رجال احبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم_________ د.صالح العطوان الحيالي. العراق- 20.8.2020
قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
في مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد النبي خاتم النبيين، حيث وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من خديجة بنت خويلد في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك، وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم كانت الهجرة إلى المدينة المنوَّرة بعد شدة بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات، تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات، وكانت حياته نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد الخلفاء الراشدين من بعده.
الحب: هو مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابيَّة والحالات العاطفية والعقلية قوية التأثير، تتراوح هذه المشاعر من أسمى الأخلاق الفاضلة إلى أبسط العادات اليوميَّة الجيدة، المثال على اختلاف وتنوُّع هذه المشاعر أنَّ حب الأم يختلف عن حب الزوج ويختلف عن حب الطعام، ولكن بشكل عام يشير الحب إلى شعور الانجذاب القوي والتعلُّق العاطفي.
أحياناً يُعبِّر الحب عن الفضائل الإنسانيَّة التي تتمثَّل بالتعامل الحسن ومشاعر الإيثار والغيريَّة والعمل على سعادة الآخرين وتحقيق الخير العام، كما يمكن أن يصف التعامل العاطفي مع بقية البشر أو الحيوانات أو حتى النفس.
يعدّ الحب بأشكاله المختلفة أساس العلاقات الشخصية بين البشر، وبسبب أهميته النفسية يعدُّ واحداً من أكثر الموضوعات شيوعاً في الفنون الإبداعية، ويُفترض عادةً أنَّ وظيفة الحب أو غايته الرئيسيَّة الحفاظ على النوع البشري من خلال التعاون معاً ضدَّ الصعاب والمخاطر والمحافظة على استمرار النوع.
حدَّد فلاسفة الإغريق خمسة أنواع من الحب : حب العائلة، حب الصديق، الحب الرومانسي، حب الضيف، حب الإله، فيما ميَّز مؤلِّفون معاصرون أنواعاً أخرى من الحب مثل: الحب دون مقابل، الحب إلى درجة الوله والافتتان، حب الذات، حب التملُّق، نجد أيضاً في الثقافات الآسيوية أسماء وصفات مختلف للحب كحب الكلّ، حب الإله كوسيلة للخلاص، العشق وغيرها من المعاني والصفات المستخدمة في دول الشرق وحضاراته المختلفة، للحب أيضاً معانٍ دينيَّة وروحانيَّة مختلفة وهذا التنوع الكبير في الاستخدامات والمعاني لمصطلح الحب يجعل من الصعوبة بمكان تحديد معنى الحب بشكل ثابت ودقيق مقارنة بالحالات والمشاعر العاطفيَّة الأخرى.
بلّغ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- رسالة رب العالمين كاملةً كما أراد الله تعالى، فقد أرشد العباد إلى عبادة الله وحده دون الإشراك به، وجعل منه المولى سبحانه القدوة الحسنة، قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وقد أَسَرَ الرسول -عليه السلام- القلوب حبّاً بما حباه الله -عز وجل- من مكارم الأخلاق وأرفع الخصائص
يقصد بمحبة الرسول ميل قلب المؤمن إليه ميلاً يتحقّق فيه إيثار حبّه على كلّ ما سواه، بل إيثار حبّه على حب النفس، ممّا يدفع المسلم لجعل همه وفكره منشغلان بما يُرضي الله ورسوله من أقوالٍ وأفعالٍ، لذلك كانت محبة الرسول من أَجَلِّ وأرفع أعمال القلوب، وأصلٌ عظيمٌ يتوقف على وجوده كمال الإيمان
ذا نبينا الحبيب، حبيب الله وحبيب الكون وحبيب الصحابة وحبيبنا عليه الصلاة والسلام؛ فإذا تكلمنا عن حب بشر لبشر فليس أروع من حب المؤمن لنبيه محمد، فكم من إنسان يأمل في رفقته ومحبته وتشتاق الأفئدة إلى حوضه الشريف.
هذا نبينا صلى الله عليه وسلم أرسله ربه للبشر عامة، وناداه في القرآن بالنبوة والرسالة، وأخذ مواثيقًا وعهودًا على الأنبياء أن يتبعوه وأن يسيروا خلفه إن أدركهم، وهو الشاهد على من سبقه، والشفيع المشفع، وربط الله طاعتَهُ بطاعتِهِ سبحانه، وأوجب الاحتكام إليه عند النزاع والخلاف. وبعد كل هذا القدر له، أحبه الصحابة حبًا لا يقاوم ولا يقارن ولا يوازن مع شيء آخر، والكائنات كلها من جبال ونبات وحيوان أعلنت حبها وفداءها لرسول الله في كل مراحل الحياة.
ﺍﻟﺤﺐ : ﺣﺮﻓﻴﺎً ﻭﻓﻌﻠﻴﺎً، ﻳﺘﺠﺴّﺪ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ : (ﻻ ﺗﺆﺫﻭﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﺎﺋﺸﺔ).
ﺍﻟﺤﺐ : ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ رضي الله عنه : ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ، ﻓﺠﺌﺖ ﺑﻤﺬﻗﺔ ﻟﺒﻦ ﻓﻨﺎﻭﻟﺘﻬﺎ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻪ : ﺍﺷﺮﺏ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ : ﻓﺸﺮﺏ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺣﺘﻰ ﺍﺭﺗﻮﻳﺖ.ُ
ﺍﻟﺤُﺐ : ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﷺ ﻗﺒﻞ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻐﺎﺭ : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻﺗﺪﺧﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺃﺩﺧﻞ ﻗﺒﻠﻚ، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺷﺊ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﺩﻭﻧﻚ.
ﺍﻟﺤُﺐ : ﻫُﻮ ﺃﺑﻮﺑﻜﺮ رضي الله عنه ﻳﺒﻜِﻲ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ ﻟﻤﺎ ﺑﺪﺕ ﻃﻼﺋﻊ ﺭﺣﻴﻠﻪ، ﻓﻴﻮﺍﺳﻴﻪ ﷺ : ﻻﺗﺒﻚِ ، ﻟﻮﻛﻨﺖُ ﻣﺘﺨﺬًﺍ ﺧﻠﻴﻠًﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻻﺗﺨﺬﺕُ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﺧﻠﻴﻼ.، ﻗﺎﻝ ﺭَﺳُﻮﻝُ ﷺ : "ﻣِﻦ ﺃﺷﺪِّ ﺃﻣﺘﻲ ﻟﻲ ﺣﺒًﺎ ﻧﺎﺱٌ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥَ ﺑَﻌﺪﻱ ﻳﻮﺩُ ﺃﺣﺪﻫُﻢ ﻟﻮ فداﻧﻲ ﺑﺄﻫﻠﻪِ ﻭﻣﺎﻟﻪِ". ﺍﻟﻠﻬﻢ صل ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺤﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﷺ.
الحب : هو عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه حين ينام بدلاً من الرسول ﷺ في فراشه وهو يعلم أن القوم اجتمعوا لقتل الرسول ﷺ وأنه قد يموت على نفس الفراش !!
الحب : ﻫُﻮ ﺑﻼﻝ رضي اللهَ عنه ﻳعتزل ﺍﻷﺫﺍﻥِ ﺑﻌﺪ ﺭﺣﻴﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺫﻥَ ﺑطلب من ﻋُﻤْﺮ رضي الله عنه ﻟﻢ ﻳُﺮ ﻳﻮﻣًﺎ ﻛَﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮَ ﺑﻜﺎﺀً ﻣﻨﻪ، في ذكرى الرﺳﻮﻝ ﷺ .
ﺍﻟﺤﺐ : ﻫﻮ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ رضي الله عنه ﻳﺴﻤﻊ ﺑﺈﺷﺎﻋﺔ ﻣﻘﺘﻞ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻴﺨﺮﺝ ﻳﺠﺮ ﺳﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻕ ﻣﻜﺔ ﻭﻫﻮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺳﻴﻔﻪُ ﺃﻭﻝ ﺳﻴﻒ ﺳﻞَّ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ.
ﺍﻟﺤُﺐ : ﻫُﻮ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﻛَﻌﺐ ﺣﻴﻦَ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ ﻣﺎﺣﺎﺟﺘﻚ ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺃﺳﺄﻟﻚ ﻣﺮﺍﻓﻘﺘﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ.
ﺍﻟﺤُﺐ : ﻫﻮ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺑﻨﻲ ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﺣﻴﻦ ﻳﺨﺮﺝُ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻭﺃﺑﻮﻫﺎ ﻭﺃﺧﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ ﻓﻴﻠﻘﺎﻫﻢ ﺍﻷﺟﻞ ﻭﻳُﻨﻌﻮﻥ ﻟﻬﺎ، ﻓﺘﺮﻯ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﺘﻘﻮﻝ : ﻛﻞ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺑﻌﺪﻙ ﺟﻠﻞ.
ﺍﻟﺤُﺐ : ﻫﻮ ﺛﻮﺑﺎﻥ رضي الله عنه ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺄﻟﻪُ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ : ﻣﺎ ﻏﻴَّﺮ ﻟﻮﻧﻚ ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻣﺎﺑﻲ ﻣﺮﺽٌ ﻭﻻﻭَﺟﻊ ﺇﻻ ﺃﻧِّﻲ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺃﺭَﻙَ ﺍﺳﺘﻮﺣﺸﺖُ ﻭﺣﺸَﺔ ﺷﺪﻳﺪَﺓ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻘﺎﻙ.
الحب هو - عبد الله بن زيد (رضي الله عنه) كان يعمل في حديقة له، فأتاه ابنه فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي، فقال: اللهم أذهب بصري؛ حتى لا أرى بعد حبيبي محمد أحدًا. فكُفَّ بصره، واستجاب الله دعاءه!
حدّث عمرو بن العاص يومًا، فقال: ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه
قال عروة بن مسعود حين وجهته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية، ورأى من تعظيم أصحاب رسول الله ومحبتهم له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقًا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوه بأكفهم، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعره إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له.
ومن نماذج حب النساء له صلى الله عليه وسلم:
- تلك المرأة الأنصارية: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]، التي قُتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرًا، هو بحمد الله كما تحبين. فقالت: أرونيه؛ حتى أنظر إليه. فلمَّا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله.
إن محبة رسول الله هي المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون، وعليها يتفلى المحبون، ويروح نسيمها ويروح العابدون، فهي من قوت القلوب، وغذاء الأرواح وقُرَّة العيون.
ومحبة المصطفى والاقتداء به حياة من حُرمها، فهو من جملة الأموات، ونور مَن فقده، فهو في بحر الظلمات، فلا حياة للقلوب إلا بمحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به.
ويقول أيوب السختياني: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله، ومن أحب عليًّا فقد أخذ بالعروة الوثقى، ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بَرِئ من النفاق، ومن انتقص أحدًا منهم، فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، وأخاف ألاّ يرفع له عمل إلى السماء، حتى يحبهم جميعًا ويكون قلبه سليمًا
المصادر
1- زاد المعاد
2- شبكة الالوكة