القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

وزيرةٌ لا تليقُ../بقلم: عمارة بن صالح عبد المالك - الجزائر

وزيرةٌ لا تليقُ..

     أن تُطلّ وزيرةُ التّربية الوطنية نورية بن غبريط بقرارات صادمة أو مُغيظة أو مُعادية للشّعب بين الفيْنة والأخرى بات أمرا مألوفا، حتّى أنّ الجاهل والأميّ والأكمهَ والأبكمَ تفطّن لها، وأصبحنا نتساءل كلّنا: إلى ماذا تهدف هذه المخلوقة؟! وأين تريد أن تصل؟! وهل تتّخذ القرارات من تلقاء نفسها وعلى مرأى ومسمع مؤسّسات الدّولة العليا؟! أم تراها تكون عروس قرقوز تحرّكها أيادٍ خفيّة؟!
       لم نفهم من خرَجاتها الاِستفزازيّة المقزِّزة إلّا أنّها أداةٌ مُبرمَجةٌ لتحريف هُويّة المجتمع وتشويه قيَمِه الأصيلة؛ تحت مبرّرات التّنقيح والتّصحيح والعصرنة والتّفتّح على العلم والتّكنولوجيا! والحقيقة أنّها مذ ترأست القطاع الأنبلَ والأكثرَ حساسيّةً، لم يزددْ إلّا تدهورا في الشّكل والمضمون، ولم يعرف إلا تقهقرا في المستويات والنّتائج، ولم يشهد إلا تفاقما لمشاكل عديدة لم نشهدْها من قبل مع أيّ وزير، ومنها اكتظاظُ الأقسام، وإضراباتُ المدرّسين والعمّال، والغشّ في الاِمتحانات الرّسميّة وغير الرّسميّة، وتسريبُ الأسئلة، والعنفُ المدرسيّ؛ ولا حصرَ لحوادثِ السّبّ والضّرب والجرح وحتّى القتل التي جرت هنا وهناك في ربوع الوطن وراح ضحيّتها تلميذٌ أو أستاذٌ أو مديرٌ أو عاملٌ، وربّما آخرُها مقتلُ أستاذ على يد مترشح لشهادة البكالوريا في ولاية الوادي شهرَ يوليو الفارط؛ بدعوى أنّ الضّحية المغدور به منع الطّالب القاتلَ من الغشّ أثناء الاِمتحان وتسبّب في عدم نجاحه! ورغم الأموال الطّائلة التي تصرفها الوزارة على لجان كل الأطوار للتّحديث والتّأليف، و على طبع الكتب المدرسيّة، وعلى اللقاءات الدّراسيّة والأيّام التّكوينيّة، ما يزال المؤمَّل بعيدا، ولا تجد تلك التّغييراتُ المُتواصلُ إحداثُها قبولا كبيرا لدى الأسرة التّربوية والأولياء وعموم المجتمع، ولا تزيد نقاباتِ التّربية المستقلّة عن السّلطة إلا سخطا يُضاف إلى المطالبة بحقوق ماديّة أخرى، ولعلّ اتسامَ المجهودات بنوع من الجَفاف والإجحاف وسوء النّوايا هو سبب الخيبات وعلّة الإخفاقات، إذ أنّ تغييبَ أصالتِنا العريقة بحثًا عن المعاصرة ضمنَ برامجَ ومناهجَ جديدةٍ مُستقدَمةٍ من وراء البحار لن يرقى بمنظومتِنا التّربوية والتّعليمية إلى درجاتِ الكمال، فلكلِّ أمّة مقوّماتُها وظروفُها وغاياتُها، ولا يمكن لواحدة أن تلبسَ جلْد أخرى لكي تبدوَ أجملَ، لكنِ المُتَّفقُ عليه أنّ قطاعَ التّربية والتّعليم هو القطاع الوحيد الذي يبني الإنسان والمجتمع، وبوسعِنا أن نستفيدَ من تجاربِ الأمم الرّائدة، دون أن ننسخَها نسخا أعمى ونُلصقَها في واقعِنا المختلِف. ثُمّ إنّي أحسبُ الوزيرةَ مُتأثّرةً بالنّظرياتِ السّوسيولوجيةِ ومناهجِ التّدريس الغربيّة بحكْم تخصّصِها الدّراسيّ وآخرِ بلدٍ درَستْ فيه، ومن ثَمَّ لم ترَ تطويرَ القطاع الذي تشرف عليه إلا بتغريبِه قلبا وقالبا!
أمّا حساسيتُها ضدَّ الدّين الإسلاميّ الحنيف فقد أبدتْها أكثرَ من مرّة، وكان آخرَها حذفُ البسملة من الكتب المدرسيّة هذه الصّائفةَ، وبالتّحديد كتب الطّور الأوّل، وكأنّها قاصمةُ ظهْر التّعليم وواصدةُ أبواب التّحصيل وسببُ تدنّي مستوى التلاميذِ، فأيّ شيطان مريد أوحى إليها بذلك، ودستورُ الدّولة نفسُه يبدأ بـ’بسم الله الرّحمان الرّحيم‘، وينصّ في الباب الأول الخاصّ بالمبادئ العامّة التي تحكم المجتمع الجزائري في المادّة الثّانية على أنّ ’الإسلامَ دينُ الدّولة‘؟! ولست أرى فعلَها ذاك إلّا حماقة ووقاحة وتجرّؤً على المجتمع واستخفافا بقيَمِه، وهو يُؤكّد سوء تسييرها للقطاع، ويُثبت أنّ جلّ ما تقوم به أبترُ، وأنّها تَتخبّط في مخطّطاتِها خبطَ عشواءَ كالأفعى الرّقطاءِ! وقبلَها بسنة أو أقلَّ؛ أدلت بتصريحات باطلة حول المدارس القرآنية، وقالت بأنّ الأطفال الذين يمرّون عليها قبل الاِلتحاق بالمدارس المدنيّة يكونون ضعاف المستوى، عكس الأطفال الذين يمرّون على الرّوضات، والواقع يقول خلافَ ذلك تماما، إذ أنّ النّجباء والأوائل في الاِمتحانات النّهائية لجميع الأطوار يكونون عادةً من حفَظة القرآن الكريم أو ممّن مرّوا على الكتاتيب وأوعَوْا شيئًا منه. وقبل سنتين؛ قرّرت ألّا يُمتحَن الطّلبة في مادّتيِّ التّربيةِ الإسلامية والتّاريخِ في امتحاناتِ البكالوريا التّجريبيّة، ممهِّدةً ربّما لـإلغائِهما نهائيًّا من البرامج الدّراسيّة؛ بحجّة أنّهما مادّتان ثانويّتان، أو كان أحرى أن تقولَ حينَها بأنّهما مادّتان ترفيهيّتان، وحتّى الموادُّ التّرفيهيّةُ تُجرَى فيها امتحاناتٌ رسميّة! وتراجعتْ بعدَها عن القرار تحت معارضة وضغط المجتمع كلّه،،، فأيُّ مشكلةٍ بين الوزيرة والإسلامِ الذي تَدينُ به الدّولة شعبًا وحكومةً؟! أ تُريدُ أن تطمسَ بعضَ نورِه، وقد حاول المستعمِرُ طمسَه طوالَ 135 سنة ولم يُفلحْ؟!
وآخرُ قرار لها مثير للجدل الجزئيّ صدر في شهر أغسطس 2017، ولم يتعلّق بجانب من الدّين إلّا أنّه شبهُ مُجحِف لما فيه من المُحاباةِ والتّمييز العنصريّ والطبقيّ. فقد راسلت كافّة مديريّات التّربية عبر الوطن بتعليمة تحثّهم فيها على وجوب التّكفّل الجيّد بأبناء الأسلاك النّظامية من الجيش والدّرك والشّرطة والجمارك، وتمنحُهم امتيازاتٍ دون أبناء الفئات الأخرى، وأولاها أن يتمّ عقد مجالس أقسام استثنائيّة بدايةَ الدّخول المدرسيّ لصالح التّلاميذ الرّاسبين والمفصولين والمطرودين والمتحصّلين على معدّل يقارب 20/10 ولم ينتقلوا، وأن يتمّ إنقاذُ من يستحقّ الإنقاذ منهم، وأنا متأكّد أنّه سيتمّ إنقاذُ جميع الفاشلين لـأجل القبّعات النّظاميّة لـآبائِهم أو أمّهاتِهم! وثانيها أولويّةُ تسجيل الأبناء في الأقسام التّحضيرية أو السّنة الأولى الاِبتدائية وخلْقُ مقاعدَ لهم إذا اقتضى الأمر، وأن يختار الأولياءُ المدارس القريبة من مساكنهم أو التي يرغبون فيها. وثالثُها أن يُمنحَ الأولياءُ الأولويّة في تحويل أبنائهم إلى عين المكان الذي يعملون فيه، بحكم أنّ عمل الأسلاك النظاميّة ذو طبيعة تنقّلية، وهذه لن نقول شيئا فيها ونوافق الوزيرة عليها.
إنّ قرارًا كهذا؛ خاصّة في شقّه الذي يسمح بإعادة التّلاميذ المطرودين والمفصولين والرّاسبين إلى مقاعد الدّراسة، لا لشيء إلا لكونِهم أبناءَ عسْكر وبوليس وجوندارما وديوانَا، سيَشحنُ بالتّأكيد جَواشنَ أفراد الفئات الاِجتماعية الأخرى وأبنائِهم بمشاعر الاِشمئزاز والتّشاؤم والسّخط والبُغض والكراهيّة، وسيهزُّ نفوسَهم هزًّا ويرجُّها رجًّا، وإنّني أعي هذا الكلام جيدا وقد اشتغلت أستاذا وشرطيّا فيما سبق من العمر. فالتّفريق بين التّلاميذ في مدارسنا الجزائريّة سائدٌ بقوّة منذ عشرات السّنين، وأبرزُ وجوهِه ما يكون على أساس المكانة الاِجتماعيّة للأب أو الوليّ، فهذا ابن الضّابط فُلانٍ، وهذا ابن المقاول فلان، وهذا ابن التّاجر فلان، وهذا ابن الموظَّف فلان، وهذا ابن الفلّاح فلان، وهذا ابن البطّال فلان، وهذا اليتيم ابن المرحوم فلان، وهَلُمّ جرًّا،،، و تبَعًا لسلطان وليّ الأمر أو جاهه أو وجاهته تنجمُ معاملاتٌ خاصّة للإبن والبنت داخلَ الصّف وفي المدرسة، والمؤسفُ أن أوّل من يمارس هذا التّمييز العنصريّ والطبقيّ هم المدرّسون! أمّا عندما اشتغلتُ مفتّش شرطة، فقد كان المجتمع يُنافقني ويَتملّقني، وأنا عالمٌ بدخيلتِه التي تُضمر الشّناءة والعداوة لـأسباب أو لغير أسباب، ولكنّني لم أكن أبالي كثيرا بخفايا القلوب، فرجالُ الشّرطة ممقوتون في معظم مجتمعات العالم، لـأنّ البشَر يُحبّون مخالفةَ القوانين والإفلاتَ من العقاب. وتُذكّرني أولويّاتُ بن غبريطَ التّربويةُ هذه الممنوحةُ لمنتسبِي الأسلاك العسكريّة وشبه العسكريّة والأمنيّة بتلك التي كانت ممنوحة لهم خلال النّسعينات، حيث كان العسكريُّ والدّرَكيُّ والجمركيُّ والشرطيُّ لا يدخل طابورا في إدارة أو دكّان أو محطّة بنزين أو غيرها، ويكفي أن يقول للمواطنين المساكين كلمةَ ’بيريوريتي priorité‘ ليتخطّى أجسادَهم وهمومَهم وأحزانَهم ومعاناتَهم، ثمّ يستظهرَ بطاقتَه المهْنيّة للموظَّف أو البائع ويقضيَ غرضَه في بضع دقائقَ، ويرتدَّ على أعقابِه ظافرًا على أجسادِ المواطنين المساكين وهمومِهم وأحزانِهم ومعاناتِهم أيضا، وهم قائمون في أدوارهم قيامًا فوضويًّا قد يستغرق اليوم كلَّه!
إنّ التلاميذ يتميّزون بحساسيّة عالية جدًّا، وإن تخصيصَ ثلّة من زملائهم بامتيازاتٍ في المدارسِ دونَهم كافٍ ليُحطّم أفئدتَهمُ الرّهيفة، وليجعلَهم حاقدين وساخطين على المجتمع المتعسِّف، وأغلبُ الظّنّ أن تتحوّل أحاسيسُ مكبوتةٌ دواخلَهم مثلَ البغض والغيظ والكراهيّة والنّقص والدّونيّة إلى مشاكل نفسيّة وسلوكيّة واجتماعيّة مستعصية، فينفرُ بعضُهم من مقاعد الدّراسة ويُكثِرُ الغيابَ جزئيًّا أو جملةً إلى أن ينقطع، ويجنحُ بعضُهم إلى التّشويش والشّغب في الفصل والمدرسة، ويعمدُ بعضُهم إلى الكتابة على الجدران وتخريبِ ممتلكات المدرسة من سبابيرَ وكراسيَّ وأبواب ونوافذ ومصابيح وغيرها، وأقصد هنا حصريّا تلاميذَ الطّور الثّاني والثّالث، بل قد سمعنا بتلاميذَ ألحقوا أضرارا بسيّارات أساتذتِهم أو أحرقوها لـأنّهم لا يتَعاملون معهم جيّدا عكسَ آخرين، ويخرجُ بعضُهم عن الآداب العامّة ويُردّدُ فاحشَ الكلام على مرأى ومسمع زملائه، ويتَعلّمُ بعضُهمُ الكذبَ والغشّ والخداع، ويلجأُ بعضُهم إلى عاداتٍ سيّئة كالتّدخين وتعاطي المخدّرات وشربِ الكحوليّات، ويجدُ بعضُهم في العنف والعدوانيّة نوعا من فرض الذّات المنكورة، فيتشاجرُ مع أقرانه في الأقسام وسوحِ المدرسة، وقد يعتدِي صنفٌ آخرُ على أساتذتِه بالضّرب والجرح، ولا حصرَ للأمثلة من كلّ أرجاء الوطن، وقد يدخلُ بعضُهم في نشاطاتٍ إجراميّة كالسّرقة ليحوز أشياءَ مثل زملائِه الميسورين، ظنًّا منه أنّها سببُ اهتمامِ الأساتذة بهم. وجميعُ هذه المشاكل تؤثّر سلْبا في حياة التّلاميذ الأحداثِ، وتقفُ موانعَ صلْدةً أمام عمليّة التّربية والتّعليم، وتُنذِرُ بتسرّبات مدرسيّة كثيرة، وبذلك تَندثرُ الأهدافُ المتوخّاةُ وتتَلاشى آمالُ صناعةِ أجيالٍ متهذّبة ومتعلّمة تضطلعُ بمسؤوليات بناءِ الوطن.
لا غروَ أن نرى الدّول التي بلغتْ درجاتٍ عاليةً من الوعْي والتّقدم تحرصُ حرصًا شديدًا على العدل والمساواة بين التّلاميذ والطلبة في المدارس والجامعات، حتّى أنّ كثيرا منها يلجأ إلى توحيد اللّباس في الأطوار الأولى، فلا تظهرُ ثمّةَ فروق بين الفتيان ولا فروق بين الفتيات، وكأنّهم جميعا من طبقة واحدة، وكما يغرسُ أهاليها العيدانَ مستقيمةً، تنمو مستقيمةً، وتُصيرُ سيقانًا باسقةً عظيمةً، وحينما تنتهِي دورةُ حياتِها، تكون قد ورّثتْ نسلَها هاتيك الاِستقامةَ. فالواجبُ على وزارة التّربية الوطنية أن تحرصَ كلَّ الحرص على عدم التّمييز بين أبناءِ الشّعب، وأن تُلزمَ المديريّاتِ عبر الوطن بضرورة تَجنّب كافّةِ أشكال المُحاباةِ والمُجاملاتِ.

بقلم: عمارة بن صالح عبد المالك
ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
بقلم: عمارة بن صالح عبد المالك