القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

المذاهب اللغوية في اللغة العربية المذهب الواقعي 3 بقلم/ د غالب القرالة

د.غالب القرالة
المذاهب اللغوية في اللغة العربية
المذهب الواقعي 3

خصائص المذهب الواقعي 3 :

الواقعية الأم :

وتسمى أيضاً الواقعية الأوروبية أو المتشائمة أو الناقدة.
والمقصود بها المذهب الواقعي الأصلي الذي ساد في فرنسا وبلاد أوروبا لدى معظم الكتّاب بشكله العام مع الاحتفاظ بالاختلافات المحلية والفردية وتعدد الألوان ضمن التيار الواحد  وبشكل أكثر تحديداً الواقعية قبل أن تتفرع منها الواقعية الطبيعية والواقعية الاشتراكية الجديدة.
وللواقعية  الأم خصائص تميزها عن المدرستين الكلاسيكية والرومانسية وتجعل  منها نهجاً أدبيا  ذا معالم خاصة وماهية مستقلّة شملت الآداب الأوربية أكثر من نصف قرن.
ولا تزال آثارها باقية ومستمرة في القرن العشرين.
ويمكن إجمال هذه الخصائص فيما يلي:
النزول إلى الواقع الطبيعي والاجتماعي والانطلاق منه أي الارتباط بالإنسان في محيطه البيئي وتفاعله وصراعه مع المحيط الطبيعي والاجتماعي
. من هنا يستمد الكاتب موضوعاته وحوادثه وأشخاصه وكلّ تفصيلاته.
إنه ينزل إلى الأرض والبشر ويصرف نظره عما عدا ذلك من المثاليات والخياليات وما يهمه هو الأمور الواقعة التي يعيشها الناس ويعانونها.
وكلمة (الناس) أو (الإنسان) يقصد بها هنا الإنسان المشخّص الحي الذي يضطرب في سبل الحياة والمعيشة والذي له وجود حقيقي إنه المحور في الأدب الواقعي  وليس الإنسان المثالي العام المجرد  الذي كان محور الأدب الكلاسيكي.
ولا الإنسان المنعزل المنفرد الهارب من المجتمع الذي كان محور الأدب الرومانسي  ان انسان الواقعية هو الفرد في تعامله وتفاعله ضمن تيار المجتمع والتاريخ المؤثر فيه والمتأثر به الصانع والمصنوع في آنٍ واحد وقد ألمحنا فيما سبق إلى الدواعي التي سببت هذه النّقلة الجوهرية.
وقد يكون الفرد في المذهب الواقعي نموذجاً لكنه نموذج نوعي وليس عامّاً.
إنه نموذج يضم كل الأفراد الذين هم على شاكلته  والمجتمع يتكون من نماذج كثيرة منها الإقطاعي والرأسمالي والعامل والفلاح والبورجوازي والتاجر والمرابي ورجل السلطة والمرأة الطيّبة... الخ.
وقد حرص كتاب الرواية والمسرحية الواقعيون على رسم هذه النماذج وخلقها لا من العدم والخيال بل من خلال الواقع.
وقد عزفت الواقعية عن التعامل مع العالم الغيبي كالجن والأرواح والأشباح والملائكة والتشخّص والتجسد الألّيغوري والأساطير والأحلام والمصادفات والخوارق... لأن هذه الأمور كلها لا تعنيها في شيء والذي يعنيها فقط هو الإنسان بلحمه ودمه وأعصابه وغرائزه ومشاعره وحاجاته ومطامحه وآلامه وأفراحه المرتبط بالأرض وما حوله من الناس وما يحيط به من الظروف الموضوعية.
ولهذا السبب سمى بلزاك مجموعة رواياته المئة (الملهاة البشرية) في مقابل (الملهاة الإلهية) لدانتي.
ان الواقعية تنطلق من جميع طبقات المجتمع وأصنافه  من أدنى الطبقات الفقيرة والمعذبة والمسحوقة إلى أعلى الطبقات النبيلة والثريّة والمسيطرة.
هنالك العمال والفلاحون والأجراء والمالكون والتجار والمرابون واللصوص والشحاذون والمحتالون والمجرمون والمنحرفون والسجناء والعواهر والسكّيرون واليائسون ورجال السلطة والحاكمون والعلماء والفنانون والنساء والأطفال وذوو العاهات... هنالك المجتمع بكامله  وبكل أعضائه وأجزائه.
إليه ينزل الكاتب وفي أرجائه يتجوّل  ومنه ينطلق  ولأجله يكتب لا لأجل فئة معينة يبتغي رضاها ونوالها.
إن الشعب أصبح هو السيد المحترم وليس البلاط أو الحامي النبيل.
وقد أسهم في هذا الانقلاب الكوبرنيكي التطور الديمقراطي الذي أسفرت عنه الدراسات الاجتماعية والآداب والثورات وما حمله من مبادئ الحرية والعدالة والأخوة والمساواة والديمقراطية وقيمة الفرد ودوره في المجتمع الذي يناضل للتحرر من كل سلطان مستبد أو أي متحكم سابق سواء أكان متمثلاً في السلطة الملكية أو الامبراطورية أو الكنيسة أو الإطار الاقطاعي والرأسمالي... وقد ساعد على الاتجاه نحو الشعب انتشار الطباعة والصحافة على نطاق جماهيري واسع يستطيع الكاتب من خلاله الوصول مباشرة إلى كل القراء ويقيس نجاحه بمقدار إقبالهم على قراءة نتاجه وتعاطفهم مع أطروحاته التي هي أطروحاتهم في الوقت نفسه.
ولا بد من الإشارة إلى أمرين هما من لوازم الواقعية أوّلهما:
العناية بالتفصيلات الدقيقة والثانوية حتى التافه منها مما يتعلَّق بوصف الملامح والأصوات والألبسة والألوان والحركات والأشياء... إمعانا في تصوير الواقع وكأنّه حاضر.
والثاني: التركيز على الجوانب السلبية من المجتمع كالأخلاق الفاسدة والاستغلال والظلم والإجرام والإدمان .. حتى لقد دعيت بالمتشائمة  وفي الحقيقة لم يكن هذا ناشئاً عن التشاؤم بقدر نشوئه عن الرغبة في الرصد والمعالجة.
إن أبرز مخازي ذلك المجتمع المصطخب يصدر عن غاية خفية وظاهرة في آن معاً فهي خفية لأن الكاتب لا يريد إيجاد الحل بنفسه ولكنه يصور الأمور تاركاً القارئ يبحث عن الحل .
وهي ظاهرة لأن من طبيعة المذهب الواقعي الاهتمام بمصير الإنسان والأخذ بيده إلى مستقبل أفضل...

حيادية المؤلف وهي تعني العرض والتحليل وفق واقع الشخصيّة وطبيعة الأمور وبشكلٍ موضوعيٍ لا وفق معتقدات الكاتب ومواقفه السياسية أو الدينية أو المزاجية أو الفكرية أو القيميّة.

الكاتب هنا شاهدٌ أمين يدلي بشهادته حسب منطق الحوادث ومبدأ السببية والضرورة الحتمية وليس كما يهوى ويريد.
وهذا لا يعني أنه غير مبالٍ بما يجري حوله  بل يعني أنه لا يريد أن يفرض رأيه 
المذاهب اللغوية في اللغة العربية  المذهب الواقعي 3 بقلم/ د غالب القرالة Literary study
المذاهب اللغوية في اللغة العربية  المذهب الواقعي 3 بقلم/ د غالب القرالة Literary study

وميوله على القارئ.