كلمة الشاعر الكبير و الناقد الدكتور عبد الله العشي في ديوان. أنات ورنات.
تطور الشعر النسوي في الجزائر في العقدين الأخيرين تطورا كبيرا، في أشكاله ومضامينه ورؤاه، فقد استجدت ظروف ثقافية واجتماعية وتعليمية مكنته من قطع مسافة إبداعية هامة كانت تفصله عن شعر الرجل، فعلى مستوى الشكل تمكنت الشاعرة الجزائرية من استيعاب التجارب الفنية في الشعر العربي بأشكاله المختلفة، العمودي والتفعيلي والنثري، بعد أن كان الشعر النسوي الجزائري لمدة طويلة مجرد بوح نثري منساب فحسب، وعلى مستوى المضمون خرجت القصيدة النسوية من الموضوعات العاطفية المحدودة والخواطر الذاتية وانخرطت في الموضوعات المركبة ذات الرؤى العميقة في مجالات الحياة المختلفه.

ولطيفة حساني واحده من هؤلاء الشاعرات اللواتي يفتحن باستمرار فتوحات ابداعية عالية، دخلت الى المشهد الشعري الجزائري شاعرة كاملة الرؤية مكتملة الأدوات، محصنة بذخيرة لغوية كبيرة وفي ذهنها قالب صنع للشعر خصيصا، رغم أنها اكتفت بسنوات قليلة من التعلم، لكنها غرفت من ينابيع صافية، تقرأ قصيدتها فتبهرك ببلاغتها وكأنها كانت تلقت الشعر في مجالس الكبار، حسها الإيقاعي شديد الحساسية، لا تعرف له سببا ولا وتدا، ولا علة ولا زحافا، لكنها تمتلك كفاءة عالية في تطويع اللغة في اتجاه بحر واحد لا التواء فيه ولا انكسار، مخيالها يستجمع الكلمات من أقانيم مختلفة في الذات والحياة ويبني بها عبارات بهية أي بهاء. حين يقرؤها القاريء لا يشعر أن ثمة فجوة ما في قصيدتها، بل دقة بالغة الإحكام. أحيانا أشعر أن موهبتها مكنتها من اختصار بعض السنوات لتنقل الشعر النسوي الجزائري إلى تطور ربما كان يحتاج إلى زمن أطول، اشعر ان لطيفة قلصت ذلك الزمن ودفعت القصيدة الجزائرية إلى أن تربح بعض الوقت في رحلة الإبداع.
تحاول باستمرار أن تجدد ذاتها، باحثة عن تجربة جديده، أو صورة باهرة، أو كلمة جميلة،أو رمز مفعم بالدلالة، تكتب بتلقائية لكنها في قصائدها الأخيرة تستدعي قراءاتها لتتكئ عليها و تقكر أكثر باحثة عما هو نموذجي.
الشعري في قصائدها كثير، إنها تعرف كيف تحول المتداول المنثور من المعاني والأفكار إلى شعر، وتلك ليست من المهام السهلة، توفر له الحاضنة الرؤيوية التي تنقله من المباشر السطحي إلى الرمزي حيث يتلاشى النثري ويصير كائنا من نغم وبلاغة يظهر أحيانا ويختفي،
لا تتعبها أثقال القصيدة العمودية الثقيلة، فلا أرى لها تعثرا في قافية ولا قلقا في تفعيلة ولا حشوا لفظيا تكرهه لاستكمال معنى، أو إقامة وزن، ولا ارتباكا في البناء مخلا بالقصيدة، بينها وبين هذا النظام العمودي رفقة سلسة وصحبة طيبة.
تحاولن برفق، أن ترصع قصيدتها العمودية بحيوية الحداثة، فتطعمها بما هو من ممتلكات القصيدة الحرة من صور متباعدة الأركان، أو رموز عابرة للثقافات والازمان، أو رؤية مغايرة ترفع أفقها بعيدا قدر ما تتحمل القصيدة.

لا شك أن شاعرة تلك بعض صفات شعرها، لم تتمرن على الكتابة ولم تنتظر أن تتعلم قواعدها وتستوفي شروطها ، بل جاءت الى الوجود، هكذا، شاعرة، وكتبت القصيدة ربما قبل ميعادها
الناقد الدكتور: عبد الله العشي