القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

قراءة في رواية: كفّ الهداية.. يكتبها: طوى علي

 (قراءة في كفّ الهداية /: طوى علي)

علي حسين الخباز
لكشف تجليات النص الروائي لابد من معرفة أهم البني الأسلوبية، ودراسة التعبير ومحتواه الوجداني، نتأمل في ميزة العنوان (كف الهداية) الذي يعدّ مدخلًا أساسيًّا في قراءة الابداع الادبي والتحليلي، فهو العلامة التي تطبع النصّ الروائي، وتسحبه الى عوالمه واضاءة بارعة.
الكفّ هي الكفّ المعطاءة، ذات الجود، وخاصة حينما تُقرن بالهداية، الهداية رشاد، ويعني أن في الموضوع بؤرة تضاد لابد أن نتأملها، فمعنى الهداية يعني وجود الضلالة التي سعت الهداية لتمدّ كفّها رشادًا، ومثل هذا العنوان جاذب يشير الى مضمون الرواية.
وموقع الشخصية من الرواية تعبير عن رؤية الكاتبة، فهي تنقل قيم إنسانية تنقلها من الحياة الى النص، الشخصيات تتكفل بتدبير الأحداث وتنظيم الحكاية الشخصية.
منذ الجملة الأولى عرفتنا الكاتبة بشخصياتها، صراع بين السلبي والايجابي تميل الى كشف مكامن السلبي من خلال التأثير البيئي والبيتي، ولا حبكة دون وجود الشخصيات.
وامتازت رواية الكاتبة طوى علي بأنها ارتكزت على شخصيتين رئيستين وشخصيات ثانوية، والشخصية الروائية تحمل مميزات عديدة نفسية واجتماعية حين تعتني الكاتبة بإرساء مفهوم التكامل النفسي الإنساني.
يعتمد أسلوب الرواية على أسلوب التقابل، وتجلي هذا التقابل لصنع مكونات سردية تكشف عن محورين مهمين: المحور الأول تعريف الشخوص، والمحور الثاني كشف مضمون الرواية من خلالهما.
يعتمد النص على قطبين مهمين هما: (باسم ـــ علي) يبدع المحور التقابلي، من التعريف الأولي لطرفي الصراع المواجهة، تعريف الأسماء وثم تعريف الحالة الاجتماعية.
(باسم) نشأ في عائلة مرفهة، والشخصية الثانية (علي) من عائلة فقيرة الحال، و(باسم) يسكن القصر، وفي المقابل سكن عليٌّ في منزل صغير، وباسم مدلل اجتماعيًّا فهو الولد الوحيد لعائلته، وعلي لديه سبعة اخوان وجميعهم يسكنون غرفة صغيرة بخمسة .
تقدم لنا (باسم) بأنه تربى وسط عائلة مفككة الأب مشغول في شركته واجتماعاته، والأم جرفتها الدنيا بزخرفها وزبرجها، فتناست بيتها وامومتها، وأما بيت علي فيه أب يعمل ليعيل عائلته، وأمّ حنونة كل وقتها بيتها، تظهر صورة (باسم) بأنه شاب غير مجتهد حصل على شهادة جامعية مغشوشة، و(علي) بالصورة الإيجابية تخرج في كليته، وهو بملابس العمل، وكان محور هذا التقابل هو الالتزام الديني الذي يتمتع به (علي) كميزة لشخصيته النافذة في قلوب الناس.
وبالمقابل هناك شخصية (باسم) المنفلتة، خلقت من هذا التقابل محور الوجود، الشركة التي يعمل (باسم) فيها مدير علاقات؛ كونه ابن مالك الشركة، محور التقابل المعنوي الصلاة،
فرش على سجادته وصلى الظهرين مما اثار اعجاب الموظفين.
وضعت الكاتبة لنا التقابل الحياتي بين يدي القارئ، (باسم) شاب متهاون يسعى للعلاقات الزائفة، يعرض ازياءه الفاخرة، و(علي) يمتلك دينه، مالت لغة الملتزم (علي) وصفة المغرور المستعرض.
تبدأ مرحلة عرض مفهوم الصراع نفسه، يتغير من شخص الى آخر، الصراع عند (باسم) يختلف عن بنية الصراع عند (علي). الصراع عند (باسم) يبدأ من الغيرة والغل لميلان القلوب الى الشخصية الملتزمة (باسم)، مفهوم الصراع عند (علي) يكمن في الانتصار على الشيطان ومكائده، عالمان لا يجتمعان بسهولة، لابد من حدث كبير تتدرج حالات الصدام الى اعتداء آثم قام به باسم بالاعتداء على الموظف الملتزم (علي).
التقابل أسلوب تعبيري يلعب أدوارًا جوهرية في بناء الرواية، يعمل لإبراز المقاصد والغايات، وتحدث مؤثرات شعورية عند المتلقي، تحول الصراع النفسي الى شجار كاد يفقد عينه، وعدم الرد مع إمكانية الفعل أي كان بإمكان (علي) أن يرد الضربة أو يقابل الاعتداء بدفاع قوي، لكنه فضل الصبر وتجاوز المحنة.
التقابل في طريقة التفكير، توجه (علي) للصلاة وقراءة القرآن والادعية دعاء كميل، والمناجاة الشعبانية، وخشيته من الزلل والانتظار بالتسبيح والتهليل، الشجار محور تفجير التضادات، ومصير التقابل، أسئلة أمّ علي هي تقابل آخر مع اهمال (أم باسم) لكل شؤون .
محور حل ازمة التقابل (باسم) استغرب من موقف (علي) بعدم الرد،
تستدرج الكاتبة بطلها السلبي الى المواجهة الروحية، (باسم) يتفقد غياب (علي) اثر قلقه من الضربة يدخل غرفة (علي) فيجد لوحة كتبت عليها (الحسين اقرب الطرق الى الله عز وجل).
غياب (علي) يشغل بال (باسم)، يعني ان الكاتبة كانت جادة لخلق نقاط التقارب بمهنية، تقول في مضمونها المعنوي غير المدون وانما دلالة من دلالات المعنى مهما اضمحلت الشخصية، لابد من وجود ضمير يرتبط بالله تعالى.
الضمير صنع إلهي لا يموت إلا حين يصر الإنساني على الانتحار ضميريا، حين يصر الانسان على قتله، تبدأ المقابلة بين شخصيات التقابل، منطقة التأويل التي رسمتها لنا الكاتبة بأن العمل الصالح والصبر والتصابر ممكن ان يكون درسًا مهمًّا للتائهين.
ويلعب السرد مهمته في توضيح معالم الرواية؛ لتكون مراجعات الطبيب هي ملتقى روحي لعرض نقاشات جادة، أسهمت في صناعة التغيير لروحية باسم، وبدأت محورًا ينفتح على الطف الحسيني، وقراءة المقتل الحسيني بصورة غير مباشرة.
شغلت الرواية بسرد القضية العاشورائية الى ان تمخض الصراع بطلب (باسم) زيارة كربلاء لزيارة الحسين (عليه السلام)، انا اعتقد ان دخولها الى كربلاء، أنهى القصة بمضمونها الاوسع.
لكن الكاتبة سعت الى تكملة الحكاية لتصل الى نهاية تفصيلية، ادعو الكاتبة قبل طبع روايتها الى أن تجعل زيارة الحسين (عليه السلام) هي نهاية الرواية، رواية جميلة مباركة ولها من صدى الروضتين كل المودة والدعاء.

علي حسين الخباز

قراءة في كفّ الهداية.. يكتبها: طوى علي
 غلاف رواية: كفّ الهداية