي البديع خذني إلى زمن البراءة والوفا * * دعني أَرَى بسماتِها رغم السُّدُمْ
ثمّ يذكر كيف عادت إليه تزوره بعد الأربعين وتقول له:
هذي الَّتي تختالُ ضِمنَ قصيدتي * * حسناءُ همَّ بها الفؤادُ وما أَثِمْ
جاءت قُبَيْلَ الأربعين تَزُورُنِي * * وتعيدُ لي بعضَ التَّباهي بِالقِدَمْ
قالت: ظننتُكَ بالبياضِ ثُغامةً * * لكنَّهُ أحنى عليك وما اعتزمْ
فانظُرْهُ عندي كيف يبرُقُ باسما * *وعلى سواديَ قد تطاول وارتسمْ
فالقصيدة وإن تكن كلُّها استرجاعا لذكريات حبّ قديم إلا أنّها ليست كلّها قصصيّة ، بل تتخلَّلُها مشاهد قصصيّة جميلة ..