القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

نقد: قراءة في (المسعى التجسيدي في رواية حدود الحلم ) للكاتب: ناظم جليل الموسوي

 قراءة في
(المسعى التجسيدي في رواية حدود الحلم )

للكاتب: ناظم جليل الموسوي

يستعمل المبدع الصورة الفنية للتعبير عن تجربته، وإيصالها الى الناس كوجه من أوجه الدلالة، فتتخذ معاني مؤثرة تتفاعل فيها الذوات لندرك ثراء الوجود، معنى الصورة الحسية تمثيل اللامرئي، وإخراجه الى الظهور، والتجسيد هو إعطاء كل ما هو تجريبي شكلًا مجسدًا، وفي رواية حدود الحلم للكاتب (ناظم جليل الموسوي)، يستهل الرواية بمقدمة تكشف لنا هوية المسعى التدويني لديه:
«سأعلق نزفي على قميص حلمي، ولا أظنّ أن للحلم مخالب كمخالب الذئب».
امتلكت هذه الصورة تراكيب شعرية جميلة، حين قدّمت لنا مشروعًا تجسيديًّ استعاريًّا لواحد من أوجه التعريف، أو نقرأ هذا الشعار التهكمي:
«من أحيا روحًا عاش سعيدًا»، هو إحياء تناصي يعتمد الانزياحات على جسد النصّ الروائي، فيصف الجندي بهذا التجسيم:
«الجندي المُتخم همومًا، وهو يصغي كأنه تمثال بلا حركة» ص15
لو أردنا متابعة كل ما جسّدته الرواية من انزياح، لاحتجنا الى صحف؛ لكونها غنية بالانزياحات:
«الكلّ يعلم أن هذه الحرب لا تستحي» ص19.
(50)
يستمد الراوي صور روايته من الواقع المعاش، وما يرتبط به من أحداث وظروف تتعلق بحياته فهو يكتب سيرة ذاتية لمؤلف عراقي مع الحفاظ على مقومات السرد الروائي:
«جنون لذيذ يصلب القلب بين مطرقة العشق وسندان الانتظار»ص22. كل صورة من تلك الانزياحات، تكشف لنا عمق المشاعر:
«الانتحار هوس مفرط بالجنون، فلا تنتظر لمن أباحت شرف العشق، فلا هي نبوءة قمر يأتي لتبصره، ولا هي شمس تطهّر جرحك» ص20
وهو يرى أن الحبيبة اتّسخ قلبها بالخيانة:
«فعجّت رائحة المكان بذلك العفن من الخيانة والخبث».
إذن المشروع الاستعاري هو إلغاء تام للاستعمال التقليدي للغة؛ لأنها ترتكز على قوة الإيحاء، فهي لا تعكس الموضوع بل تعطيه الحياة والشكل؛ لتكون قادرة على التعبير عن فكر المبدع وتجربته، فهو يعلن احتراقه بدخان غيابها، كان يحبها بملوحة الريف، أو نجده يصف وصفًا غريبًا:
«فلا ضمير لمشاوير الليل وهي تدقّ ذاكرته»ص9.
وتثير انتباه المتلقي الصورة التي هي جوهر اللغة الحسية، يكسب بها المنجز قدرته على التأثير الجمالي والرؤيوي، واستخدام الراوي الموسوي للصورة التجسيدية، وتقرّب المعاني الى ذهن المتلقي:
«الحبّ سارق محترف يسرق النبض من القلوب»ص12.
المشروع الاستعاري مشروع كبير، ومحطاته كثيرة، لكن المثير أنه لا يترك الاستعارة، وينتقل الى أخرى، بل يحفر فيها العمق ليجسد معنى المشهد التصويري:
(51)
«يدور حول حلبة عمره بدخان الليل»، ويبدأ بالحفر: «كان يقف عند أول صورة سحقت قلبه نهارًا لتوهمه ليلًا، كالذي يراوغ فعل المرايا لإسقاط الملامح» ص14.
يبرز من خلال مشروع التجسيد الرؤى والأفكار بهيئات محسوسة ومعبرة، بعض النقاد يجدون التجسيد محصورًا على الأمور المعنوية، الراوي يقدّم لنا قرية (أم الطبن) قرية العشق والشجرة التي تحمل أسرار العشق، فيهرب منها الى جحيم الرصاص (الى لسان عجريدة) قرية السودة والبيضة في هور الحويزة، يفرح بهذا الجحيم؛ لأنه البديل لعاطفة جانحة.
نتأمل الأسلوب التوصيلي، وكيفية تسليم الرسالة، فهو يصف الحظيرة بأنها مقام الموت ويزوره ليعطيه مراده، ويقول: سأعمل لزيارة كافة المقامات، فهو أزاح الحظيرة بالمقام، وقدّم لغة تهكمية تتحدى الموت، وتحاصره أجواء وحشته، فهو يسمّي القذائف رسل الموت، ويصوّر للموت مخالب، وللهجر صفعة، وللعشق ضربة، وللفراغ شبحًا، ولم يبقَ إلا صورتها تتدلى أمامه. تذهب الصور الاستعارية الى التجسيد والتجسيم المتبادل لإدراك بين المعنوي والمحسوس، لهذا صُنّفت الصور الى حسية، وبلاغية، وسمعية، وذوقية، وشمّية، وحركية.
المبدع (ناظم جليل الموسوي) لا يعبر عن مشاعره بالأسلوب المباشر، وانما يحيلها الى إدراك العلاقات بين الأشياء.
إن الانزياحات في الرواية كثيرة ومتعددة، واستخدم أنماط الصورة الفنية، ولا تستطيع مثل هذه القراءة أن تنهض بكل النماذج:
(52)
«من أي جسر عبرت فوضى الشظايا، وفرّقت جسده حتى غنم الموت بأكمله، وركن الدنيا بعدما كان غريم معبد الانتظار، بعد أن رهن العمر أوجاعًا صلبت أنفاسه على أعتاب قلبه» ص30.
الرواية كبيرة، وهي واسعة الاشتغال، ومتنوعة الأساليب، ومعتمدة على الانزياحات التي ملأت جسد النصّ الروائي، سأقول: عذرًا إن روايتك أكبر من قراءتي.

 للكاتب: ناظم جليل الموسوي

نقد: قراءة في  (المسعى التجسيدي في رواية حدود الحلم ) للكاتب: ناظم جليل الموسوي
غلاف رواية حدود الحلم/  للكاتب: ناظم جليل الموسوي